وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ(22)﴾
الله تعالى يريدُ قلبَك ويريدُ أن تلْتَفِتَ إليه، ويريدُ اهْتِمامَكَ، يريدُ حُبَّكَ
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
وَإِلَى اللَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(22)﴾
الحقيقة هنا علاقة ترابُطِيَّة ؛ وهو أنَّك لن
تستطيع أن تُقْبِلَ على الله تعالى إلا إذا كُنْتَ مُحْسِنًا لِخَلْقِهِ،
لأنَّ هؤلاء العِبادِ خلْقُ الله تعالى، إن أسأتَ إليهم وأوْقَعْتَ فيهم
الأذى، وإن أكَلْتَ مالهم، وألْقَيْتَ في قلوبِهِم الخَوف لن تستطيع أن
تتوجَّهَ إلى الله تعالى إطْلاقًا،
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
وَإِلَى اللَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(22)﴾
أي ارْتَبَط بالدِّين ارْتِباطًا متينًا فهناك
أحْيانًا لأدْنى إغراء أو ضَغْط، فهذا مُقاوَمَتُهُ هشَّة، وهذا
عُرْوَتُهُ غير وُثْقى، وارْتِباطُهُ بالدِّين ضعيف فأدْنى ضَغْطٍ أو
إغْراء يعْصي الله تعالى، وهناك مَن ارْتِباطُهُ بالدِّين وثيق وعُرْوَتُهُ
وُثْقى، فمهما تلقَّى ضَغْطًا يقول: أحدٌ أحد فرْدٌ صَمَد !
قال تعالى:
﴿مِن الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾
ما غيَّر وما بدَّل،
وقال تعالى:
﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ
فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ
انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ
الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(11)﴾
فالعُرْوَة الوُثْقى أن تُحْسِنَ إلى الخَلْق،
وأن تتَّصِل بالحق،
ولن تتَّصِل إلا إذا أحْسَنْتَ،
ولن تُحْسِن إلا إذا
اتَّصَلْت،
فالاتِّصال يُعينُكَ على الإحْسان،
والإحْسان يُعينُكَ على
الاتِّصال،
وكُلٌّ منهما سبب ونتيجة علاقة مُتَرابِطَة،
فالإحْسان سبب
للتَّوجُّه إلى الله تعالى،
والتَّوَجُّه إلى الله سبب للإحْسان،
وكُلَّما
ازْدَدْتَ إحْسانًا اِزْدَدْتَ إقْبالاً، وكُلَّما اِزْدَدْتَ إقْبالاً
اِزْدَدْتَ إحْسانًا،
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
وَإِلَى اللَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(22)﴾
فالله تعالى يُريدُ وَجْهكَ، واتِّجاهَكَ واهْتِمامَكَ، وقلْبَكَ ومشاعِرَك،
فهذه يُريدُها، أما قناعاتك،
كما قال تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(25)﴾
فالقناعة شيء والشُّعور شيءٌ آخر العُرْوَة الوُثْقى هي التي لا تُفَكّ،
قال تعالى:
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا
مَرْجِعُهُمْ
فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ(23)﴾
الأمور بالخواتيم، والغِنَى والفقْر بعد
العَرْض على الله تعالى،
ولا يُسَمَّى العاقِلُ عاقِلاً إلا إذا وصَلَ إلى
الجنَّة،
أما إذا وصَلَ إلى الجنَّة فلا يُسَمَّى عاقِلاً،
لذلك قال الإمام عليّ كرَّم الله وجْهه:
يا بُنيّ ما
خيْرٌ بعدهُ النار بِخَيْر، وما شرّ بعده الجنَّة بِشَرّ، وكُلُّ نعيم دون
الجنَّة مَحْقور، وكلّ بلاء دون النار عافِيَة،
فنجاحُكَ الاقْتِصادي
ونجاحُكَ في جَمْع المال
ونجاحُك في نَيْل الدَّرَجات العِلْمِيَّة،
وفي
تَجْميع الناس حَوْلَكَ،
والارْتِقاء في المناصب العليا ؛
هذه كُلُّها
نجاحات،
هذه النجاحات إذا انْتَهتْ إلى النار
فهِيَ ليْسَت بِنَجاح
وكلّ
المتاعب والأحزان والهُموم والمصائِب
إذا أفْضَتْ بِكَ إلى الجنَّة فهذه
نِعَم !
