المبادر
أولا: تعريف المبادرة:
نبدأ أولا بالتعريف اللغوي لكلمة المبادرة، حيث جاء في مادة بدر في لسان العرب، بَدَرْتُ إِلى الشيء أَبْدُرُ بُدُوراً: أَسْرَعْتُ، وكذلك بادَرْتُ إِليه .
وتَبادَرَ القومُ: أَسرعوا.
والبَدْرُ: القَمَرُ إِذا امْتَلأَ، وإِنما سُمِّيَ بَدْراً لأَنه يبادر بالطلوعَ بعد غروب الشمس، وسميت ليلةَ البَدْرِ لتمام قمرها.
*
أما إذا أردنا أن نعرفه اصطلاحا، فلا شك أن هناك تعريفات كثيرة ولكننا سنأخذ تعريفنا من التعريف اللغوي، حيث يمكننا ملاحظة بأن المبادرة تدل على المسارعة والعجلة بمعناها المحمود وبالتالي يمكننا تعريف المبادرة بشكل مبسط بأنه "الإسراع إلى فعل شيء* بهدف التغيير"، هذا الشيء قد تكون فكرة أو عمل أو أي شيء آخر.المبادرة التي ذكرت في القران الكريم والسنة النبوية
المبادرة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة
أولا: المبادرات من خلال قصص القرآن الكريم:
لا شك أن القرآن يحرص على غرس هذه القيمة العالية، قيمة المبادرة، من خلال وسائل متعددة، منها عن طريق الخطاب المباشر، ومنها عن طريق القصص القرآني، وسأقف على نماذج من القصص القرآني والتي تبين بعض المبادرين خلال عصور مختلفة.
1) الأنبياء والرسل:
ودعونا نقف مع بعض الأنبياء والذين بادروا مبادرات رائعة وضربوا بها أروع الأمثلة.
إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومن أولي العزم من الرسل، والذي ضرب أمثالا رائعة على المبادرات المختلفة، ودعونا نقف على نموذج منها. يقول الله تعالى في سورة الأنبياء "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ{51} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ{52} قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ{53} قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{54} قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ{55} قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{56} وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ{57} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ{58}"، تقول الروايات بأن إبراهيم عليه السلام كان شابا حين واجه قومه بأمر عبادتهم للأصنام وتركهم عبادة الله عز وجل، وتأملوا معي في مبادرة هذا النبي الكريم، إذا لم يعجبه وضع قومه حين رآهم على هذه الصورة، بل بادر في دعوتهم إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة الله عز وجل، بل وأكثر من هذا فقد تحداهم بأن كسر أصنامهم إلا صنمهم الكبير حين ذهبوا لكي يقيم عليهم الحجة والبرهان. ولذلك يعلمنا أبونا إبراهيم عليه السلام بضرورة المبادرة حين نشاهد أمرا يخالف أمر الله عز وجل بأن نقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أبو البشر، آدم عليه السلام، قدّم هو وزوجته نموذجا رائعا من نماذج المبادرة، وفي مجال هام جدا، تأملوا في قول الله عز وجل في سورة الأعراف: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ{22} قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{23}". المبادرة إلى التوبة من أهم الأمور التي يجب أن يكون في حياة المسلم، وهذا الأمر يعلمنا إياها أبونا آدم عليه السلام، فعندما أخطأ رجع بسرعة إلى الله عز وجل بعكس ما حدث من إبليس عليه لعنة الله، حين جادل واستكبر بعدما عصى الله تعالى فكان جزاؤه الطرد من رحمة الله تعالى.
