Monotheism Science
لم يقل القرءان أن علم التوحيد هو علم الكلام
ولم تقل السنة ذلك
وعلم التوحيد مبثوث في القرءان والسنة وكلام التابعين تلامذة الصحابة
في كتب كثيرة
ثم من سار على نهجهم
ثم نشأت قصة علم الكلام
نتيجة الفلسفة التي ترجمت
وندم الكثيرون ممن خاضوا فيه
و الشهرستاني باعترافه في كتابه ( نهاية الإقدام ) في الاضطراب والحيرة نتيجة تعمقه في الفلسفة وعلم الكلام ، حيث أنه أعلن ندمه في الخوض في الإلهيات علي طريق الفلاسفة والمتكلمين
ويمكن التأكد من ذلك في كتاب السبكي : طبقات الشافعية الكبرى وكذلك الأسنوي في كتاب : طبقات الشافعية
يبحث علم الكلام في الأدلة اليقينية المتعلقة بالعقائد الإسلامية ، وهذه الأدلة مبناها العقل المستند إلى المنطق أساساً ، وقد يأخذون بما
أدى علم الكلام إلى انقسام المسلمين عقائدياً إلى فرق شتى ، منها الجهمية والمعتزلة والماتريدية والأشاعرة والاباضية والامامية والزيدية وغيرهم كثير . ووقف أئمة السلف وعلماؤهم في وجه هذه الفرق وشنّعوا عليهم وفنّدوا أقوالهم بالعقل والنقل ، وطالبوهم بالكف عن ذلك والرجوع إلى النبع الصافي نصوص القرآن والسنة . والمتتبع لهذه الفرق يرى أن الاختلاف بينها هو في فروع العقائد وليس في أساسها المتفق عليه بين الجميع . فتراهم اختلفوا في صفات الله وأين يوجد ، وفي القضاء والقدر ومعنى ذلك ، وهل الإنسان مسير أم مخير ، وفي معنى الإيمان وهل الأعمال منه ، واختلفوا في طريق الإيمان هل هو واجب بالعقل أم لا ، إلى غير ذلك من الاختلافات الفرعية . وقد اندثرت كثير من هذه الفرق وبقي بعضها إلى عصرنا الحاضر .
طريقة علم الكلام
يستند علم الكلام في أدلته وبراهينه على علم المنطق بشكل أساسي ، فهو يقرر مسلمات معينة ثم ينطلق منها في إقامة البراهين من خلال مقدمات معينة . ولهذا العلم مصطلحاته الخاصة التي تحجَّر عليها اتباعه إما بسبب عدم وضوحها ، أو لرغبتهم في عدم مخالفة أسلافهم والاحتفاظ باستقلالية هذا العلم . فالجوهر الفرد مثلاً هو الجزء الذي لا يتجزأ وتتكون منه الجواهر أي الأجسام أو المواد بلغة عصرنا . ولا يستطيع المعاصرون أن يقرروا هل هو الذرة مثلاً أو الجزيء أو الإلكترون أو غير ذلك . فهم يقولون بأنه اصغر جزء يمكن تخيله وهو متحيز لكن ليس له مكان . وربما كان هذا ينطبق على الإلكترون الذي يتحرك بشكل موجي وليس له مكان محدد بالضبط ، لا ندري
اعتراف أئمة علم الكلام بحيرتهم وأن طريقة القرآن أفضل الطرق
ثم ذكر بعد ذلك شواهد لا بأس أن تستحضر للاستشهاد بها على ضلال علماء أهل الكلام ، منها: أولاً: ما ورد عن الرازي حيث قال في كتابه الذي صنفه في : أقسام اللذات
نهاية إقدام العقول عقال** وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا** وحاصل دنيانا أذىً ووبال
ويظهر من هذا البيت القلق! فأين الطمأنينة التي كانت عند السلف رضوان الله عليهم؟
ثم يقول
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
هل هذه فائدة؟! -عياذاً بالله- بل هي خسارة كبرى، والخاسرون هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة
ثم يقول
وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال فزالوا والجبال جبال
ثم يقول المصنف: "لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً" هذه وصية مشهورة ذكرها ابن السبكي في طبقات الشافعية على تعصبه للرازي ، وللأشعرية ونقله غيره، ولكن لم يعمل بها من سمعها من أتباعه؛ ثم قال: [ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى- طه:5 -إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ-فاطر-10-
فلم أر إلا واضعاً كف حائرٍ**على ذقن أو قارعاً سن نادم
يقول الشهرستاني في مقدمة كتابه: إنه ذهب وطاف في الآفاق، ورأى المشتغلين بالكلام ما بين حائر ونادم. قال: فلذلك وضعت كتابي: الملل والنحل ؛ حتى تذهب الحيرة ويذهب الندم
