طالب الحق... ليست تلك هي حاله
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ
أي : لا أحد أظلم ، وأزيد تعديا ، ممن ذكر بآيات ربه ، التي أوصلها إليه ربه ، الذي يريد تربيته ، وتكميل نعمته على أيدي رسله ، تأمره ، وتذكره بمصالحه الدينية والدنيوية ، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية ، التي تقتضي أن تقابلها بالإيمان والتسليم ، والانقياد والشكر . فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي ، فلم يؤمن بها ، ولا اتبعها ، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره ، فهذا من أكبر المجرمين ، الذين يستحقون شديد النقمة . ولهذا قال : " إنا من المجرمين منتقمون "
--------
(22)سورة السجدة
تفسيرالسعدي
كانت الروح تمتلئ حزناً وتأسى وهي تصطدم في كل مرة بنقائص وزلات معيبة من بعض طلبة العلم الشرعي الذين تتوسم النفس حين تلتقي بهم لأول وهلة أنها بلغت واحة للمستراح تستروح فيها الروح من رمضاء التصحر, فإذا بك بعد وقت يسير يتبدى لك في بعض منهم عورات وأخلاقيات منبوذة, وتطلع لحظوة النفوس وحظها, ووجاهتها وجاهها, واغترار وغلظة, وجفاء وجفوة, مع إعراض عن الحق حينا, واتباع وتقليد معمى حيناً, وجحود للصراط إليه حينا, بل وخوف من إستجلاء الحقيقة كاملة بكل تبعاتها أحيانا كثيرة. وقد أُدميت يوما من بعض من ذلك, فكانت هذه السطور من رسالة سطرت في حينها, ولولا أن الأمل فيهم كبير, لما كان الألم كبيرا, فهم الصفوة المأمولة , وهم الدرر المنتقاة و الأعلام المرتجاة في ظلمات الجهالة, وبصلاحهم تبدأ المسيرة, ودونهم البقية الغافية الغافلة ممن ترك كل شيء وأعرض عن كل خير, فلم يطلب علما ولم يشحذ عزما, ولا اتجه للدين أصلا, وغاص في الدنيا وجعل نفسه أعلى من كل شيء وقيما على الدين وأهله واستغل الأخطاء فيهم ليبرر علوه وجفاءه وتعاليه الفازغ :
متى تصل العطاش إلى ارتواء *** إذا استقت البحار من الركايا
---------------------
) الحمد لله معلي قدر من علما *** وجاعل العقل في سبل الهدى علما (
لماذا يهرب البعض من فتح باب العلم والفهم والفكر والقدح والتفكر ... يؤثرون سلامة التعمية على الحقائق الجميلة ليتركوا الصندوق مغلقا على ما فيه, ولتبقى أدوات العقل والفهم والتبصر معلقة بتعميمات لا سند لديهم على صحتها أو خطأها, لكنهم يخشون من نبش الركام الذي غطى على الأفهام والأفئدة, يخافون من قدح زناد الفكرة ومناقشة المسلّمات التي لم يسلِّم لهم بها أحد ولم يقبلها العقلاء الذين لم يُغيّبُوا في جهالة النكوص وعيهم ... لم يسلِّموا بها حين نظروا فيها نظرة قسط محايدة..
مع أن الأمر ليس لغزاً وليس عصياً على الفهم جداً وليس بحاجة لفلسفات وعمر من الكدح والتعلم كي يتضح ويجلو في النفس أصله, لكنه بحاجة لتجاوز جبل من العوائق وقطع حبال من العادات والوقوف لبرهة قصيرة ذات مرة بإنصاف وإقساط وتجرد لكي يتجلى كأوضح ما يكون ... ككوكب دريُّ لا يغشى بهاء نوره سحاب..
سبحان الله....
" امسح زجاج نظارتك جيدا لترى قبل فوات الأوان .. "
قبل أن تسرح بك الخطى في الطريق المعوج وتفقد دلالات الطريق فلا تهتدي لتصحيح مسارك بعد ...
ولا تحسن سبيل الرجعة حين تريد أن ترجع...
التمادي في رفض الحق ومناصبة أهله الجفاء أو العداء أمر مفجع, ويقود إلى خسارة فادحة, لا يتبين صاحبها أثرها ووقعها على قلبه وفهمه وعقله مع مرور الوقت, ومع الوقت يتحول الأمر إلى عناد محض ..
