كلمة طيبة
"
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة،
أصلها ثابت وفرعها في السماء،
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها،
ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون. ومثل كلمة خبيثة
كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار " ..
"
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين؛
ويفعل الله ما يشاء " ..
إن مشهد الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .. والكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة، اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار .. هو مشهد مأخوذ من جو السياق، ومن قصة النبيين والمكذبين، ومصير هؤلاء وهؤلاء بوجه خاص. وشجرة
النبوة هنا وظل إبراهيم أبي الأنبياءعليها واضح، وهي تؤتي أكلها كل فترة، أكلا جنيا طيبا .. نبيا من الأنبياء .. يثمر إيمانا وخيرا وحيوية
..
ولكن المثل - بعد تناسقه مع جو السورة وجو القصة - أبعد من هذا آفاقا، وأعرض مساحة، وأعمق حقيقة.
إن الكلمة الطيبة - كلمة الحق - كالشجرة الطيبة. ثابتة
سامقة مثمرة .. ثابتة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل؛ ولا تقوى عليها معاول الطغيان - وإن خيل للبعض أنها معرضة للخطر الماحق في بعض الأحيان - سامقة متعالية، تطل على الشر والظلم والطغيان من عل - وإن خيل إلى البعض أحيانا أن الشر يزحمها في الفضاء - مثمرة لا ينقطع ثمرها، لأن بذورها تنبت في النفوس
المتكاثرة آنا بعد آن..
وإن الكلمة الخبيثة - كلمة الباطل - كالشجرة الخبيثة؛ قد تهيج وتتعالى وتتشابك؛ ويخيل إلى بعض الناس أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى. ولكنها
تظل نافشة هشة، وتظل جذورها في التربة قريبة حتى لكأنها على وجه الأرض .. وما هي إلا فترة ثم تجتث من فوق الأرض، فلا قرار لها ولا بقاء.
ليس هذا وذلك مجرد مثل يضرب، ولا مجرد عزاء للطيبين وتشجيع. إنما
هو الواقع في الحياة، ولو أبطأ تحققه في بعض الأحيان.
والخير الأصيل لا يموت ولا يذوي. مهما
زحمه الشر وأخذ عليه الطريق .. والشر كذلك لا يعيش إلا ريثما يستهلك بعض الخير المتلبس به - فقلما يوجد الشر الخالص - وعندما يستهلك ما يلابسه من الخير فلا تبقى فيه منه بقية، فإنه يتهالك ويتهشم مهما تضخم واستطال.
إن الخير بخير!
وإن
الشر بشر!
" ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون "
..
فهي أمثال مصداقها واقع في الأرض، ولكن الناس كثيرا ما ينسونه في زحمة الحياة. وفي
ظل الشجرة الثابتة، التي يشارك التعبير في تصوير معنى الثبات وجوه، فيرسمها: أصلها
ثابت
مستقر في الأرض، وفرعها سامق ذاهب في الفضاء على مد البصر، قائم أمام العين يوحي بالقوة والثبات.
في ظل الشجرة الثابتة مثلا للكلمة الطيبة: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة
الدنيا وفي الآخرة " .. وفي ظل الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الأرض ما لها من قرار ولا ثبات: "
ويضل الله الظالمين " .. فتتناسق ظلال التعبير وظلال المعاني كلها في السياق!
يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر، الثابتة في الفطرة، المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة. ويثبتهم
بكلمات القرآن وكلمات الرسول؛
وبوعده للحق بالنصر في الدنيا، والفوز في الآخرة
.. وكلها كلمات ثابتة صادقة حقة، لا تتخلف ولا تتفرق بها السبل، ولا يمس أصحابها قلق ولا حيرة ولا اضطراب.
الشجرة الظليلة الوارفة المثمرة خير الثمرات،
والكلمة الطيبة المتجددة في الأجيال المتعاقبة،
تحتوي دائما على الحقيقة الكبرى ..
حقيقة الرسالة الواحدة التي لا تتبدل،
وحقيقة الدعوة الواحدة التي لا تتغير،
وحقيقة التوحيد لله الواحد القهار.
ظلال
القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home