ونموذج آخر يقدمها لنا إبراهيم عليه السلام في قصته مع ولد إسماعيل عليه السلام، يقول الله تعالى في سورة الصافات "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ{99} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108} سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111}". في هذه القصة معنى عظيم جدا، وهي المبادرة إلى تنفيذ أمر الله عز وجل والتسليم الكامل له، فبالرغم بأن إبراهيم عليه السلام قد جاء له الولد على كبر وبالرغم من حبه الشديد لإسماعيل عليه السلام، لم يثنه كل هذه الأمور عن تنفيذ أمر الله عز وجل بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، فالمبادرة مطلوبة في تنفيذ أوامر الله عز وجل وينبغي لنا عدم التكاسل عنها أبدا وتسويف الأمور لكي يتم العمل بها لاحقا.
موسى عليه السلام، من أولي العزم من الرسل كذلك، وأكثر رسول ذكرت قصته في القرآن الكريم، وقد أعطانا عليه الصلاة والسلام نماذج رائعة في المبادرة، يقول الله تعالى عنه في سورة القصص: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ{23} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{24} فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{25}" . بادر عليه السلام حينما رأى امرأتين ضعيفتين تحاولان أن تأخذا الماء، فذهب وساعدهما، ولم ينتظر الأجر منهما، بل تولى إلى الظل ليرتاح، وسبحان الله، الذي يبادر من دون انتظار النتائج، أي الذي يعمل عملا خالصا لله يريد به مساعدة الناس، يكافئه الله تعالى من حيث لا يدري، وقد ذكرت الآية ذكرت حين بدأت الآية التالية بحرف الفاء وهو دليل على سرعة الحدوث بعد أن القيام بالأمر وكما هو معلوم بالقصة فقد تزوج موسى عليه السلام من إحدى المرأتين.
نبي آخر هو يوسف عليه السلام، وقصته حين دخل السجن، والتقى بالرجلين وحين سألاه عن تأويل الحلمين، بادر عليه السلام بدعوتهما إلى الله عز وجل، "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{36} قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{37} وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ{38} يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{39} مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{40}". المبادر يتحين الفرص ويستثمر الأوقات المناسبة وخاصة في قضايا الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نوح عليه السلام، يعطينا صفة رائعة من صفات المبادرين الناجحين، وهو التنوع في المبادرات، فإن لم تنجح طريقة، قد تنجح أخرى، ومع أن قومه كذبوه ولم يؤمن منهم إلا القليل، إلا أنه عليه السلام أعطانا نموذجا رائعا في الهمة العالية وفي المبادرات الكثيرة. "قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10}".
2)**** أشخاص مذكورون في القرآن الكريم:
هناك أشخاص كثيرون مذكورون في القرآن الكريم، ضربوا لنا أروع الأمثلة في المبادرات الرائعة، وسنقف على بعض من هؤلاء.
1)**** مؤمن سورة يس:
جاء ذكر مؤمن سورة يس في سورة يس، حيث يقول الله تعالى في حقه "وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ{20} اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ{21} وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{22} أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ{23} إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{24} إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ{25} قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ{26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ{27}"، حينما جاء الرسل إلى أهل هذه القرية ولم يؤمنوا، أراد هذا الرجل المؤمن أن يدعو قومه لإتباع هؤلاء الرسل لكي لا يعذبهم الله تعالى، والعجيب في الموضوع، هو قول الله تعالى "من أقصى المدينة يسعى"، أي جاء سريعا من مكان بعيد لكي يدعو قومه، ولكنهم كذبوا به كما كذبوا بالرسل بل وقتلوه أيضا، وأدخله الله تعالى الجنة بعد ذلك، الشعور بمشاكل الأمور والسعي إلى حلها من أكبر الأمور التي تؤدي إلى المبادرة و"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
2)**** ذو القرنين:
جاء ذكر قصة ذو القرنين في سورة الكهف، وقد طاف رحمه الله تعالى مشارق الأرض ومغاربها حتى وصل إلى قوم شكوا إليه من قوم يأجوج ومأجوج، فبادر إلى بناء سد لمنع شر هؤلاء القوم، "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً{94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً{95} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً{96} فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً{97} قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً{98}"، لم يقل ذو القرنين بأن هذا الأمر لا يخصّه وأن أهل هذه القرية هم المسئولون عن بناء هذا السد ولكنه بادر بمساعدتهم بل وأخبرهم بطريقة بناء السد حتى يكون قويا ومنيعا ويمنع خروج يأجوج ومأجوج حتى يأذن الله تعالى لهم.، وهكذا شأن المبادرين، حينما يرون أية مشكلة في أي مكان، يسعون إلى اقتراح طرق لحلها وهذا يجعلهم فاعلين في المجتمع.
