أضحية العيد
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة - الدرس ( 11): أضحية العيد
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-10-26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما
ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.أيُّها الإخوة الكرام، أخٌ كريم طَلَب مِنِّ أن أجْعَل هذا الدَّرْس حَول موضوع الأضْحِيَة، ونحن على مشارف العيد الأضحى المُبارَك.
الأضْحِيَةُ أَيُّها الإخوة شعيرة مِن شعائِر المسلمين في عيد الأضْحى المبارَك، والإمام أحمد رحمه الله تعالى وابن ماجة رويا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله: مَن وجَدَ سعَةً ولم يُضَحِّ فلا يقربنَّ مُصَلاَّنا..."فالإمام أبو حنيفة اسْتَنبَط مِن هذا الحديث أنَّها واجِبَة فالأُضْحِيَةٌ واجِبَة على مَن وَجَدَ سَعَةً لأنَّ مِثل هذا الوعيد ؛ لا يقربَّن مُصلاَّنا، لا يلْحَقُ إلا بِتَرْكِ واجِبٍ ؛ هذا اسْتِنباط أبو حنيفة النُّعمان رحمه الله تعالى.
وقال غير الأحناف ؛ السادة الشافِعِيَّة والمالِكِيَّة والحنابلة: سُنَّةٌ مُؤَكَّدة فالأُضْحِيَة بين الواجِب، وبين السَّنة المُؤَكَّدة، ولِكُلّ فريق أدِلَّتُهُ تتراوَح بين الإيجاب والسُّنِيَّة المُؤكَّدة.
هي واجِبَةٌ مرَّةً في كُلِّ عام، على المُسلِم الحرّ البالِغِ العاقل المُقيم الموسِر، فالعَبْدُ لا تَجِبُ عليه.
من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال:
(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ
ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى
صِفَاحِهِمَا ))
حِكْمَتُها ؛ أنَّ الموسِرَ يُعَبِّر بها عن شُكْرِهِ لله تعالى، وعلى نِعَمِهِ المُتَعَدِّدَة، ومنها نِعْمة الهُدى، فأحَدُ إخواننا الأطِبَّاء قدَّم لي مجلَّة، في هذه المجلَّة في الهِنْد يعْبُدون الجرْذان ! يضَعون له أطْباق الحليب والحبوب، ويُشارِكونه في الأكل، وامرأةٌ في المَعْبَد يصْعَد الجرذ على رأسِها ! وفي بلد آخر يعبدون البقر، وفي بلاد أخرى يعبدون الأمواج وأنت تعبد الله عز وجل خالق الكون، أليست هذه نعمة الهدى ؟! فالموسر: يضحي بالكبش شكرًا لله على نعمة الهدى، ومنها نعمة البقاء من عام إلى عام أدركنا رمضان و أدركنا عيد الأضحى المبارك ونرجو الله أن نعيش إلى أمثاله، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ))
ونعمة السلامة والصحة، القلب سليم و الشرايين سليمة و الكبد سليم والمعدة سليمة والأولاد في صحة طيِّبة وزوجتك معافاة وعندك مأوى، ونعمة الاستقرار في البيت، وعلى نعمة التوسعة في الرزق، فالأُضحية شكر على نعمة الهدى ونعمة السلامة و نعمة البقاء من عام إلى عام، وهي تكفير لِما وقع من الذنوب و توسعة على أسرة المُضحي وأقرباءه و جيرانه فقراء المسلمين، أحيانا تعطي مبلغا من المال لقريب لك فقير قبل العيد، عليه ديْن، فدفع المال و ارتاح، أمَّا إذا قدَّمت له اللحم فقد سددْتَ رمق أولاده، فإذا أردتَ أن يصل هذا الطعام الأساسي إلى أفواه الجياع فقدِّم الأضحية، قال العلماء : تقديم الأضحية أفضل من تقديم ثمنها صدقة، لأن الفقير أحيانا عليه ديون أما حينما تقدِّم له اللحم تشبع بطن أولاده الجائعين.
أيها الإخوة، من شروط وجوبها اليسار ؛ أي الغِنَى ؛ ومن هو الموسر؟ الموسر هو مالك نصاب الزكاة زائدا عن حاجاته الأساسية ونصاب الزكاة سبعة آلاف ليرة بالفضة، أو الذي لا يحتاج إلى ثمنها أيام العيد، أو الذي لا يحتاج إلى ثمنها خلال العام كلِّه،على اختلاف المذاهب في تعريف الموسر.