عناد فيه من الكبر عن الحق أكثر مما فيه من الثبات المزعوم عليه.. . وفيه من الصدود عن الانصياع في لحظة خشوع وخضوع, لإعادة مناقشة الفكرة والوجهة والسبيل والفهم القديم الخاطئ, أكثر مما فيه من الثبات على ما تظنه القلوب المغبونة حقا...
* طالب الحق ... ليست تلك هي حاله!
طالب الحق يظل مشفقاً أبدا... يلين قلبه وقوله, وتخشع كل جوارحه وتخضع لسنن الله تعالى في الملكوت, ويظل متواضعا شفوقا, يعرف ويدرك ضآلة شأنه أمام عظمة خالقه الجليل سبحانه, ويعرف أنه لا أحد بمنأى ولا كان أحد ليأمن من مكر الله تعالى...
فهو دائم التفقد لقلبه وجوارحه ولسانه وإيمانه وأعماله ودائم التطلع لتهذيب نفسه وتأديبها وتزكيتها لتزكو وتصفو وتشف وتسمو عسى أن ينظر الله تعالى لها نظرة رحمة ورضا فيرضاها ويرضى عنها ويتجاوز عن سوءها ويزكي خيرها ويعليها ويعلي في دار المأوى منزلتها ..
بعيب النفس ذا بصر وعلم *** عمىّ القلب عن عيب الرفيق
ولذلك... تراه منشغلا بذنوبه عن ذنوب غيره... وبعيوبه عن عيوب غيره... وبالندم عليها والاستغفار منها والحياء بين يدي خالقه من عوارها وعارها, والرجاء في مغفرته وعفوه, عن كل شغل ءاخر في زهاء الدنى..
لو آمنـتْ أنفسٌ باللَّهِ مـا شُغِـلْت *** عنه بمـا ليس في فقدانِه مَضَض
وتراه مشتغلا في طاعة ربه والعمل فيما يرضيه ويحبه مشتاقا إليه بكل جوارحه وروحه ساعياً إليه بكل نَفًسٍ من أنفاسه متذكِّرا متدبِّرا, مخبتاً مقبلاً, راجياً راغباً, مستغفراً منيباً, محباً وجلاً..
أدّبت نفسي فما وجدت لها *** من بعد تقوى الله من أدبِ
لا يسعده إلا أن يزداد بخالقه معرفة ومنه قربا, فيقدّم بين يدي ذلك ساعات الليل والنهار في العلم والتعلم والتأمل والتدبر وتلاوة آيه وإجالة الطرف في ملكوته وتفقد يد رحمته وإبداع خلقه وجليل صنعه وفضله وكريم عطائه وسابغ نعمائه وتمام حكمته ونفاذ مشيئته وإعجاز تدبيره وتفرد قدرته وعلوه... فهو يرى ما لا يراه الغافلون في كل ما يعبره ويعبر عنه, ويعرف ويدرك ويبصر أن لله حكمة تجل عن الإحاطة في أقل خلقه شأنا, كما له حكمة وقدرا في أتم خلقه إعجازا وقدراً...
وتراه لا يطرب قلبه لما لا يحبه مولاه .. حتى متاع الحياة العابر الذي يبغضه الله تعالى ويذمه, ويتيه في لجّته عامة من يتيه فرحاً ومرحاً وغروراً وطرباً ومتعة, تجده في كل ذلك نقيّ النفس, سليم الفطرة, حاضر المروءة, لا يسعده أن يقترف متاعا لا يرضاه ربه, فهو يبغضه ولا يتبغضه, يبغضه بغضاً أصيلا, لا يترك له معه سعة لأن يطرب منه قلب, أو تختلج فيه جارحة...
أما حين يكون متاعاً حلالاً طيباً فهو يختاره ويحبه, ويعرف أن مولاه الرحيم الودود يحمده عليه إن تأتاه في مرضاته وحمده عليه وعلى نعمته فيه ومعافاته ... فهو مع الله تعالى في كل أمره... حيث يريه أن يسعى يسعى, بالقدر والكيف الذي يشرعه تعالى له, بغير جور ولا تقتير..
عفّت جوارحهم عن كل فاحشة *** فالصّدق مذهبهم والخوف والوجل
يؤنس قلبه الذكر... وإن كفّ اللسان ..