3)**** مؤمن آل فرعون:
وقف هذا الرجل أمام فرعون، ومع أنه كان يكتم إيمانه، ولكنه بادر بدعوة قومه إلى التصديق بموسى عليه السلام والتحذير من أن يصيبهم عذاب الله تعالى، ودعاهم إلى إتباعه حتى يهديهم إلى سبيل الرشاد والنجاة، يقول تعالى في سورة غافر: "َوقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ{38} يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ{39}"، فالمبادر يهتم بقومه ويقوم بنصحهم ويدلهم على طريق الجنة ويبعدهم عن النار.
3)**** الحيوانات في القرآن:
ذكر الله تعالى بعض الحيوانات في القرآن الكريم ممن أعطونا نموذجا رائعة للمبادرة، ومن هذه الحيوانات:
1)**** هدهد سليمان:
وهي من أقوى النماذج التي تعلمنا المبادرة، وتأملوا معي في هذا الطائر الصغير الحجم، والذي لم يستصغر نفسه أبدا برغم بوجود جيش من الحيوانات الكبيرة بل ووجود الجن أيضا ومعظم هؤلاء أكبر جسما وأقوى من هذا الطائر الصغير، ولكن لم يمنعه كل ذلك من خلال موقف شاهده ولم يستطع تحمله من أن يبادر ويخبر سليمان عليه السلام، وبسبب هذه المبادرة أسلمت مملكة سبأ بأكملها، فيا لها من مبادرة عظيمة، يقول الله تعالى في سورة النمل: "فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ{22} إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ{23} وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{24} أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{25} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{26}"، ويعطينا الهدهد بعض الفوائد منها:
-********* عدم استصغار النفس، فربما تكون المبادرة سببا لحصول فائدة كبيرة.
-********* استثمار الفرص.
-********* وجود الهمّ، والذي كان سببا لهذه المبادرة، فالمسلم يجب أن يحمل همّا ويحاول أن يصلح ويتخطى العوائق الموجودة.
-********* يمكن أن تكون المبادرة من أي شخص وليس بالضرورة أن تكون من القادة أو أصحاب المناصب العالية.
2)**** النملة:
وأيضا وردت قصة النملة مع سيدنا سليمان عليه السلام، فحين أراد سليمان عليه السلام أن يسير بجنده العظيم، جاء على قرية من النمل كانت في طريقه، وهنا وقفت نملة صغيرة ونادت قومها تحذرهم "حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{18}" ورغم أنها صغيرة أيضا وقد يمر على القرية جيش سليمان وهم لا يشعرون، فقد قامت هذه النملة بدورها ولم تستصغر نفسها بل وقامت بتبرئة ذمتها، فهل قمنا نحن بدورنا؟ وهل بادرنا نحن وقمنا بتنبيه قومنا وأهلنا ومجتمعنا؟ دعونا إذا نتعلم من النملة.
هذه بعض الأمثلة للمبادرات المذكورة في القرآن الكريم، وكما نرى فإن القرآن الكريم يحرص على غرس هذه الصفة فينا من خلال أمثلة كثيرة وأشخاص مختلفين وبنماذج متنوعة، كل هذا لكي يبيّن أهمية المبادرة في حياتنا وأهمية المبادرة في نهضة الأمم والأفراد.
