بينات من الآيات
بماذا نستدل على ربنا ؟
وما هو السبيل الى المعرفة الأعمق به ؟
إن الكون بما فيه من مخلوقات ، و ظواهر ، يهدينا لو تفكرنا فيه الى ربنا والى الحق ، ولكن آيات القرآن أبلغ بيانا و هداية ، لأنها حديث الله عن نفسه ، كما أنها موضع التجلي الأعظم لله تعالى بصفاته و أسمائه الحسنى ، وفي الدعاء عن أمير المؤمنين (ع) يخاطب ربه فيقول : " يا من دل على ذاته بذاته " فلنقرا كلام الله عن نفسه .
[ رفيع الدرجات ]
إنه المالك لتلك الآفاق و المراتب السامية في الدنيا و الآخرة ، فهو يرفع المؤمنين به الى أسمى درجات الكمال و الرقي و العزة . أما المعنى الآخر للآية فهو : إن الله ذاته تبارك و تعالى في أرفع الدرجات من الكمال في كل صفاته ، فهو مطلق الرحمة ، و مطلق العزة و القدرة ، و .. و .. كما أنه مطلق الإنتقام و الشدة و .. و ..
[ ذو العرش ]
أي القوة و السيطرة . وقد تقدم أن للعرش أحد معنيين : الأول المعنى المادي ، و هو أن العرش خلق عظيم واسع الحجم ، ممتد الطول هائل المقام ، الثاني المعنى المعنوي بأن يكون العرش رمزا للقوة و الهيمنة .
و ربنا من تلك الدرجات الرفيعة ينزل رسالاته للبشر على من يصطفي من عباده ، والتي تعتبر في لغة القرآن منبع الحياة الحقيقية للانسان ، لأنها تنقذه من الهلكات ، و تنفخ فيه الحركة و التكامل و العروج الانساني الفاضل ، و لعله لهذا السبب سميت الرسالة و الملك الذي يتنزل بها وهو جبرئيل (ع) بالروح .
[ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ]
و هنـــا إشارة الى أن الروح ليس جزء ينفصل من الله لينزل من عنده الى الأرض ، إنما هو مخلوق فهو من أمر الله كما هو حال سائر الخلق في كونهم من أمره تعالى ، و الذي تشير إليه الآية الكريمة " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " (1) وهذا يعني أن الأنبياء و الرسل ليسوا آلهة بما اختصوا به من الوحي إنما(1) سورة يس / 82
هم عباد له تعالى ، وما عندهم من الوحي و المنزلة الرفيعة لم يبلغوه بسعيهم المجرد و إنما بمشيئة الله و حكمته .
و تنفي هذه الفكرة فكرة التكامل الطبيعي عند الانسان ، والتي يدعي أصحابها بأن الانسان يتكامل بطبعه حتى يعرج الى السماء أو الى مقام الرسالة و الألوهية ، بلى . الانسان يستطيع أن يهيء في نفسه أرضية للعروج ، ولكن الله هو الذي يكمله ، وإذا رفعه الى مقام الأنبياء فليس معنى ذلك أنه أصبح إلها ، أو أنه رفعت عنه المسؤولية ، كلا .. و الدليل أن نزول الروح على أي انسان يحمله مسؤولية التبليغ لهداية الناس .
[ لينذر يوم التلاق ]
و تلخص هذه الآية كثيرا من العقائد الاسلامية و النظرات الحياتية في القرآن بمفرداتها الأربع : " رفيع الدرجات " ، " ذو العرش " ، " يلقي الروح من أمره " ، " يوم التلاق " ، و يوم التلاق هو يوم يلتقي الانسان بخصومه ، و هو من الأيام الحساسة و المشهودة في حياته ، فيلتقي المستكبر بالمستضعف ، و الظالم بالمظلوم ، و الغاصب بالمغصوب منه ، و الكاذب بمن افترى عليه ، و كل عامل يلتقي يومئذ بعمله ، و يلتقي المجرمون بالشهود ، و الناس جميعا يلتقون بالحساب عند ربهم ، و هكذايكون يوما عظيما لابد أن يرهب مقامه ، و ينذر به المنذرون .
[16] و يضيف القرآن مبينا واقع ذلك اليوم العظيم و الحاسم :
[ يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ]
في الدنيا يحاول الإنسان جاهدا إخفاء سلبياته و تجاوزاته لحقوق الآخرين ، و حتى إنه يحاول خداع ذاته ، و إخفاء جرائمه عن ضميره بالتبريرات و الأعذار ، وقديستطيع الهرب من يد العدالة ، ولكن هل يتمكن من مثل ذلك في الآخرة ؟ كلا .. لأن اعتقادات الانسان و أقواله و أعماله كلها تظهر يومئذ ولا تخفى منها خافية أبدا كما يقول تعالى : " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " كبيرة كانت أو صغيرة ، وكيف يكون ذلك وقد أوكل الله بكل واحد ملائكة يكتبون له و عليه كل ما يصدر منه ، وهو من ورائهم رقيب ؟!
و حينئذ يرتسم في الأفق سؤال عريض ربما ينطق به كل شيء ، لأنه سؤال الساحة الذي يقتضيه الحال ، و قد ينادي به مناد من عند الله ، السؤال هو :
[ لمن الملك اليوم ]
و الإجابة يحكيها لسان الواقع ، وهي التي وردت في فاتحة الكتاب التي وصفت اللــه بأنه " مالك يوم الدين " وهنا ايضا يقول القرآن مجيبا على النداء أو السؤال المفترض :
[ لله الواحد ]
فلا يشاركه أحد في الملك و الحكم .
[ القهار ]
و القهار هو أبرز سمات الإنفراد بالملك ، حيث لا شيء يعجز الله و يقهره ، ولا أحد ينازعه على الملك إلا و قصمه ، و ملك الله ليس محدودا بالآخرة وحسب ، فهو الملك في الدنيا أيضا ، ولكن الكفار يعمون و يصدون عن هذه الحقيقة بعنادهم و بفقدانهم للبصيرة الهادية حيث رفضوا رسالات الله ، أما المؤمنون فهم يعرفون هذه الحقيقة بعمق ، لهذا يسلمون لله ولمن يختاره راضين طائعين .
تفسير من هدى القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home