فذكر الله تعالى والتأمل في حكمته وحمده واستغفاره وتنزيهه وتسبيحه, والتفكر والاستحضار, وقدح زناد الفكر والفهم, واستنباط جواهر المعاني, وبينات البيان, هو شغل قلبه في كل حاله, وعلى كل صورة تراه عليها ..
فهو يدعو ويرجو, ويتذكر ويشكر, ويتوب ويستغفر, ويستعين ويتوكل, ويسبح ويحمد, ويجتهد ويتعلم, ويستدل ويدلل, ويراجع درسه ويحاسب نفسه, ويخطط وينوي, ويعزم ويجدّ على الدرب, في كل وقته وعلى كل حاله, إن تحرك أو سكن, أو تحدث أو سكت, لا يشغله عن حاله تلك شاغل, ولا يرهقه ويتعبه إلا تجتاحه ممن حوله - عن تلك الحال - عارضات الشواغل..
وما تقلبت من نومي وفي سنتي *** إلا وذكرك بين النفس والنفس
الحلم سمته وهدي القرءان خلقه...
فتراه أبدا وضيئاً سمحاً, متأنياً متدبراً, رحيم رقيق حي القلب, متوفز الهمة, تملؤه السكينة..
متى تصل العطاش إلى ارتواء *** إذا استقت البحار من الركايا
---------------------
) الحمد لله معلي قدر من علما *** وجاعل العقل في سبل الهدى علما (
لماذا يهرب البعض من فتح باب العلم والفهم والفكر والقدح والتفكر ... يؤثرون سلامة التعمية على الحقائق الجميلة ليتركوا الصندوق مغلقا على ما فيه, ولتبقى أدوات العقل والفهم والتبصر معلقة بتعميمات لا سند لديهم على صحتها أو خطأها, لكنهم يخشون من نبش الركام الذي غطى على الأفهام والأفئدة, يخافون من قدح زناد الفكرة ومناقشة المسلّمات التي لم يسلِّم لهم بها أحد ولم يقبلها العقلاء الذين لم يُغيّبُوا في جهالة النكوص وعيهم ... لم يسلِّموا بها حين نظروا فيها نظرة قسط محايدة..
مع أن الأمر ليس لغزاً وليس عصياً على الفهم جداً وليس بحاجة لفلسفات وعمر من الكدح والتعلم كي يتضح ويجلو في النفس أصله, لكنه بحاجة لتجاوز جبل من العوائق وقطع حبال من العادات والوقوف لبرهة قصيرة ذات مرة بإنصاف وإقساط وتجرد لكي يتجلى كأوضح ما يكون ... ككوكب دريُّ لا يغشى بهاء نوره سحاب..
سبحان الله....
" امسح زجاج نظارتك جيدا لترى قبل فوات الأوان .. "
قبل أن تسرح بك الخطى في الطريق المعوج وتفقد دلالات الطريق فلا تهتدي لتصحيح مسارك بعد ...
ولا تحسن سبيل الرجعة حين تريد أن ترجع...
التمادي في رفض الحق ومناصبة أهله الجفاء أو العداء أمر مفجع, ويقود إلى خسارة فادحة, لا يتبين صاحبها أثرها ووقعها على قلبه وفهمه وعقله مع مرور الوقت, ومع الوقت يتحول الأمر إلى عناد محض ..
عناد فيه من الكبر عن الحق أكثر مما فيه من الثبات المزعوم عليه.. . وفيه من الصدود عن الانصياع في لحظة خشوع وخضوع, لإعادة مناقشة الفكرة والوجهة والسبيل والفهم القديم الخاطئ, أكثر مما فيه من الثبات على ما تظنه القلوب المغبونة حقا...
* طالب الحق ... ليست تلك هي حاله!
طالب الحق يظل مشفقاً أبدا... يلين قلبه وقوله, وتخشع كل جوارحه وتخضع لسنن الله تعالى في الملكوت, ويظل متواضعا شفوقا, يعرف ويدرك ضآلة شأنه أمام عظمة خالقه الجليل سبحانه, ويعرف أنه لا أحد بمنأى ولا كان أحد ليأمن من مكر الله تعالى...