ثانيا: المبادرة في آيات القرآن الكريم:
إذا تأملنا في آيات القرآن الكريم، فسنجد أن كثير من الآيات تحثنا على المبادرة في مختلف المجالات، وبعد توقفنا على بعض النماذج في القصص القرآني، دعونا نقف على بعض الآيات التي تحث على المبادرة.
1)**** يقول الله تعالى :"وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران133)
2)**** يقول الله تعالى :"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الحديد21)
3)**** يقول الله تعالى :"فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ" (البقرة 148)
هذه الثلاث آيات تحث بشكل مباشر على المبادرة والمسارعة إلى الطاعات، لاحظوا بأن الكلمات الثلاث "سارعوا" و "سابقوا" و "استبقوا"، كلها تدل على السرعة والمبادرة وأننا كلنا في هذه الدنيا في سباق والفائز هو من يفوز في النهاية بأكبر قدر من الحسنات وبالتالي يرتقي في الجنة، وكذلك هناك حث في الآيات الكريمة على مسألة النية وأن مبادرتنا يجب أن تكون لله تعالى وفي سبيل الله تعالى وأن يكون الهدف هو الجنة، ولا نبادر لمجرد أن نحصل على ثناء الناس أو نحصل على مكانة مرموقة في المجتمع، بل نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى وستأتي بعد ذلك كل هذه الأمور تباعا.
4)**** يقول الله تعالى :" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " (غافر60)
ينادينا الله عز وجل نداءا لطيفا، بأن بادروا وادعوني حتى أستجيب لكم هذه الأدعية، إذا هنا يبرز نوع جديد من المبادرة هو المبادرة إلى الدعاء وطلب العون والتوفيق من الله تعالى، ومن منّا يستطيع الاعتماد على نفسه وهو الفقير والضعيف، فاللجوء إلى الله تعالى مع أخذ الأسباب من أقوى أسباب النصر والتمكين، وهذا النوع من المبادرات تعتبر من أهم المبادرات المطلوبة لنا جميعا وذلك لأهميتها، والجميل في الموضوع بأن الله تعالى قد طلب منّا دعاءه مع أننا نحن المحتاجون إليه، بل ووعد بالاستجابة الفورية، فيا له من رب رحيم قريب ودود.
5)**** يقول الله تعالى :" َإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (هود115)
هذه الآية الكريمة تدفعنا أيضا إلى المبادرة، حيث يخبرنا الله تعالى بأن لن يضيع أجر كل من بادر إلى الخير، وفي الآية إشارة إلى الإتقان، حيث إن الإحسان كما فسّره الرسول صلى الله عليه وسلم هو "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهذا ما نسميه في المصطلح الحديث بالجودة، وبالتالي علينا أن نحاول قدر الإمكان أن تكون مبادراتنا ذات جودة حتى تكون ذات أثر كبير. وعلى العموم فإن الله تعالى لن يضيع أجر كل من بادر ولو كانت مبادرة بسيطة وصغيرة، وهذا ما يعطينا دافعا إلى السعي دائما إلى المبادرات.
6)**** يقول الله تعالى :"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (فصلت33)
الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال، ولا شك بأن من أكبر مجالات المبادرة هي في الدعوة إلى الله تعالى، حيث تتنوع الوسائل وتطرح الأفكار المتنوعة، كل هذا في سبيل نشر رسالة الإسلام وقيمه السامية والحث على الطاعات والابتعاد عن المنكرات. الذي يبادر في هذا المجال يتحقق فيه بإذن الله تعالى هذه الآية الكريمة.