فماذا كانت النتيجة
لما كتب الملل والنحل زادت المصائب، فقد نقل فيه كلام الصابئين بالتفصيل، وكلام اليهود، وكلام النصارى، والباطنيين ، وعلماء اليونان، وطوائف كثيرة حشدها، فكلما قرأ فيه قارئ ازداد شكاً وضلالاً، فأصبح هو أيضاً من النادمين، ومن القارعين أسنانهم بالخسارة. نسأل الله العفو والعافية
وكذلك كلام الإمام الجويني المشهور عند وفاته، وشمس الدين الخسروشاهي ، وكذلك ابن أبي الحديد المشهور وهو من الأدباء وقد قام بشرح كتاب نهج البلاغة ، يقول هنا
سافرت فيك العقول فما ** ربحت رأت إلا أذى السفر
فلحى الله الألى زعموا ** أنك المعروف بالنظر
كذبوا إن الَّذي ذكروا ** خارج عن قوة البشر
النهي عن التفكر في ذات الله
يقول المصنف رحمه الله: [فإنهم يتكلمون في الإله بغير علم، وغير سلطان أتاهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] ] ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: {تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله -وفي رواية- فتهلكوا } فعندنا شيئان: الأول: آلاء الله وخلقه نتفكر فيهما. وهذا مجال عظيم للتفكر، وهو من صفات المتقين، وتجد أن كثيراً من الصوفية وغيرهم ممن يعبدون الله على ضلال؛ يظنون أن الله تعالى لم يتعبدنا بالتفكر كما تعبدنا بالذكر، والواقع أن التعبد كائن بالذكر والتفكر، ولذلك يصف الله سبحانه وتعالى أولي الألباب بقوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191] وهذه الآيات هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها إذا قام من الليل، وفيها عبر عظيمة، فقد قرن الله تعالى فيها الفكر مع الذكر؛ فقال: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ [آل عمران:191].. وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ-الذاريات:21
وكذلك التفكر في آلائه سبحانه، وهي نعمه وإفضاله وجوده سبحانه وتعالى المستمر على الناس، قال الله تعالى
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34
فلو تفكر الإنسان في نعمة الطعام والشراب، ونعمة الحواس، ونعمة العقل وكثير من النعم التي أسبغها الله سبحانه وتعالى على عباده
ظاهرة وباطنة، وأعظم وأفضل نعمة على المسلمين هي نعمة الهداية، وأن الله حصنهم من عدوهم المبين الشيطان، وكذلك حذرهم
من المعاصي التي تذهب بطاعاتهم، وتضعف إيمانهم، وتكون سيئات عليهم؛ فهذه النعم يجب علينا أن نتفكر فيها
والشيء الذي لا ينبغي أن نتفكر فيه هو ذات الله تعالى، فنحن لا نستطيع أن نعرف كنه ذاته، ونحن محجوبون عن أن ندرك حقيقته،
وإنما علينا أن نسلم بما أخبرنا سبحانه وتعالى، وقد عَّرفنا بنفسه بما فيه الكفاية، وهذا خير العلوم والمعارف وأشرفها؛ فالله تعالى لم
يضن علينا بما هو دون ذلك من العلوم، فكيف بأشرف العلوم وأعظمها الذي هو معرفته تبارك وتعالى
أما الصواب فهو تجديد أصالة الدين، وروح الملة، ومعدن الشريعة ، الرجوع بالناس إلى راس الأمر،وأصل النبع ، وأساس
النهر،وأول المسيرة، فهو دعوة نيرة صافية من البدع ، هي إلغاء لطقوس الكهنة، ومصطلحات مشايخ الطرق ، عبدة الجاه، وسدنة
الناموس بين البرية. أحببناها ونجحت لأنها دعوة لم يقم بها العسكر تحت رصاص البنادق وزحف الدبابات ، فهي لا تؤمن بالاختلاس
والنهب ، هي دعوة لم تتبن حمايتها الأحزاب الخاسرة التي ترفع شعارات تؤمن بها في الأوراق وتكفر بها في الميدان ، ولأنها ليست
دعوة سياسية صرفة مقصدها الوصول إلى كرسي الحاكم ، وابتزاز عصا السلطان وتصدر الجموع ، إنها دعوة أصلها ثابت من الدليل
الشرعي والاقتداء بالمعصوم صلى الله عليه وآله وسلم ، والدعوة على بصيرة وفرعها في السماء من العطاء المبارك والنفع العام والأثر المحمود
