رحمة من ربك إنه هو السميع العليم
سورة الدخان
حم. والكتاب المبين.
إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين
. فيها يفرق كل أمر حكيم.
أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين.
رحمة من ربك إنه هو السميع العليم.
رب السماوات والأرض وما
بينهما إن كنتم موقنين.
إنها سورة تهجم على القلب البشري من مطلعها إلى ختامها،
في إيقاع سريع متواصل. تهجم عليه
بإيقاعها كما تهجم عليه بصورها
وظلالها المتنوعة المتحدة في سمة العنف والتتابع.
وتطوف به في عوالم شتى بين السماء والأرض،
والدنيا والآخرة، والجحيم والجنة،
والماضي والحاضر، والغيب والشهادة،
والموت والحياة، وسنن الخلق ونواميس الوجود
.. فهي - على قصرها نسبياً - رحلة ضخمة في عالم
الغيب وعالم الشهود ..
ولقد عاش الذين أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عجيبة في كنف السماء،
موصولين مباشرة بالله؛
يطلعهم أولاً بأول على ما في نفوسهم؛
ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه عليهم،
ويحسبون هم حساب هذه الرقابة،
وحساب هذه الرعاية، في كل حركة
وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم؛
ويلجأون إليه أول ما
يلجأون، واثقين أنه قريب مجيب.
ومضى ذلك الجيل وبقي بعده القرآن كتاباً مفتوحاً موصولاً بالقلب البشري،
يصنع به حين يتفتح له ما لا يصنعه السحر؛
ويحول مشاعره بصورة تحسب أحياناً في الأساطير!
وبقي هذا القرآن منهجاً واضحاً كاملاً صالحاً
لإنشاء حياة إنسانية نموذجية
في كل بيئة وفي كل زمان.
حياة إنسانية تعيش في بيئتها وزمانها
في نطاق ذلك المنهج الإلهي المتميز الطابع،
بكل خصائصه ..دون تحريف
وهذه سمة المنهج الإلهي وحده
وهي سمة كل ما يخرج من يد القدرة الإلهية.
وانها لمباركة حقاً تلك الليلة
التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية،
والتي يبدأ فيها استقرار هذا
المنهج الإلهي في حياة البشر؛
والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن
ترجمة يسيرة،
تستجيب لها الفطرة وتلبيها في هوادة؛
وتقيم على اساسها عالماً إنسانياً مستقراً على قواعد
الفطرة واستجاباتها ،
متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه،
طاهراً نظيفاً كريماً بلا تعمل ولا تكلف؛ يعيش
فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين
***
إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين.
يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون إلا من
رحم الله، إنه هو العزيز الرحيم " ..
يجيء هذا القول طبيعياً ومرتبطاً بما قبله كل الارتباط
. فالحكمة تقتضي أن يكون هناك يوم يفصل فيه بين الخلائق،
ويحكم فيه بين الهدى والضلال، ويكرم فيه الخير ويهان فيه الشر،
ويتجرد الناس
من كل سند لهم في الأرض،
ومن كل قربى وآصرة، ويعودون إلى خالقهم فرادى كما خلقهم،
يتلقون جزاء ما عملت أيديهم،
لا ينصرهم أحد، ولا يرحمهم أحد،
إلا من ينال رحمة ربه العزيز القادر الرحيم العطوف.
الذي خرجوا من يده - سبحانه - ليعملوا؛
وعادوا إلى يده - سبحانه
- ليتسلموا منه الجزاء.
وما بين خروجهم ورجوعهم إنما هو فرصة للعمل ومجال للابتلاء.
هكذا تقتضي الحكمة الظاهرة في تصميم هذا الكون،
وفي خلق السماوات والأرض وما بينهما
بالحق، وفي التقدير الواضح والقصد الناطق في كل شيء في هذا الوجود ..
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home