ينبغي أن يكون الحيوان المُضَحَّى به سليما من العيوب الفاحشة التي تؤدِّي إلى نقص في لحم الذبيحة، كأن تكون هزيلة، "جلدة وعظم " أو تضر بآكلها، بأن يكون معها مرض، فلا يجوز أن يُضحَّى بالدابة البيٍّن مرضها والعوراء البين عورها ولا العرجاء البيِّن عرجها ولا العجفاء ولا الجرباء، ويُستحبُّ في العيد من الأضحية أسمنُها لقوله صلى الله عليه وسلم: عظِّموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم وكان صلى الله عليه وسلم يضحِّي بالكبش الأبيض الأقرن.
وقتُ الأضحية يكون بعد صلاة العيد المبارك و حتَّى قُبيْل غروب الشمس الثالث من أيام العيد، فعندنا أيام نحر وأيام التشريق، فأيام النحر هي أول يوم وثانيه و ثالثه، و أيام التشريق هي ثاني يوم وثالث يوم و رابع يوم، و يُكرَه تنزيها الذبحُ ليلا، ولا تصِحُّ الأضحية إلا من النَعَم ؛ من إبل وبقر و غنم، والغنم من ضأن ومعز بشرط أن يُتمَّ الضأن ستة أشهر و المعز سنة، يُجزِئ المسلمَ أن يُضحِّيَ بشاة عنه وعن أهل بيته المقيمين معه والذين ينفق عليهم، وتُسجَّل في صحائفهم جميعا.
ومن مندوبات الأضحية أن يتوجَّه المُضحي نحو القبلة وأن يباشر الذبح بنفسه إنْ قَدَر على ذلك و أن يقول قبل الذبح: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ ثُمَّ
(( قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ))
وله أن يُوَكِّل غيره و يُستحَبُّ أن يحضر أضحيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه يُغفر لكِ عند أوَّل قطرة من دمها، ويُستحب أن يوزِّعها أثلاثا، فيأكل هو و أهل بيته الثلث و يهدي لأقربائه الثلث و لأصدقائه وجيرانه الفقراء الثلث الآخر، فالثلث هدية وثلث صدقة وثلث طعام لك، و ليس كلُّ إنسان تعطَى له قطعةُ لحم في العيد فهو فقير، إنما هي هدية صديق، لقوله تعالى:
﴿
"لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا
مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28)﴾
وقال تعالى
﴿ وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ
سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(36)﴾
هذا عن موضوع الأضحية، والإنسان أيها الإخوة إذا أطعم الطعام يرقى عند الله عز وجل و الطعام يؤلِّف القلوب و قد حضَّ النبي عليه الصلاة والسلام على إطعام الطعام، والعيد وقْت جبر ووقت إطعام ووقت طيب نفس وحسن معاملة ووقت صُلح مع الناس، والذي له خصومة أو قطيعة لا بدَّ أن يصحِّح علاقاته مع الناس، قال تعالى:
﴿
يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)﴾
قال العلماء: ذات بينكم ؛ أي أصلحوا نفوسكم بتعريفها بالله و الإقبال عليه، وقال بعضهم: أصلحوا العلاقة بينكم وبين الآخرين " و هناك معنًى ثالث وهو ؛ "أصلحوا كلَّ علاقة بين اثنين "فالمؤمن مصلح.
العيد أيها المسلمون فيه عودة إلى الله، ولاحظوا أن العيد يأتي عَقِب عبادة، عيد الفطر عقب رمضان، وعيد الأضحى عقب الحج والإنسان في العيد عنده لقاء مع الله، فعيدنا عيد طاعة وعيد إقبال فلذلك مِن الناس مَن يجعل العيد مناسبة للتفلُّت وهذا غلط كبير، في العيد تزور أقرباءك فما هي المواضيع التي تتحدثون فيها، الدنيا وزخارفها، وكما قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا
فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرٍ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ
حِمَارٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ))
أما إذا ذكّرت وحدّثت الناس عن الله وآياته الكونية و عن بعض آياته القرآنية و عن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام يغدو العيد دعوة إلى الله عز وجل فإذا زرتَ أقرباءك فاحرص على أن تذكِّرهم بالله عز وجل.
والحمد لله رب العالمين
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home