أإله مع الله
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)
******
يقول تعالى آمراً رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يقول: {الحمد للّه} أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وأن يسلم على عباد اللّه الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام، عليهم من اللّه أفضل الصلاة والسلام .
ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد اللّه الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى، والقصد أن اللّه تعالى أمر رسوله ومن اتبعه أن يحمدوه على جميع أفعاله، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار، وقوله تعالى: {آلله خير أما يشركون}؟ استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع اللّه آلهة أخرى. ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره،
يقول تعالى آمراً رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يقول: {الحمد للّه} أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وأن يسلم على عباد اللّه الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام، عليهم من اللّه أفضل الصلاة والسلام .
ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد اللّه الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى، والقصد أن اللّه تعالى أمر رسوله ومن اتبعه أن يحمدوه على جميع أفعاله، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار، وقوله تعالى: {آلله خير أما يشركون}؟ استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع اللّه آلهة أخرى. ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره،
فقال تعالى: {أم من خلق السماوات} أي خلق تلك السماوات في ارتفاعها وصفائها، وما جعل فيها من الكواكب النيرة، والنجوم الزاهرة، والأفلاك الدائرة، وخلق الأرض وما فيها من الجبال والأطواد والسهول والأوعار، والفيافي والقفار، والزروع والأشجار، والثمار والبحار، والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك،
وقوله تعالى: {وأنزل لكم من السماء ماء} أي جعله رزقاً للعباد {فأنبتنا به حدائق} أي بساتين {ذات بهجة} أي منظر حسن وشكل بهي
{ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} أي لم تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق دون ما سواه من الأصنام والأنداد، كما يعترف به المشركون {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه} {ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن اللّه} أي هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق، ولهذا قال تعالى: {أإله مع اللّه؟} أي أإله مع اللّه يعبد، وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضاً أنه الخالق الرازق، ومن المفسرين من يقول: معنى قوله: {أإله مع اللّه} فعل هذا؟ وهو يرجع إلى معنى الأول، لأن تقدير الجواب أنهم يقولون: ليس ثَمّ أحد فعل هذا معه بل هو المتفرد به فيقال: فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والرزق والتدبير؟ كما قال تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} الآية، وقوله تعالى ههنا: {أمن خلق السماوات والأرض} {أمن} في هذه الآيات كلها تقديره أمن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شيء منها؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الآخر، ثم قال: {بل هم قوم يعدلون} أي يجعلون للّه عدلاً ونظيراً،
وهكذا قال تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} أي أمن هو هكذا كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}.
61 - أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون
يقول تعالى: {أم من جعل الأرض قرارا} أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً، ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {اللّه الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء}، {وجعل خلالها أنهارا}
أي جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة، شقها في خلالها وصرفها فيها ما بين أنهار كبار وصغار وبين ذلك، وسيرها شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم، حيث ذرأهم في أرجاء الأرض، وسير لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه ......
منطقة المقرن بالعاصمة السودانية الخرطوم
{وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا}
، ولهذا قال تعالى: {أإله مع اللّه}؟ أي فعل هذا أو يعبد على القول الأول والآخر؟ وكلاهما متلازم صحيح {بل أكثرهم لا يعلمون} أي في عبادتهم غيره.
62 - أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرونينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد، المرجو عند النوازل، كما قال تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه}، وقال تعالى: {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}، وهكذا قال ههنا: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه} أي من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه؟ -1
وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء المضطر: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت). ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه؛ والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه؛ وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر؛ كما قال تعالى: "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" [يونس: 22] وقوله: "فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون" [العنكبوت: 65] فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم، مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم. وقال تعالى: "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين" فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه.
