ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قال تعالى
" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
سورة الشورى
طريقة إيراد هذه الحقائق وتسلسلها
وتجمعها في هذه الفقرة طريقة عجيبة،
تستحق التدبر.
تستحق التدبر.
فالترابط الخفي والظاهر بين أجزائها ترابط لطيف دقيق.
إنه يرد كل اختلاف يقع بين الناس إلى الله: "
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " ..
والله أنزل حكمه القاطع في هذا القرآن؛
وقال قوله الفصل في أمر الدنيا والآخرة؛
وأقام للناس المنهج
الذي اختاره لهم في حياتهم الفردية والجماعية،
وفي نظام حياتهم ومعاشهم وحكمهم وسياستهم،
وأخلاقهم وسلوكهم
. وبين لهم هذا كله بياناً شافيا
. وجعل هذا القرآن دستوراً شاملاً لحياة البشر،
أوسع من دساتير الحكم وأشمل
فإذا اختلفوا في أمر أو اتجاه فحكم الله فيه حاضر في هذاالوحي
الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لتقوم الحياة علىأساسه.
وعقب تقرير هذه الحقيقة
يحكي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما أمره كله لله،
منيبا إلى ربه بكليته:
" ذلكم الله ربي عليه توكلت، وإليه أنيب " ..
فتجيء هذه الإنابة، وذاك التوكل،
وذلك الإقرار بلسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعهاالنفسي
المناسب للتعقيب على تلك الحقيقة
.. . فها هو ذا رسول الله ونبيه يشهد أن الله هو ربه،
وأنه يتوكل عليه وحده،
وأنه ينيب إليه دون سواه
. فكيف يتحاكم الناس إذن إلى غيره
عند اختلافهم في شيء من الأمر،
والنبي المهدي لا يتحاكم إلا إليه،
وهو أولى من يتحاكم الناس إلى قوله الفصل،
لا يتلفتون عنه لحظة هنا أو هناك؟
وكيف يتجهون في أمر من أمورهم وجهة أخرى،
والنبي المهدي يتوكل على الله
وحده، وينيب إليه وحده،
بما أنه هو ربه ومتولي أمره وكافله وموجهه إلى حيثيختار؟
واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمن
ينير له الطريق ويحدد معالمه، فلا يتلفت هنا أو هناك.
ويسكب فيه الطمأنينة إلى طريقه،
والثقة بمواقع خطواته، فلا يتشكك ولا يتردد ولا يحتار.
ويشعره أن الله راعيه وحاميه ومسدد خطاه في هذا الاتجاه
. والنبي المهدي سالك هذا الطريق إلى الله.
واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمن يرفع من شعورهبمنهجه وطريقه،
فلا يجد أن هناك منهجاً آخر أو طريقاً يصح أن يتلفت إليه؛
ولا يجد أن هنالك حكماً غير قول الله وحكمه يرجع عند
الاختلاف إليه
. والنبي المهدي ينيب إلى ربه الذي شرع هذا المنهج وحكمهذا الحكم.
ثم يعقب مرة أخرى بما يزيد هذه الحقيقة استقراراً وتمكيناً:
" فاطر السماوات والأرض،
جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً
. يذرؤكم فيه
. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ..
فالله مترل ذلك القرآن ليكون حكمه الفصل فيما يختلفون فيهمن شيء
.. هو " فاطر السماوات والأرض
" .. وهو مدبر السماوات والأرض
. والناموس الذي يحكم السماء والأرض هو
حكمه الفصل في كل ما يختص بهما من أمر
. وشؤون الحياة والعباد
إن هي إلا طرف من أمر السماوات والأرض؛
فحكمه فيها هو الحكم الذي ينسق بين حياة العباد
وحياة هذا الكون العريض،
ليعيشوا في سلام مع الكون الذي يحيط بهم،
والذي يحكم الله في أمره بلا شريك.
.
والله الذي يجب أن يرجعوا إلى حكمه
فيما يختلفون فيه من شيء
فيما يختلفون فيه من شيء
هو خالقهم الذي سوى نفوسهم، وركبها
: " جعل لكم من أنفسكم أزواجاً
" .. فنظم لكم حياتكم من أساسها، وهو أعلم
بما يصلح لها وما تصلح به وتستقيم
. وهو الذي أجرى حياتكم وفق قاعدة الخلق التي اختارهاللأحياء
جميعا: " ومن الأنعام أزواجاً
" .. فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الأسلوبوالمشيئة
وتقديرها المقصود
.. إنه هو الذي جعلكم - أنتم والأنعام
- تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب.
- تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب.
ثم تفرد هو دون خلقه جميعا،
فليس هنالك من شيء يماثله - سبحانه وتعالى - : "
ليس كمثله شيء
" .. والفطرة تؤمن بهذا بداهة.
فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه ..
ومن ثم فإنها ترجع كلها إلى حكمه
عندما تختلف فيما بينها على أمر،
ومن ثم فإنها ترجع كلها إلى حكمه
عندما تختلف فيما بينها على أمر،
ولا ترجع معه إلى أحد غيره؛
لأنه ليس هناك أحد مثله،
حتى يكون هناك أكثر من مرجع واحد عند الاختلاف
ومع أنه - سبحانه – " ليس كمثله شيء
" .. فإن الصلة بينه وبين ما خلق ليست منقطعة
لهذا الاختلاف الكامل.
فهو يسمع ويبصر: " وهو السميع البصير "
.. ثم يحكم حكم السميع البصير.
ثم إنه إذ يجعل حكمه فيما يختلفون فيه من شيء هو الحكمالواحد الفصل
. يقيم هذا على حقيقة
أن مقاليد السماوات والأرض كلها إليه
بعد ما فطرها أول مرة،
بعد ما فطرها أول مرة،
وشرع لها ناموسها الذي يدبرها:
" له مقاليد السماوات والأرض
" .. وهم بعض ما في السماوات والأرض،
فمقاليدهم إليه.
ثم إنه هو الذي يتولى أمر رزقهم قبضاً وبسطاً
- فيما يتولى من مقاليد السماوات والأرض - :
" يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر
" .. فهو رازقهم وكافلهم ومطعمهم وساقيهم.
فلمن غيره يتجهون
إذن ليحكم بينهم فيما يختلفون فيه؟
وإنما يتجه الناس إلى الرازق الكافل المتصرف في الأرزاق
. الذي يدبر هذا كله بعلم وتقدير: " إنه بكل شيء عليم
" .. والذي يعلم كل شيء هو الذي يحكم
وحكمه العدل، وحكمه الفصل ...
وهكذا تتساوق المعاني وتتناسق بهذه الدقة الخفية اللطيفةالعجيبة؛
لتوقع على القلب البشري دقة بعد دقة،
حتى يتكامل فيها لحن متناسق عميق
أن الله قد أحكم آيات كتابه
وجعل في هذه الآيات تِبياناً لكل شيء
وجعل في هذه الآيات تِبياناً لكل شيء
فقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)
[النحل: 89].
[النحل: 89].
ـــــــــــــ
المصدر .. في ظلال القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home