فبذلك فليفرحوا
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم، وشفاء لما في الصدور،
وهدى ورحمة للمؤمنين.. "
جاءتكم في ذلك الكتاب الذي ترتابون فيه.
جاءتكم الموعظة " من ربكم "
فليس هو كتاباً
مفترى، وليس ما فيه من عند بشر
. جاءتكم الموعظة لتحيي قلوبكم، وتشفي صدوركم من الخرافة التي
تملؤها، والشك الذي يسيطر عليها،
والزيغ الذي يمرضها، والقلق الذي يحيرها.
جاءت لتفيض عليها
البرء والعافية واليقين والاطمئنان والسلام مع الإيمان.
وهي لمن يرزق الإيمان هدى إلى الطريق الواصل،
ورحمة من الضلال والعذاب:
" قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون " .. .
فبهذا الفضل الذي آتاه الّله عباده، وهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان
.. فبذلك وحده
فليفرحوا. فهذا هو الذي يستحق الفرح.
لا المال ولا أعراض هذه الحياة
إن ذلك هو الفرح العلوي
الذي يطلق النفس من عقال المطامع الأرضية والأعراض الزائلة،
فيجعل هذه الأعراض خادمة للحياة لا مخدومة؛
ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها لا عبدًا خاضعاً لها
. والإسلام لا يحقر أعراض الحياة
الدنيا ليهجرها الناس ويزهدوا فيها.
إنما هو يزنها بوزنها ليستمتع بها الناس وهم أحرار الإرادة طلقاء اليد،
مطمحهم أعلى من هذه الأعراض، وآفاقهم أسمى من دنيا الأرض
. الإيمان عندهم هو النعمة،
وتأدية مقتضيات الإيمان هي الهدف
. والدنيا بعد ذلك مملوكة لهم لا سلطان لها عليهم.
عن عقبة بن الوليد عن صفوان بن عمرو: سمعت أيفع بن عبد الّله الكلاعي يقول: لما قدم
خراج العراق إلى عمر اخرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك،
فجعل يقول: الحمد لّله تعالى. ويقول مولاه: هذا والّله من فضل الّله ورحمته، فقال عمر: كذبت ليس
هذا هو الذي يقول الّله تعالى: " قل: بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون "
هكذا كان الرعيل الأولون ينظرون إلى قيم الحياة. كانوا يعدون الفضل الأول والرحمة الأولى
هي ما جاءهم من الّله من موعظة وهدى. فأما المال، وأما الثراء، وأما النصر ذاته فهو تابع
. لذلك كان النصر يأتيهم،
وكان المال ينثال عليهم،
وكان الثراء يطلبهم ..
إن طريق هذه الأمة واضح. إنه في هذا
. لذلك كان النصر يأتيهم،
وكان المال ينثال عليهم،
وكان الثراء يطلبهم ..
إن طريق هذه الأمة واضح. إنه في هذا
الذي يسنه لها قرآنها، وفي سيرة الصدر الأول الذين فهموه من رجالها
.. هذا هو الطريق.
إن الأرزاق المادية، والقيم المادية، ليست هي التي تحدد مكان الناس في هذه الأرض
.. في الحياة
الدنيا فضلاً عن مكانهم في الحياة الأخرى .. إن الأرزاق المادية،
والتيسيرات المادية، والقيم المادية،
يمكن أن تصبح من أسباب شقوة البشرية
- لا في الآخرة المؤجلة ولكن في هذه الحياة الواقعة –
كما نشهد اليوم في حضارة المادة الكالحة!
إنه لا بد من قيم أخرى تحكم الحياة الإنسانية؛
وهذه القيم الأخرى هي التي يمكن أن تعطي
للأرزاق المادية والتيسيرات المادية قيمتها في حياة الناس؛
وهي التي يمكن أن تجعل منها مادة سعادة
وراحة لبني الإنسان.
إن المنهج الذي يحكم حياة مجموعة من البشر هو الذي يحدد قيمة الأرزاق المادية في حياتهم.
هو الذي يجعلها عنصر سعادة أو عنصر شقاء.
كما يجعلها سبباً للرقي الإنساني أو مزلقاً للارتكاس!
ومن هنا كان التركيز على قيمة هذا الدين في حياة أهله:
" يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.
قل: بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " ..
ومن هنا كان الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة يدركون هذه القيمة العليا، فيقول عمرا
عن المال والأنعام: " ليس هذا هو الذي يقول الّله تعالى: " قل: بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا
هو خير مما يجمعون " ..
لقد كان عمر يفقه دينه. كان يعرف أن فضل الّله ورحمته يتمثلان بالدرجة الأولى في
هذا الذي أنزله اللّه لهم: موعظة من ربكم ، وشفاء لما في الصدور،
وهدى ورحمة للمؤمنين.
لا فيما يجمعون من المال والإبل والأرزاق!
لقد كانوا يدركون قيمة النقلة البعيدة التي نقلها لهم هذا الدين، من وهدة الجاهلية التي كانوا
فيها .. و إنها لنقلة بعيدة بالقياس إلى الجاهلية في كل زمان ومكان
بما فيها جاهلية القرن العشرين
إن النقلة الأساسية التي تتمثل في هذا الدين هي إعتاق رقاب العباد من العبودية للعباد؛ وتحريرهم
من هذه العبودية، وتعبيدهم لّله وحده، وإقامة حياتهم كلها على أساس هذا الانطلاق الذي يرفع
تصوراتهم، ويرفع قيمهم، ويرفع أخلاقهم. ويرفع حياتهم كلها من العبودية إلى الحرية ..
ثم تجيء الأرزاق المادية والتيسيرات المادية، والتمكين المادي، تبعاً لهذا التحرر وهذا الانطلاق.
كما حدث في تاريخ العصبة المسلمة، وهي تكتسح الجاهليات حولها، وتهيمن على مقاليد السلطان في
الأرض، وتقود البشرية إلى الّله، لتستمتع معها بفضل الّله
♦♦المصدر : ظلال القرآن ♦♦
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home