إن هذه الدعوة لم تدلف تحت هتافات الغوغاء والشعارات الجوفاء ولم تقم بأغلبية الأصوات ونتائج صناديق الاقتراع ، لم تفعل ذلك
لأن هذه الدعوة توقد من شجرة الوحي المبارك لا شرقية ولا غربية ، بل سنية ساطعة سطوع الحقيقة ظاهرة ظهور الفجر
فيها بناء فرد وبناء دولة مع تقديم الآخرة وإصلاح القلب مع الاهتمام بالجسم ، لم تحش أذهان أتباعها بزبد الخطابة المجردة ،
والعواطف المجنحة ، ووجهات النظر ، واستحسانات الفلاسفة ، ورغوة علماء الكلام ، وجدل المناطقة ، ولا في حفظ حروز المتصوفة
، الفارغين من النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الهائمين في أودية الخيال . نجحت واستمرت لأن هذه الدعوة ربانية أولى وآخرة
، دنيا ودولة ، جسد وروح ، شكل ومضمون ، رواية ودراية ، خبر وإنشاء ، قول وعمل ، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا . إنها لم تأت
بطرح صوفي يقدس عمامة الشيخ ، ويتمسح بثوب الغوث والقطب ، ويقبل تراب أقدام الأوتاد والأبدال ، ولم تبزغ بوجه رافضي يتبرأ
من الصحابة ، ويحمل الضغينة على الأبرار ، ويأفك في المنهج ، ويفتري على الله ورسوله ، يضل في المعقول ويجهل المنقول ،
ويرفض الثوابت . وصلت للناس كما يصل الماء العذب الرقراق إلى الشفاه وكما يطل نور الفجر على الآفاق ، ومثلما يهبط الغيث من
السماء ، فأحيا به الأرض بعد موتها وإذا الناس بها يستبشرون فليست دعوة سلبت الإنسان حقه في الحياة ، فحرمت عليه الطيبات ،
وحشرته في زاوية يهمهم ويتمتم على أوراد بدعية وأعمال شركية ، يطوف بالقبر كالحمار بالرحى ويتمرغ عند الضريح كالثور في
المسناه ، بهم تطمس إشراقات الملة وبهم تنطفىء أنوار الشريعة . أو دعوة بنيت على مذهب اللملمة ، تقبل السلفي والرافضي
والخارجي والاشتراكي والعلماني ، بحجة رص الصف وجمع الكلمة . ، فهي دعوة واضحة المعالم ، ثابتة الخطى ، متميزة الطرح ،
بينة الخصائص قامت على التوحيد أصل الأصول ، ودعوة الأنبياء ، ومهمة الرسل ، وأول الواجبات وأعظم الفرائض ، فدعت إليه
قولا وعملا ، ونصرها الله بسيف الشرع ، وقوة العلم ، وأحفاد الفاتحين ، فشرقت وغربت وآتت أكلها ضعفين بإذن ربها ، كان من
حسناتها الاهتمام بحلق الذكر ودروس المساجد وبث الوعي ، ونشر العلم ، وهي سنة سنها رسول الله رسول الهدى صلى الله عليه
وآله وسلم ثم أميتت من قرون سلفت ، فجاءت هذه الدعوة لبعثها من جديد وإحيائها .ويوم صار علم الشرع يؤخذ من القنوات
الإعلامية الموجهة ، صار الطرح باردا ، والذهن كالا ، والجيل عاطلا ، والعلم ممجوجا . الآن حصحص الحق ولكل نبأ مستقر وأدرك
العقلاء أن الدعوة التي تتقبلها القلوب ، وتنشرح لها الصدور وتوافقها الفطر ، وتصدقها العقول ، هي الدعوة الموافقة لدعوة
المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم المتبعة لا المبتدعة ، الربانية لا النفعية ، الأثرية لا المخالفة ، الوسطية لا الغالية ولا الجافية ،
وهي دعوة عبرت القرون ، ونفذت من بوابة الدهر ، يحمل علمها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأئمة السنة كمالك
والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد
-رحمهم الله – ومع هذا الموكب المبارك نريد ان نسير ، ومع هذه الطائفة المنصورة الناجية الباقية نتمنى أن نحشر ،
ومع هذا النبع العب الثر نريد أن نعب
********
اللهم إن هذا الشجن مما نفح به الخاطر وشهد به القلب وزكاه الضمير ، لم يحاب فيه شخص ، ولم يتزلف به إلى هيئة ، ولكنها شهادة
تؤدى يوم تكتب شهادتهم ويسألون وعقيدة تعتنق ومذهب يحب وأمنية غالية يلهج بها . ذالكم مما نفث به القلم المصدور على عجل من
أمره ، وفي المطولات عن هذه الدعوة غنية وكفاية ولكنها زكاة نصاب الواجب علي لهذه الدعوة ولا يسعني السكوت ، فإن لم يصبها وابل فطل..
التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات
هذا هو تقسيم – أهل السنة والجماعة – لأنواع التوحيد، وهذه الأنواع كانت معروفة بالبداهة عند السلف الصالح من الصحابة ومن
تبعهم بإحسان حتى ولو لم يفصلوا هذا التفصيل في وقتهم
فإنهم كانوا يعلمون أن توحيد الألوهية يتعلق بإفراد الله عز وجل بالعبادة والخضوع والإنابة وحده جل وعلا، والابتعاد عن الاشتراك مع الله آلهة أخرى
وأما توحيد الربوبية فهم يعلمون أن الله هو رب كل شيء وملكية، وهو خالق الخلق ورازقهم ومدبر أمورهم كلها، وان هذا النوع من
التوحيد داخل في مضمون توحيد الألوهية إلا عند الخلف من المتكلمين الذين عكسوا الحقائق
وأما توحيد الأسماء والصفات فلقد كانوا على معرفة بأن الله عز وجل من الصفات ما أخبر به عز وجل في كتابه الكريم وما أخبر به
نبيه العظيم، يؤمنون أن الله تعالى له ذات لا تشبه الذوات وله صفات الخلق إلا مجرد الاشتراك في التسمية
ودراسة هذه الأقسام وتفصيلها تفصيلاً كاملاً يحتاج إلى مجلدات، بل هو الحاصل بالفعل، فإن كتب علماء السنة تبلغ المئات في بيان
هذه الأنواع والواجب على الناس تجاهها، وكيفية الإيمان بها، وغير ذلك مما لا يكاد يحصر إلا بالكلفة وليس الغرض هنا هو الخوض
في ذكر كل تلك التفاصيل، وإنما الغرض هو بيان خطأ أهل الكلام في مفاهيمهم لتوحيد الألوهية الذي كان أكثر النزاع بين الأنبياء
وأممهم فيه، بل وبين علماء السنة وغيرهم من علماء الطوائف الضالة
فمن حقق توحيد الألوهية قولاً واعتقاداً فاز، ومن حاد عن الحق الواجب فيه كان ذلك أكبر دليل على خسارته وضلاله
والمتكلمون حينما يقررون الكلام في التوحيد يقسمونه إلى ثلاثة أقسام، فيقولون: ((هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له))
، وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث وهو توحيد الفعال وهو أن خالق العالم واحد، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو معنى قولنا: لا إله إلا الله، حتى يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع
هكذا يقرر المتكلمون أنواع التوحيد، فيجعلون توحيد الربوبية – الذي لم يوجد فيه نزاع بين الأنبياء وأممهم – هو أهم أقسام التوحيد
وأوجبها معرفة، مع أن الله تعالى أخبر في كتابة الكريم أن كفار قريش وغيرهم عند بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كانوا
يعرفون توحيد الربوبية ويعتقدون أن الله هو الخالق لكل شيء، فإذا وجه لأحدهم سؤال: من خلق السموات والأرض؟ فإنه على الفور يجيب: الله هو الذي خلقهما. وكانوا يعرفون أن معنى
لا إله إلا الله نفى ألوهية أي كائن كان، لا أصنامهم ولا غيرها مع الله تعالى، ولهذا وقفوا في وجوه رسلهم شعارهم
(أجعل الآلهة إلها واحداً )
، فكانوا في فهمهم وهم على شركهم أحسن من فهم علماء الكلام – وهم يدعون الإسلام – حينما قرروا أن معنى
لا إله إلا الله: لا قادر على الاختراع والخلق والإيجاد إلا الله، وهو معنى باطل يرده كتاب الله وما جاء في سنة رسول الله عليه عامة
أهل الحق، فإن معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله وحده
وهذه هي دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم كما قال تعال
(وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) وقال تعالى حاكياً عن دعوة الرسل لأممهم:
(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )
فالإله هو الذي يستحق العبادة والخضوع له وهذا هو التفسير الحق، وأما تفسير الإله بأنه القادر على الخلق فهو باطل، وأول ما يدل
على بطلانه: أنه لو حقق شخص مفهوم هذا التوحيد، فأقر بأن الله هوالخالق الرازق المدبر لكي يشهد الشهادتين، معترفاً بأن الله هو
الإله المستحق للعبادة لا يشرك به أحداًوالبشر كلهم يقرون بأن الله هو الرب الخالق، حتى الذين عاندوا وجحدوا الربوبية يعترفون في