7)**** يقول الله تعالى: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " (المطففين26)
نحن نعيش في سباق في هذه الدنيا نحو جنة الله تعالى، وحيث أن الجنة عبارة عن درجات، فالناس يتنافسون يما بينهم لنيل الدرجات العلا من الجنة، والفيصل في ذلك الرصيد من الحسنات عند كل شخص، ولا شك بأن المبادرات من أكبر الوسائل للحصول على الدرجات الكثيرة، وسنأتي بإذن الله تعالى إلى الأحاديث التي تبين فضل من يبادر إلى فعل الطاعات وتوجيه الآخرين إلى الخيرات، فالأجر كبير وعداد الحسنات سيظل يعمل إلى أن يشاء الله تعالى. إذا فالتنافس الشريف مطلوب في الإسلام، والدنيا عبارة عن مزرعة يفوز فيه من يزرع أكثر أي من يبادر أكثر، فالمبادرات النافعة تقود بإذن الله تعالى إلى الدرجات العلا من الجنة.
ثالثا: المبادرات من خلال الأحاديث النبوية الصحيحة:
ونقف ثانيا على المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، السنة النبوية المطهرة، و لاشك بأن هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تحث على المبادرة ولكنّي سأقف على بعض هذه الأحاديث الرائعة والتي تحتاج تأملا عميقا منّا وتطبيقا لما ورد فيها، وسأورد هذه الأحاديث مع تعليق بسيط عليها.
1)**** عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا". رواه مسلم.
2)**** وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". رواه مسلم
هذان الحديثان يحثان بلا شك على المبادرة إلى دعوة الآخرين إلى فعل الخيرات أو ما نسيمه الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف، وفي نفس الوقت يحذرنا من نشر الفساد والشرور لأن العاقبة وخيمة. الناس في هذه الأزمان تحب لغة الأرقام، فدعونا إذا نحسب ماذا سنكسب لو بادرنا مبادرة ما. سأتخيل أن شخصا ما قام بمبادرة بسيطة جدا وهي تعليق للوحة صغيرة مكتوب فيها حديث من الأحاديث النبوية الشريفة ولنفترض أنه ذكر معين. هذا الذكر له أجر معين، ودعونا نفترض بأن خمسة أشخاص يمرون على هذا المكان كل يوم، إذا طبقنا هذا الحديث فإن هذا الشخص يحصل على أجر هذا الذكر خمس مرات في اليوم وبالتالي خمس وثلاثين مرة في الأسبوع وبالتالي مائة وخمسون مرة في الشهر وهكذا في السنة ويستمر الأجر إلى ما شاء الله تعالى. هذا بمبادرة بسيطة، فكيف بمن يقوم بتعليم الناس أركان الإسلام وكيف بمن يدعو إلى فضائل الأعمال والأخلاق الحسنة. أعتقد أننا يجب أن نغير نظرتنا إلى المبادرة ويجب علينا أن نسارع إلى المبادرات حتى نكسب هذا الأجر العظيم.
*
3)**** عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله أو قال عامله". رواه مسلم
هذا الحديث يؤيد الحديثان السابقان، وهذا يؤكد حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على المبادرة في نشر الخير، والجميل في الحديث أن المطلوب من المسلم الدلالة فقط وقد تكون هذه الدلالة بكلمة أو إشارة وما شابههما. وبالتالي فالمسألة ليست صعبة كما يعتقد البعض ولكن يحتاج منّا إلى جهد بسيط فقط.
*
4)**** عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا". رواه مسلم.
في هذا الحديث، يوصينا النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى عمل الخير قبل أن تأتي الفتن تباعا، وكأن هذا الحديث هو للقوم الذين يأتون في آخر الزمان أو قريبين من آخر الزمان، حيث تزداد الفتن ولا تكاد تنتهي فتنة حتى تأتي أخرى بعدها. ونفهم كذلك من الحديث بأن المبادرة إلى فعل الخيرات هي من إحدى العواصم من الفتن، لأن الأعمال الصالحة تعتبر سدا منيعا أمام الفتن. أيضا من الأمور التي نستفيد منها من هذا الحديث هو الاستمرار في المبادرة وهذا ما يدلنا عليه كلمة "بادروا" حيث تدل على الاستمرار وعدم الانقطاع.