حتَّى لو فقَدْتَ حُرِيَّتَكَ وأمْضَيْتَ سنوات طويلة،
وخَرَجْتَ
حافِظًا لِكِتاب الله فهذا مِن النِّعَم الباطِنة،
فالنِّعَم الظاهِرة التي
تعارف الناس على أنَّها نِعَم،
والباطِنة هي المصائِب ؛
ما خيْرٌ بعدهُ
النار بِخَيْر،
وما شرّ بعده الجنَّة بِشَرّ،
وكُلُّ نعيم دون الجنَّة
مَحْقور،
وكلّ بلاء دون النار عافِيَة،
وهناك قَول آخر للإمام عليّ كرَّم
الله وَجْهه يقول:
فَلْيَنْظُر ناظِرٌ بِعَقْلِهِ
أنَّ الله أكْرَمَ
مُحَمَّدًا أم أهانَهُ حينما زوَى عنه الدنيا ؟!!
فهل زار النبي عليه
الصلاة والسلام العالم ؟
وهل رأى المُدُن الجميلة ؟
وهل ركِب السيارات
الفَخْمة ؟
مِن مكَّة إلى المدينة ؛
صَحْراء،
وتَمْر وماء ينامُ أحْيانًا
جائِعًا،
وما ذاق من الدنيا شيئًا،
فَلْيَنْظُر ناظِرٌ بِعَقْلِهِ أنَّ
الله أكْرَمَ مُحَمَّدًا أم أهانَهُ
حينما زوَى عنه الدنيا،
فإن قال:
أهانَهُ فقد كذَب
وإن قال: أكْرَمَهُ فقد أهان غَيْرَهُ
حينما أعْطاهُ
الدنيا !
فالدُّنيا مُوَقَّة وليْسَت عطاءً،
وهي أحْقَرُ مِن أن تكون عطاء
الله تعالى
لو كانت الدنيا تعْدِل عند الله جناح بَعوضَة
ما سقى منها
الكافر شرْبة ماء،
وهي شيءٌ طارئ ومُوَقَّت لا يُقَدَّم ولا يؤَخِّر
لذلك قال تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام، إنَّ الذي يعيش المستقبل هو العاقِل،
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا
مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ(23)﴾
أيُّها الإخوة الكرام، إنَّ الذي يعيش المستقبل هو العاقِل،
والمستقبل فيه الموت،
وبعد الموت هناك برْزَخ،
وبعد
البرْزَخ إما الجنَّة وإما النار
فو الذي نفْس مُحَمَّد بِيَدِه ما بعد
الدنيا من دار إلا الجنَّة أو النار،
فَكُلّ إنسان يعيش لحْظة مُغادَرة
الدنيا،
ولحْظة دخول القبْر ؛
هذا إنسانٌ عاقِل،
وإنسانٌ يَعُدّ للِقاء
الله تعالى،
وكلّ مَن يعيشُ لَحْظتَهُ فهذا غبيّ والهلاك كُلّ الهلاك
أن
تُقيم على معْصِيَة،
وأن تأكل مالاً حرامًا وأن تُنفقَ مالاً حرامًا،
وأن
تُمَتِّع عيْنَيك بما حرَّمَهُ الله تعالى،
أما إذا كنت في سيارة والنسيم
عليل
ولكن المِكبح مُعَطَّل
وأنت لا تعْلم فأنت عاقِبَتُكَ الموت وأنت لا
تعلم،
لذا الويل لِمَن كان على غير طاعة الله.
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
اللهم انا نسالك العفو والعافية في الدنيا والاخرة
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home