ذات مجردة عن كل الصفات، التي يسمونها انقساماً للبارئ وتركيباً في ذاته، وبالتالي يلزم من ذلك – حسب أكاذيبهم – تعدد الآلهة
فتكون العين والسمع واليد وغير ذلك من الصفات آلهة معه وحينما تصوروا وقوع هذا المفهوم وشبهوا الله تعالى، ثم عطلوه عن
صفاته بتلك الحجة الباطلة. وحينما جعلوا توحيد الألوهية نفس توحيد الربوبية استدلوا على ذلك بدليل التمانع فقالوا في تقريره: لو
كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر يريد سكونه، أو كان أحدهما يريد أن يكون ذلك الجسم حياً والآخر يريد أن يكون ميتاً، أو غير ذلك من الأمور المتضادة، فإنه حينئذ إما أن تتحقق إرادتهما معاً، وهو مستحيل، إذ لا يمكن الجمع بين النقيضين لأمر واحد
أو يتحقق إرادة واحد منهما ويمتنع تحقيق إرادة الآخر، فيكون هذا الآخر عاجزاً ليس بإله
أو لا يمكن أن تتحقق إرادتهما معاً لعجز كل واحد عن قهر الآخر، فتسقط ألوهيتهما معاً
وبهذا التقرير نتج عندهم أن الله هو وحده الخالق لكل شيء، وأنه رب كل شيء
وهذا وإن كان حقاً أن الله هو رب كل شيء وخالقه، لكنه ليس هو مضمون توحيد الألوهية الذي هو بمعنى إفراد الله بالألوهية وحده لا شريك له، وإفراده أيضاً بالعبودية التي هي معنى الألوهية
وليس هو مضمون جحد أسماء الله وصفاته كما يزعمون حين يؤكدون نفيها وتعطيلها عن الله، ويسمون ذلك توحيدا، ويزعمون أن من أثبت لله الأسماء والصفات الواردة في كتاب الله وفى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مشبه ومجسم، وهم على حد قول القائل:
((رمتنى بدائها وانسلت))، فهم أهل التشبيه والتجسيم، كما هي سمة أهل التعطيل والإلحاد، وهم يسترون باطلهم بأوصاف لله تعالى مجملة، مثل قولهم: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له، ولا جزء له، ولا بعض له … إلخ
فهو يحتمل معنى صواباً إذا كانوا يقصدون به أن الله واحد لا يجوز علية الانقسام ولا التجزؤ ولا التبعض، مع أنها ألفاظ مخترعة لم
ترد في أي نص شرعي ويحتمل معنى باطلاً وهو نفى صفات الله تعالى تحت هذه الأوصاف وقد اتضح من إنكارهم وتعطيلهم لأسماء
الله وصفاته، أنههم لا يريدون إلا هذا المعنى الموافق لتأويلاتهم التي يسمونها توحيداً، ويسمون من يردها مشبها ً ومجسماً وحشوياً.. الخ لأنه لم يقر بأن توحيد الربوبية هو غاية التوحيد ويستدل المؤولون من الخلف على دليل التمانع من القرآن الكريم
بقول الله عز وجل: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
على اعتقادهم أن معنى الآية: لو كان في السموات والأرض إله يخلق غير الله عز وجل لفسدتا، فثبت أنه لا خالق إلا الله، وأن هذا هو توحيد الربوبية الذي بينه القرآن الكريم ودعا إلى تحقيقه وأنه هو دعوة الرسل. فهل أصابوا في هذا الفهم؟ الجواب: لا،
وقد بينه ابن أبى العز رحمة الله فقال
((وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )
لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن ودعت إليه الرسل عليهم السلام وليس الأمر كذلك، بل
التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ثم
قال: فعلم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية الذي يتضمن توحيد الربوبية
فدليل التمانع قائم على أن الله هو خالق الخلق لا رب سواه، والخطأ إنما هو المتكلمين الذين جعلوه هو التوحيد الخالص، وقدموه على
توحيد الألوهية استغناء به، مع إغفال توحيد الألوهية الذي خلق الله الجن والإنس لتحقيقه،
وجعله احب شيء إليه، وبه يثيب وبه يعاقب
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله عن هذا التوحيد
((وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فإن الإله هو
المألوه المعبود بالمحبة والخشية والتعظيم وجميع أنواع العبادة، ولآجل هذا التوحيد خلقت الخليقة وأرسلت وأنزلت الكتب، وبه افترق
الناس إلى مؤمنين وكفار وسعداء أهل الجنة وأشقياء أهل النار..)) إلى أن