5)**** عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا و يصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".صححه الألباني في صحيح الجامع، انظر حديث رقم 7660.
هذا الحديث يحذر من القطيعة بين المسلمين وينهاهم عن الهجر لأكثر من ثلاثة أيام، ولكني أريد أن أقف على الجزء الأخير من الحديث "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" وهذا يدل على أن الذي يبادر إلى رد العلاقة أفضل من الشخص الآخر، وبالتالي فإن الشخص المبادر أفضل من الشخص الساكن والذي ينتظر الأطراف الأخرى لكي تتحرك وبعد ذلك يقوم يتحرك. الإسلام يريدنا دائما أن نكون مبادرين في جميع مجالات الخير، وخاصة مجالات الأخوة والعلاقات بين المسلمين.
6)**** عن أنس رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها". صححه الألباني في صحيح الجامع، انظر حديث رقم 1424.
هذا الحديث، حديث جميل وعجيب في نفس الوقت، قد يفكر الواحد فينا بأن الأنسب في مثل هذه اللحظات العصيبة، لحظات قيام الساعة، هو المسارعة إلى الصلاة أو الصدقة أو أي عبادة أخرى، بل وقد لا يفكر بما هو في يده من فسيلة أو غيرها، ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يغيّر هذا المفهوم دائما ويرشدنا إلى غرس هذه الفسيلة، لماذا؟ لكي يوصل إلينا رسالة مفادها بأن الأعمال التي تنفع الناس من بعدك هي من أفضل الأعمال وقد تكون أفضل من كثير من العبادات، وفي هذا حث إلى المبادرة والمسارعة إلى فعل الأمور التي فيها مصلحة للناس وإفادة لهم، لأن هذه الأعمال – كما ذكرنا سابقا – ثوابها مستمر للشخص حتى بعد موته، في حين أن العبادات تقتصر ثوابها على الشخص نفسه. نحن لا نقلل أبدا من قيمة العبادات فهي الأساس، ولكننّا لا نريد المسلم مهتما بعبادته فقط ويهمل أمور المسلمين الأخرى، نريد المسلم الإيجابي العامل المبادر إلى الخيرات وإلى مساعدة الآخرين فأفضل الأعمال سرور تدخله على مسلم.
7)**** عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق". رواه مسلم
يا لجمال هذا الدين، لا يضيّع أي عمل فيه خير ولو كان بسيطا، ولو كان محتقرا في أعين الناس، ولكنه عند الله لا يضيع، الرسول صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى المبادرة إلى عمل أي نوع ولو بسيط من الخير وعدم استصغار أو احتقار ذلك العمل. ما الذي يمنعنا من نشر ذكر معين، ما الذي يجعلنا لا نبادر إلى نشر رسالة صغيرة؟ يجب علينا أن لا نستصغر أي عمل. المهم علينا بالمبادرة في أي مجال مفيد والمجالات والحمد لله كثيرة جدا، وسنتعرض إلى بعض منها في فصل لاحق بإذن الله تعالى.
8)**** عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم :"فوالله لأن يهدي الله بك رجل واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم" . صححه الألباني في صحيح الجامع، انظر حديث رقم 1511.
يحثنا هذا الحديث على الدعوة إلى الله تعالى وهداية الناس من الظلمات إلى النور، ويخبرنا هذا الحديث بأن أعظم إنجاز هو إنقاذ شخص من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وكم هو سعيد ذلك الشخص الذي بسببه دخل شخص آخر في الإسلام، تخيلوا أن كل عمل ولو كان بسيطا يقوم به هذا الشخص الجديد في الإسلام سيكتب في ميزان حسنات الشخص الثاني، يا له من فضل كبير. علينا المبادرة بدعوة الناس إلى الاسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يفرح بإسلام الناس لأن في ذلك نجاتهم من النار، وعلينا أن نمشي على هدي الرسول ونعمل جاهدين بالطرق المختلفة على دعوة الناس.