فهو دائم التفقد لقلبه وجوارحه ولسانه وإيمانه وأعماله ودائم التطلع لتهذيب نفسه وتأديبها وتزكيتها لتزكو وتصفو وتشف وتسمو عسى أن ينظر الله تعالى لها نظرة رحمة ورضا فيرضاها ويرضى عنها ويتجاوز عن سوءها ويزكي خيرها ويعليها ويعلي في دار المأوى منزلتها ..
بعيب النفس ذا بصر وعلم *** عمىّ القلب عن عيب الرفيق
ولذلك... تراه منشغلا بذنوبه عن ذنوب غيره... وبعيوبه عن عيوب غيره... وبالندم عليها والاستغفار منها والحياء بين يدي خالقه من عوارها وعارها, والرجاء في مغفرته وعفوه, عن كل شغل ءاخر في زهاء الدنى..
لو آمنـتْ أنفسٌ باللَّهِ مـا شُغِـلْت *** عنه بمـا ليس في فقدانِه مَضَض
وتراه مشتغلا في طاعة ربه والعمل فيما يرضيه ويحبه مشتاقا إليه بكل جوارحه وروحه ساعياً إليه بكل نَفًسٍ من أنفاسه متذكِّرا متدبِّرا, مخبتاً مقبلاً, راجياً راغباً, مستغفراً منيباً, محباً وجلاً..
أدّبت نفسي فما وجدت لها *** من بعد تقوى الله من أدبِ
لا يسعده إلا أن يزداد بخالقه معرفة ومنه قربا, فيقدّم بين يدي ذلك ساعات الليل والنهار في العلم والتعلم والتأمل والتدبر وتلاوة آيه وإجالة الطرف في ملكوته وتفقد يد رحمته وإبداع خلقه وجليل صنعه وفضله وكريم عطائه وسابغ نعمائه وتمام حكمته ونفاذ مشيئته وإعجاز تدبيره وتفرد قدرته وعلوه... فهو يرى ما لا يراه الغافلون في كل ما يعبره ويعبر عنه, ويعرف ويدرك ويبصر أن لله حكمة تجل عن الإحاطة في أقل خلقه شأنا, كما له حكمة وقدرا في أتم خلقه إعجازا وقدراً...
وتراه لا يطرب قلبه لما لا يحبه مولاه .. حتى متاع الحياة العابر الذي يبغضه الله تعالى ويذمه, ويتيه في لجّته عامة من يتيه فرحاً ومرحاً وغروراً وطرباً ومتعة, تجده في كل ذلك نقيّ النفس, سليم الفطرة, حاضر المروءة, لا يسعده أن يقترف متاعا لا يرضاه ربه, فهو يبغضه ولا يتبغضه, يبغضه بغضاً أصيلا, لا يترك له معه سعة لأن يطرب منه قلب, أو تختلج فيه جارحة...
أما حين يكون متاعاً حلالاً طيباً فهو يختاره ويحبه, ويعرف أن مولاه الرحيم الودود يحمده عليه إن تأتاه في مرضاته وحمده عليه وعلى نعمته فيه ومعافاته ... فهو مع الله تعالى في كل أمره... حيث يريه أن يسعى يسعى, بالقدر والكيف الذي يشرعه تعالى له, بغير جور ولا تقتير..
عفّت جوارحهم عن كل فاحشة *** فالصّدق مذهبهم والخوف والوجل
يؤنس قلبه الذكر... وإن كفّ اللسان ..
فذكر الله تعالى والتأمل في حكمته وحمده واستغفاره وتنزيهه وتسبيحه, والتفكر والاستحضار, وقدح زناد الفكر والفهم, واستنباط جواهر المعاني, وبينات البيان, هو شغل قلبه في كل حاله, وعلى كل صورة تراه عليها ..
فهو يدعو ويرجو, ويتذكر ويشكر, ويتوب ويستغفر, ويستعين ويتوكل, ويسبح ويحمد, ويجتهد ويتعلم, ويستدل ويدلل, ويراجع درسه ويحاسب نفسه, ويخطط وينوي, ويعزم ويجدّ على الدرب, في كل وقته وعلى كل حاله, إن تحرك أو سكن, أو تحدث أو سكت, لا يشغله عن حاله تلك شاغل, ولا يرهقه ويتعبه إلا تجتاحه ممن حوله - عن تلك الحال - عارضات الشواغل..