قال: ((وهذا التوحيد هو أول واجب على المكلف لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك في الله،كما هو أقوال من لم يدر ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من معاني الكتاب والحكمة
ثم أورد السؤال الآتي وأجاب عنه وهو قوله:فإن قيل: قد بين معنى الإله والإلهية فما الجواب عن قول من
قال بأن معنى الإله: القادر على الاختراع، ونحو هذه العبارة؟
قيل: الجواب من وجهين:
أحدهما: أن هذا قول مبتدع لا يعرف أحد قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا كما تقدم فيكون هذا باطلاً
وإشارته إلى ما تقدم، يريد ما ذكره من تفسير العلماء لمعنى الإله بالمعبود الذي يجب له وحده العبودية والذل والخضوع، ثم قال
((وهذا كثير جداً في كلام العلماء، وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود خلافاً لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله، أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات..))، إلى أن قال: ولو كان معناها ما زعمه هؤلاء الجهال لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينهم نزاع، بل كانوا يبادرون إلى إجابته ويلبون دعوته،
إذا يقول لهم: قولوا لا إله إلا الله بمعنى أنه لا قادر على الاختراع إلا الله
فكانوا يقولون: سمعنا وأطعنا،
قال الله تعالى: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله
الثاني: على تقدير تسليمه فهو تفسير باللازم للإله الحق، فإن اللازم له أن يكون خالقاً قادراً على الاختراع، ومتى لم يكن كذلك فليس بإله حق وإن سمى إلها، وليس مراده أن من عرف أن الإله هو القادر على الاختراع فقد دخل في الإسلام، وأتى بتحقيق المرام من مفتاح دار السلام، فإن هذا لا يقوله أحد، لأنه يستلزم أن يكون كفار العرب مسلمين
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رده على المفهوم الخاطئ لأهل تجاه المراد بالتوحيد: ((وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف، ويظن هؤلاء أنهم إذا اثبتوا ذلك فقد أثبتوا غاية التوحيد، وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيدإلى أن قال:
((فإذا فسر المفسر (الإله) بمعنى القادر على الاختراع، واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله، وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد – ما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية – وهو الذي يقولونه عن أبى الحسن وأتباعه
لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع ذلك مشركين
من أسباب وجود علم الكلام كما يزعم أصحابه: أن السلف الصالح والجيل الأول كانوا مشغولين بالجهاد وبالفتوحات، فلم يكن لديهم اهتمام أن تكون العقائد الإيمانية مبنية على البراهين والحجج، فقد كانوا يأخذونها مأخذ التسليم فقط لا بالإقناع المبني على الحجة والبيان والبرهان، وقد كان هذا حال العرب وهم أمة أمية، فلما انتشر الإسلام في الآفاق، واستقرت الفتوحات، وجاءت الأمم بما معها من حضارات ومجادلات وعلوم؛ أصبح لا يكفي التسليم، بل لابد من حجة وبيان، ولابد من إقناع، وهذا الأمر لا يوجد عند الصحابة والتابعين، فقالوا: إذاً لابد من علم الكلام
ويمثلون لذلك بأن العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام كان الرجل منهم يتكلم بالعربية على السليقة، فلا يلحن ولا يخطئ في كلامه، فلما اختلط العرب بالعجم، وتزوج العرب من الجواري وغير ذلك، أصاب الناس العجمة واللكنة، فاحتاجوا إلى علم النحو، فعلم النحو ليس علماً جديداً، إنما هو وصف وتقرير واستقراء لأمور موجودة وضعت كقواعد يمشي عليها الناس
فجعلوا علم الكلام مثل علم النحو أو ما أشبهه،
فنقول: هذا الكلام باطل ولا حجة له ولا أساس
وقد سبق أن شرحنا هذا وذكرنا الحيرة والاضطراب الذي وقع فيه أهل الكلام .
