بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
قال تعالى
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)
فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ
وَفَضْلٍ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)
سورة النساء
وهذا القرآن يحمل برهانه للناس من رب الناس.
" يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم " .
إن طابع الصنعة الربانية ظاهر فيه؛
" يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم " .
إن طابع الصنعة الربانية ظاهر فيه؛
يفرقه عن كلام البشر وعن صنع البشر ..
في مبناه وفي فحواه سواء.
وهي قضية واضحة يدركها أحيانا من لا يفهمون من العربية حرفا واحدا،
بصورة تدعو إلى العجب.
كنا على ظهر الباخرة في عرض الأطلنطي في طريقنا إلى نيويورك،
كنا على ظهر الباخرة في عرض الأطلنطي في طريقنا إلى نيويورك،
حينما أقمنا صلاة الجمعة
على ظهر المركب ..
على ظهر المركب ..
ستة من الركاب المسلمين من بلاد
عربية مختلفة وكثير من عمال المركب أهل النوبة.
وألقيت خطبة الجمعة متضمنة آيات من القرآن في ثناياها.
وسائر ركاب السفينة من جنسيات
شتى متحلقون يشاهدون!
شتى متحلقون يشاهدون!
وبعد انتهاء الصلاة جاءت إلينا - من بين من جاء يعبر لنا
عن تأثره العميق بالصلاة الإسلامية -
سيدة يوغسلافية فارة من الشيوعية إلى الولايات المتحدة!
سيدة يوغسلافية فارة من الشيوعية إلى الولايات المتحدة!
جاءتنا وفي عينيها دموع لا تكاد تمسك بها
وفي صوتها رعشة.
وفي صوتها رعشة.
وقالت لنا في انجليزية ضعيفة:
أنا لا أملك نفسي من الإعجاب البالغ بالخشوع
البادي في صلاتكم ..
البادي في صلاتكم ..
ولكن ليس هذا ما جئت من أجله ..
إنني لا أفهم من لغتكم حرفا واحدا.
غيرأنني أحس أن فيها إيقاعا موسيقيا لم أعهدة في أية لغة ..
ثم .. إن هناك فقرات مميزة في خطبة الخطيب.
هي أشد إيقاعا.
هي أشد إيقاعا.
ولها سلطان خاص على نفسي! ! !
وعرفت طبعا أنها الآيات القرآنية،
وعرفت طبعا أنها الآيات القرآنية،
المميزة الإيقاع ذات السلطان الخاص!
لا أقول: إن هذه قاعدة عند كل من يسمع
لا أقول: إن هذه قاعدة عند كل من يسمع
ممن لا يعرفون العربية ..
ولكنها ولا شك ظاهرة
ذات دلالة!
ذات دلالة!
" وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ..
نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة؛
نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة؛
ويبدو مفرق الطريق بين الحق والباطل
محددا مرسوما .. في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء ..
محددا مرسوما .. في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء ..
حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير
جوانبها أولا؛
جوانبها أولا؛
فترى كل شيء فيها ومن حولها واضحا ..
حيث يتلاشى الغبش وينكشف؛
وحيث تبدوالحقيقة بسيطة كالبديهية،
وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق
وهو بهذا الوضوح وهذه البساطة؟ !
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة؛
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة؛
ويتلقى منه تصوراته وقيمه وموازينه، يحس
يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور.
يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور.
ويشعر أن مقررات كثيرة كانت قلقة في حسه قد راحت تأخذ
أماكنها في هدوء؛
أماكنها في هدوء؛
وتلتزم حقائقها في يسر؛
وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفلة لتبدو في براءتها الفطرية،
ونصاعتها كما خرجت من يد الله ..
ومهما قلت في هذا التعبير: " وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ..
فإنني لن أصور بألفاظي حقيقته،
لمن لم يذق طعمه ولم يجده في نفسه!
لمن لم يذق طعمه ولم يجده في نفسه!
ولا بد من المكابدة في مثل هذه المعاني!
ولا بد من التذوق الذاتي!
ولا بد من التجربة المباشرة!
ولا بد من التجربة المباشرة!
" فأما الذين آمنوا بالله
واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل،
ويهديهم إليه صراطا مستقيما " ..
والاعتصام بالله ثمرة ملازمة للإيمان به ..
والاعتصام بالله ثمرة ملازمة للإيمان به ..
متى صح الإيمان، ومتى عرفت النفس حقيقة الله وعرفت
حقيقة عبودية الكل له.
حقيقة عبودية الكل له.
فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده.
وهو صاحب السلطان والقدرة وحده ..
وهؤلاء يدخلهم الله في رحمة منه وفضل.
رحمة في هذه الحياة الدنيا - قبل الحياة الأخرى -
وفضل في هذه العاجلة -
قبل الفضل في الآجلة -
فالإيمان هو الواحة الندية التي تجد فيها الروح الظلال
من هاجرة الضلال في تيه الحيرة والقلق والشرود.
من هاجرة الضلال في تيه الحيرة والقلق والشرود.
كما أنه هو القاعدة التي تقوم عليها حياة االمجتمع ونظامه؛
في كرامة وحرية ونظافة واستقامة -
كما أسلفنا - حيث يعرف كل إنسان مكانه على حقيقته.
عبد لله وسيد مع كل من عداه ..
وليس هذا في أي نظام آخر غير نظام الإيمان -
كما جاء به الإسلام -
هذا النظام الذي يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
حين يوحد الألوهية؛
ويسوي بين الخلائق جميعا في العبودية.
ويسوي بين الخلائق جميعا في العبودية.
وحيث يجعل السلطان لله وحده والحاكمية لله وحده؛ فلا يخضع
بشر لتشريع بشر مثله، فيكون عبدا له مهما تحرر!
فالذين آمنوا في رحمة من الله وفضل، في حياتهم الحاضرة،
بشر لتشريع بشر مثله، فيكون عبدا له مهما تحرر!
فالذين آمنوا في رحمة من الله وفضل، في حياتهم الحاضرة،
وفي حياتهم الآجلة سواء ..
" ويهديهم إليه صراطا مستقيما " ..
وكلمة " إليه " ..
" ويهديهم إليه صراطا مستقيما " ..
وكلمة " إليه " ..
تخلع على التعبير حركة مصورة.
إذ ترسم المؤمنين ويد الله تنقل خطاهم في
الطريق إلى الله على استقامة؛
الطريق إلى الله على استقامة؛
وتقربهم إليه خطوة خطوة ..
وهي عبارة يجد مدلولها في نفسه من يؤمن
بالله على بصيرة، فيعتصم به على ثقة ..
بالله على بصيرة، فيعتصم به على ثقة ..
حيث يحس في كل لحظة أنه يهتدي؛
وتتنضح أمامه الطريق؛
ويقترب فعلا من الله
ويقترب فعلا من الله
كأنما هو يخطو إليه في طريق مستقيم.
إنه مدلول يذاق ..
إنه مدلول يذاق ..
ولا يعرف حتى يذاق!
في ظلال القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home