وما تقلبت من نومي وفي سنتي *** إلا وذكرك بين النفس والنفس
الحلم سمته وهدي القرءان خلقه...
فتراه أبدا وضيئاً سمحاً, متأنياً متدبراً, رحيم رقيق حي القلب, متوفز الهمة, تملؤه السكينة..
من كان ملتمسا جليسا صالحا *** فليأت حلقة مسعر بن كدام
فيها السكينة والوقار وأهلها *** أهل العفاف وعلية الأقوام
ليس شئ عنده مطلوب لذاته ولا شئ لديه متروك بذاته.. وليس إلاّ في مولاه حبه وبغضه وموالاته..
وهو لا يرى نفسه فوق الناس ولا دونهم ... لكنه يعرف أن الحق الذي يؤمن به فوق كل شيء .. ففيه ومنه عزته وعدته ووقاره.. ويعرف أن الذنب الذي لم يسلم منه بشر, هو مصدر ذلته بين يدي مولاه ومبعث رجائه...
ثم هو لا يقيم وزن الناس بأوزان الناس..
بل يرى ويدرك أن خير الناس وأكرمهم هو أتقاهم لربه.. فبقدر إخلاصهم للحق يكون قدرهم..
فليس الضعيف الواهن رث الحال رثاً عنده إن كان ربانياً تقياً.. بل يرى كرامته بقدر خُلقه ونقاء فهمه وشرف نفسه وتجرده لمراد ربه .. وبالمثل.. ليس الشريف اللامع الغنيّ المشرق صاحب الصيت والسلطان بكريم عنده إن كان على غير الجادة .. فتلك جاهلية مقيتة ..
فهو يعيش المعنى بكل قلبه " هذا خير من ملء الأرض مثل هذا " متفق عليه
لا يحسن معاملة الناس رضا عنهم ليغيره السخط عليهم .. بل يعاملهم بالقسط الذي يحبه منه ربه.. فلا يغيره الرضا أو السخط ...
لذلك ... ترى من حوله يعرفون له ذلك, فلا يخافون أن يجور عليهم, ولا يستحيون أن يلجأوا إليه حال عوزهم, وإن امتد دهر من الجفاء بينهم وبينه.. فهم يعرفون أنه, وإن كرّ الزمان, هو هو كما كان أبدا.. لا يُدِّل عليهم ولا يمُنّ.. ولا يخالطهم بخلق اللئيم الجارح, بل العفيف المانح, المستغني عن مدح المادح, الهيّن مع ذم الشانئ...
وكذلك.. تراهم .. يتوارون عنه حين تغريهم الدنيا فيدلّسون مع من دلّس ويتهاونون في بعض الحدود ويجاروون الدهماء في مجرى غفلتهم وخوضهم .. غير أنهم .. يعرفون في خبيئة نفوسهم أن أهل الحق لا يرضيهم ذلك ... ولا يرون الخط الأعوج إلأ خطاً أعوجاً.. ولا يشهدون لصاحب السعي الأعرج إلا بأن سعيه عن سبيل الحق أعرج..
هدى الوقار وعزّ سلطان التقى *** فهو المهيب وليس ذا سلطان
سبحانك من رب ... كريم رحيم ودود منعم..
ربنا اجعل نورنا منك في قلوبنا فلا ينطفئ ما دمت معنا, ومادام فيك وإليك ومنك سعينا وكدحنا وتوكلنا ورجاؤنا وخوفنا, وارزقنا معيتك ورضاك وحبك وعفوك, وتولنا يا مولانا واعف عنا..
يا حي يا قيوم.. برحمتك تستغيث جوارحنا وقلوبنا, نشكو إليك ضعفتنا وقهرنا, وغفلتنا ووزرنا, وزهدنا فيما عندك, وإعراضنا عن وعدك, وإقبالنا على دنيا كدرة العيش, عجلة الفوت, زائفة المتاع, مرة الطعم حلاوتها, مغبرة واجهتها, وإن ازينت في العيون والمهج بعض حين...
غفرانك... لا إله لنا سواك, ولا نريد غير رضاك, ورحمتك وعفوك, فاعف يا كريم عنا, وفي أهل رحمتك اقبلنا, يا واسع المنن ويا عظيم العطاء.. غفرانك..
********
د.صفاء رفعت
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home