فنقول: علم الكلام باطل؛ لأن الصحابة رضوان الله
تعالى عليهم والسلف الصالح كان إيمانهم قائماً على الحجة والبرهان والبيان؛ وذلك لأن القرآن نفسه ليس مجرد كلام خطابي يؤمن به من سمعه لأنه يؤمن به؛ بل هو مشتمل على اقوى البراهين وأعظم الحجج، فلا توجد حجة أعظم من الحجج القرآنية، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاءه أحد ليفهم حكماً أو ليتدبر أو ليناظر أو لديه شبهة إلا جلاها له بأقوى حجة تقطع شبهته وتستأصلها من أصلها، وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أقوى الناس بياناً وأعظمهم حجة، فما ناظرهم مناظر إلا قطعوا حجته واستأصلوا شبهته، وكذلك كان التابعون، ولهذا لم يقف أحد من أهل البدعة في وجه أحد من أهل السنة ؛ لا في أيام الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم؛ فقد ناظرهم الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأفحمهم، وقد كان بعضهم من المعتزلة ، وبعضهم من الضرارية ، وبعضهم من البكرية ، وبعضهم من النجارية فرق كثيرة كانت تناظر الإمام أحمد في مجلس المعتصم ومن قبله، ومع ذلك
أفحمهم الإمام رحمه الله تعالى
وكذلك ناظر الإمام الشافعي رحمه الله حفصاً الفرد ، وناظر أيضاً هؤلاء القدرية وأمثالهم، وكذلك كان عبد الله بن المبارك ووكيع ونعيم بن حماد ، وغيرهم ممن لهم صولة وجولة مع أهل البدع
فلم يكن هذا مجرد تسليم، وإنما كان مبنياً على الحجة والإقناع، ومن ذلك عبارة الإمام الشافعي التي استطردنا في بيانها، فهي دليل على أن السلف كانوا يعلمون القواعد الجدلية، وكيف يقنعون الخصم ويلزمونه بالبراهين والحجج، لا بمجرد أن يقال: إن هذا قد ورد، وحسب.. لا شك أن كل ما ورد في الكتاب والسنة فيجب علينا أن نؤمن ونسلم به؛ لكن هل يعني ذلك أنه خال من الحجة والبرهان والبيان؟ كلا. بل ديننا كله براهين، وكل آيات الله تعالى حجج وآيات، ولهذا سمى الله تبارك وتعالى الآية من القرآن التي تبتدئ وتنتهي بفاصلة، سماها آية، وكذلك ما أعطى الله تعالى الرسل من البراهين مثل عصا موسى عليه السلام سماها آية، وكذلك الناقة التي أعطاها صالحاً عليه السلام سماها آية، فقد سمى الله سبحانه وتعالى هذه آية وسمى تلك آية؛ لأن هذه برهان قاطع وتلك برهان قاطع، فليس الأمر مجرد تسليم لألفاظ أو أساليب خطابية كما يزعم هؤلاء المتكلمة
منقول
1 Comments:
عيدك مبارك
ويا رب بداية خير علينا وعليكم
بارك الله فيك على هذه المدونة المميزة الرائعة
جمعت خيرا كثيرا
وهذه فعلا إحدى أهم المقالات التي لفتت نظري وهي هامة جدا
أشكرك وعسى الله أن يجزيك خيرا
وهذا بريدي يرجو تلقي رسائلك والتعرف بك
July71982@hotmail.com
إرسال تعليق
<< Home