وفي الحديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده) ذكره صاحب الشهاب؛ وهو حديث صحيح. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ لما وجهه إلى أرض اليمن (واتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب) وفي كتاب الشهاب: (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام فيقول الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) وهو صحيح أيضا. وخرج الآجري من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر) فيجيب المظلوم لموضع إخلاصه بضرورته بمقتضى كرمه، وإجابة لإخلاصه وإن كان كافرا، وكذلك إن كان فاجرا في دينه؛ ففجور الفاجر وكفر الكافر لا يعود منه نقص ولا وهن على مملكة سيده، فلا يمنعه ما قضى للمضطر من إجابته. وفسر إجابة دعوة المظلوم بالنصرة على ظالمه بما شاء سبحانه من قهر له، أو اقتصاص منه، أو تسليط ظالم آخر عليه يقهره كما قال عز وجل: "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا" [الأنعام: 129] وأكد سرعة إجابتها بقول: (تحمل على الغمام) ومعناه والله أعلم أن الله عز وجل يوكل ملائكته بتلقي دعوة المظلوم وبحملها على الغمام، فيعرجوا بها إلى السماء، والسماء قبلة الدعاء ليراها الملائكة كلهم، فيظهر منه معاونة المظلوم، وشفاعة منهم له في إجابة دعوته، رحمة له. وفي هذا تحذير من الظلم جملة، لما فيه من سخط الله ومعصيته ومخالفة أمره؛ حيث قال على لسان نبيه في صحيح مسلم وغيره: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...) الحديث. فالمظلوم مضطر، ويقرب منه المسافر؛ لأنه منقطع عن الأهل والوطن منفرد عن الصديق والحميم، لا يسكن قلبه إلى مسعد ولا معين لغربته. فتصدق ضرورته إلى المولى، فيخلص إليه في اللجاء، وهو المجيب للمضطر إذا دعاه، وكذلك دعوة الوالد على ولده، لا تصدر منه مع ما يعلم من حنته عليه وشفقته، إلا عند تكامل عجزه عنه، وصدق ضرورته؛ وإياسه عن بر ولده، مع وجود أذيته، فيسرع الحق إلى إجابته.-2
وقوله تعالى: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي يخلف قرناً لقرن قبلهم وخلفاً لسلف، كما قال تعالى: {إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين}، وقال تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات}، وهكذا هذه الآية: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي أمة بعد أمة، وجيلاً بعد جيل، وقوماً بعد قوم، ولو شاء لأوجدهم كلهم في وقت واحد، ولم يجعل بعضهم من ذرية بعض، بل لو شاء لخلقهم كلهم أجمعين، كما خلق آدم من تراب، ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرية بعض، ولكن لا يميت أحداً حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد لكانت تضيق عنهم الأرض وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم ويتضرر بعضهم ببعض، ولكت اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة، ثم يكثرهم غاية الكثرة ويجعلهم أمماً بعد أمم، حتى ينقضي الأجل وتفرغ البرية كما قدر تبارك وتعالى، وكما أحصاهم وعدهم عداً، ثم يقيم القيامة ويوفي كل عامل عمله إذا بلغ الكتاب أجله، ولهذا قال تعالى: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع اللّه} أي يقدر على ذلك، أو أإله مع اللّه بعد هذا! وقد علم أن اللّه هو المتفرد بفعل ذلك وحده لا شريك له؟ {قليلا ما تذكرون} أي ما اقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم
وقوله تعالى: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي يخلف قرناً لقرن قبلهم وخلفاً لسلف، كما قال تعالى: {إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين}، وقال تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات}، وهكذا هذه الآية: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي أمة بعد أمة، وجيلاً بعد جيل، وقوماً بعد قوم، ولو شاء لأوجدهم كلهم في وقت واحد، ولم يجعل بعضهم من ذرية بعض، بل لو شاء لخلقهم كلهم أجمعين، كما خلق آدم من تراب، ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرية بعض، ولكن لا يميت أحداً حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد لكانت تضيق عنهم الأرض وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم ويتضرر بعضهم ببعض، ولكت اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة، ثم يكثرهم غاية الكثرة ويجعلهم أمماً بعد أمم، حتى ينقضي الأجل وتفرغ البرية كما قدر تبارك وتعالى، وكما أحصاهم وعدهم عداً، ثم يقيم القيامة ويوفي كل عامل عمله إذا بلغ الكتاب أجله، ولهذا قال تعالى: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع اللّه} أي يقدر على ذلك، أو أإله مع اللّه بعد هذا! وقد علم أن اللّه هو المتفرد بفعل ذلك وحده لا شريك له؟ {قليلا ما تذكرون} أي ما اقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم
.63- أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون
يقول تعالى: {أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر} أي بما خلق من الدلائل السماوية والأرضية، كما قال تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون}، وقال تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} الآية، {ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} أي بين يدي السحاب الذي فيه مطر يغيث اللّه به عباده المجدبين القنطين {أإله مع اللّه؟ تعالى اللّه عما يشركون}.
-------
المصادر
المصادر
-------
1- تفسير بن كثير
2- تفسير القرطبيي
1- تفسير بن كثير
2- تفسير القرطبيي
1 Comments:
المدونة جملية جداً وإسلوب رائع
بالتوفيق
khaled dubai tv
إرسال تعليق
<< Home