*
9)**** عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى كتب الحسنات و السيئات، ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة، فإن همّ بها فعملها كتبها الله تعالى عنده عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، و إن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك". صححه الألباني، انظر حديث رقم : 1796 في صحيح الجامع.
حتى النية في الإسلام لها وزن ولا تضيع عند الله تعالى، فلماذا إذا نتكاسل عن النية؟، وأيضا يمكننا أن نستفيد من هذا الحديث بأن أساس المبادرة نية صادقة يعقدها الإنسان، ولكن النية وحدها لا تكفي، فالعمل هو الأساس، وبالتالي جاء هذا الفارق الهائل بين من ينوي فقط وبين من يعمل، حسنة واحدة إلى سبعمائة حسنة، إذا علينا بالمبادرة إلى فعل الحسنات وقبل ذلك إلى عقد النيات، والله تعالى سيجزينا خير الجزاء، وينبغي كذلك الإشارة بأن الحديث يعطي أملا لمن يفكر أو ينوي أن يعمل عملا سيئا، فإن تاب ورجع عن فكرته يكافئه الله تعالى بحسنة وهذا فضل عظيم من الله تعالى.
10) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر الله له" .رواه البخاري ومسلم.
يؤيد هذا الحديث ما ذكرناه سابقا من عدم استصغار أي عمل، فلا أظنّ بأن إزالة غصن شوك عن طريق عام فيه ذلك المجهود الضخم، ولكنه عمل يسير ومع ذلك فالله تعالى بفضله ومنته يكافئ على هذا العمل البسيط بغفران الذنوب، وفي هذا الحديث إشارة إلى المبادرة إلى الاهتمام بالمجتمع بشكل عام والحرص على نظافته وهذا يدا على رقيّ هذا الدين واهتمامه بجميع نواحي الحياة.
11) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له." رواه البخاري ومسلم.
الدعاء هو العبادة، كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وبالتالي علينا أن نبادر جميعا إلى الدعاء وطلب العون من الله تعالى في جميع أمورنا، وهناك أوقات فاضلة يكون فيه الدعاء مظنة للاستجابة أكثر من غيره، ومن هذه الأوقات ما ورد في الحديث السابق، وهو الثلث الأخير من الليل، والمتأمل في الحديث يرى بأن الله تعالى يوجه إلينا نداء مع أننا نحن الفقراء إليه وهو الغني سبحانه، ولكنه سبحانه يوجهنا إلى أن نبادر ونستثمر هذا الوقت الذي يغفل فيه أكثر الناس، والنداء الرباني أكثر من رائع " من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" فقد نحتاج إلى المبادرة في هذا الوقت وطلب المغفرة والعون من الله تعالى.
12) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر في الدنيا يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". رواه مسلم
يركّز الإسلام كثيرا على معاني الأخوة والترابط بين المسلمين، وبالتالي يحثهم على تطبيق هذه المعاني، ومن جملة هذه الأمور ما ورد في الحديث السابق، والإسلام يحث أتباعه على المبادرة إلى قضاء حوائج الناس، والتيسير عليهم ، والستر عليهم، بل وإن الله تعالى يكون مع العبد كلما سعى أكثر في قضاء حوائج الناس وساعدهم وأعانهم. بل وإن من فضل الله تعالى على هذا الشخص بجانب كونه سبحانه وتعالى معه في الدنيا، فإنه ينتظره جزاء عظيم في الآخرة، وما الذي يحتاج إليه الإنسان أكثر من تنفيس الكربات والتيسير عليه في الآخرة. كل هذا يتحقق إذا بادرنا وسعينا في خدمة الناس وقضاء حوائجهم.
*
إذا تبيّن لنا من القصص القرآني والآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، حث الإسلام لنا على المبادرة، فالمبادرة قيمة عظيمة لها من الفوائد الشيء الكثير .
منقول من كتاب : أحطت بما لم تحط به
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home