الانقسام وتداعيات الامة الاسلامية
٨٦ - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا))؛ متفق عليه.
ﻫﺬﺍ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ - صلى الله عليه وسلم - ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺃﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺻﻒ.
ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﺤﺚ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﻫﺬﺍ الأﺻﻞ، ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺇﺧﻮﺍﻧًﺎ ﻣﺘﺮﺍﺣﻤﻴﻦ ﻣﺘﺤﺎﺑﻴﻦ ﻣﺘﻌﺎﻃﻔﻴﻦ، ﻳﺤﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻶﺧﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻳﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻭﺃﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ، ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺻﻒ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺳﺎﺕ ﻭﺣﻴﻄﺎﻥ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﺣﻴﻄﺎﻥ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ، ﻭﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ ﺳﻘﻮﻑ ﻭﺃﺑﻮﺍﺏ ﻭﻣﺼﺎﻟﺢ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊ، ﻛﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ لا ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ؛ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺬﻟﻚ،
ﻓﻴﺮﺍﻋﻮﺍ ﻗﻴﺎﻡ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﻭﺷﺮﺍﺋﻌﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺫﻟﻚ ﻭﻳﻘﻮﻳﻪ،
ﻭﻳﺰﻳﻞ ﻣﻮﺍﻧﻌﻪ ﻭﻋﻮﺍﺭﺿﻪ؛ ﻓﺎﻟﻔﺮﻭﺽ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻜﻠﻒ، لا ﻳﺴﻊ ﻣﻜﻠﻔًﺎ ﻗﺎﺩﺭًﺍ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺃﻭ الإﺧﻼﻝ ﺑﻬﺎ، ﻭﻓﺮﻭﺽ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺎﺕ ﻳﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺮﺽ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺤﺼﻞ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺔ، ﻭﻳﺘﻢ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ.
ﻗﺎﻝ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ﴾[التوبة: 122]،
ﻭﻗﺎﻝ - ﺗﻌﺎﻟﻰ -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾[آل عمران: 104]،
ﻭﺃﻣﺮ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺘﻘﻮﻯ؛ ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻗﺼﺪﻫﻢ ﻭﻣﻄﻠﻮﺑﻬﻢ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻫﻮ ﻗﻴﺎﻡ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﻭﺩﻧﻴﺎﻫﻢ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇلا ﺑﻬﺎ،
ﻭﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻬﺎ،
ﻭﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ، ولا ﻳﺘﻢ ﻟﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﺇلا ﺑﻌﻘﺪ ﺍﻟﻤﺸﺎﻭﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻭﺑﺄﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﺪﺭﻙ، ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ، ﻭﺇﻋﺎﻧﺔ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻟﻸﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺭﺃﻳﻬﺎ ﻭﻗﻮﻟﻬﺎ ﻭﻓﻌﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﻮﻗﺎﺕ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺘﻌﻠﻢ، ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﻌﻠﻢ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺑﻌﺪ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ﻟﻔﻨﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺮﺍﺑﻂ ﻭﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻐﻮﺭ، ﻭﻣﺴﺎﻟﻚ الأﻋﺪﺍﺀ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺮﺟﺔ ﻟﻸﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻜﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﺑﺤﺴﺒﻪ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺤﺮﺍﺛﺔ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻲ الأﺳﺒﺎﺏ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﺪﺭﺱ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﺴﻠﻢ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻊ الأﻋﺪﺍﺀ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ الإﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﺗﺮﺟﻴﺢ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﻧﺎﻫﺎ، ﻭﺩﻓﻊ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻀﺎﺭ ﺑﺎﻟﻨﺰﻭﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﺎﻫﺎ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﻴﻦ الأﻣﻮﺭ، ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﻤﻀﺎﺭ ﻭﻣﺮﺍﺗﺒﻬﺎ.
ﻭﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻳﺴﻌﻮﻥ ﻛﻠﻬﻢ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﻭﺩﻧﻴﺎﻫﻢ، ﻣﺘﺴﺎﻋﺪﻳﻦ ﻣﺘﺴﺎﻧﺪﻳﻦ، ﻳﺮﻭﻥ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ،
ﻭﺇﻥ ﺗﺒﺎﻳﻨﺖ ﺍﻟﻄﺮﻕ، ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺇﻥ ﺗﻌﺪﺩﺕ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺇﻟﻴﻪ؛
ﻓﻤﺎ ﺃﻧﻔﻊ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺬي ﺃﺭﺷﺪ ﻓﻴﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ - صلوات ربي وسلامه عليه -
ﺃﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺎﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﻳﺸﺪ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﻀًﺎ، ﻭﻛﺎﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺇﺫﺍ ﺍﺷﺘﻜﻰ ﻣﻨﻪ ﻋﻀﻮ ﺗﺪﺍﻋﻰ ﻟﻪ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ ﻭﺍﻟﺴﻬﺮ.
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺣﺚ ديننا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻱ ﻫﺬﺍ الأﻣﺮ، ﻭﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﻣﺎ ﺑﻪ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊ، ﻭﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻕ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﺩﻱ،
ﻭﺗﺸﺘﻴﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﺼﻮﺹ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﻋﺪ ﻫﺬﺍ ﺃﺻﻼً ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺗﺠﺐ ﻣﺮﺍﻋﺎﺗﻪ ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻩ، ﻭﺗﺮﺟﻴﺤﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺍﻟﺴﻌﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻤﻜﻦ؛ ﻓﻨﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻫﺬﺍ الأﺻﻞ، ﻭﻳﺆﻟﻒ ﺑﻴﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﺪًﺍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻧﺎﻭﺃﻫﻢ ﻭﻋﺎﺩﺍﻫﻢ؛ ﺇﻧﻪ ﻛﺮﻳﻢ، والله أعلم؛
[الشيخ ابن سعدي].
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home