سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّح الرَّعْد بِحَمْدِهِ
من آيات الله ... الرعد يسبح بحمد الله
فيه صور من الرحمة والعقاب
“الرعد”،
ظاهرة كونية طبيعية،
واحدة من جند الله،
يسبح بحمد ربه،
وطريقة تسبيحه
هذه لا يعلمها إلا الله خالقه..
خاضعا لأوامره، ضارعا له مداوما على ذكره،
يشكره اعترافا
لجلاله بالألوهية والربوبية والوحدانية،
وبأنه خالق الكون ومليكه والمتفرد فيه بالسلطان
والمبدع له بعلمه وحكمته وقدرته.
وظاهرة الرعد فيها الكثير من الرحمة،
وأيضا فيها العديد من صور العقاب والعذاب إن تحولت
إلى صواعق مهلكة ونتجت عنها سيول جارفة،
وهي تحدث بأوامر الله، وكذلك تتحرك وفق سننه
وإبداعه في خلقه،
تقدم صورة من صور تسبيح الكائنات والمخلوقات لخالقها،
فهو حمد وتسبيح
وتقديس لله تعالى وخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة على الحقيقة
لا على المجاز، وهذا التسبيح
والتنزيه والتقديس والعبادة لله تعالى من قبل الظواهر الكونية والجمادات والأحياء،
دون الخلق المكلف،
هو ضرب من ضروب الغيب المحجوب عن الإنسان وعن إدراكه وحسه رحمة به واستكمالا لمتطلبات
اختباره وابتلائه في هذه الحياة الدنيا،
ومن ضروب الغيب الذي يجب على كل مؤمن بالله أن يتلقاه
بالتصديق والتسليم والتفويض إلى الله تعالى الخالق البارئ المصور
الذي أبدع هذا الكون بعلمه
وحكمته وقدرته، ووصف خلقه كله بأنه مسبح فقال:
“تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن
وإن من شيء إلا يسبح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا”
(الإسراء: 44).
سورة الرعد
وقد أفرد القرآن الكريم سورة كاملة باسم “الرعد”
وفي هذا السياق قال الدكتور عبد الله شحاتة رحمه الله:
تبدأ سورة الرعد بقضية عامة من قضايا العقيدة
وهي قضية الوحي بهذا الكتاب:
“المر، تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق
ولكن اكثر الناس لا يؤمنون”
(الرعد: 1)،
وهذا الافتتاح يلخص موضوع السورة كله،
ويشير إلى جملة قضاياها، وتسترسل السورة في
استعراض آيات القدرة وعجائب الكون الدالة على قدرة الله الخالق
الناطقة بأن من مقتضيات هذه الحكمة
أن يكون هناك وحي لتبصير الناس،
وان يكون هناك بعث لحسابهم ورجوعهم إلى الخالق الذي بدأهم
وبدأ الكون كله قبلهم وسخره لهم ليبلوهم فيما آتاهم،
وتبدأ الآيات الرائعة في رسم المشاهد الكونية
الضخمة، نظرة إلى السماء ونظرة إلى الأرض ومشاهدها وكوامن الحياة،
وهذه اللفتة
إلى مظاهر القدرة الإلهية تحرك الوجدان
أمام هذا المشهد الهائل بما فيه من عظمة وقدرة وإتقان.
ونصل إلى قول الله تعالى:
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال
ويسبح الرعد بحمده والملائكة
من خيفته ويرسل الصواعق
فيصيب بها من يشاء
وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال”
(الرعد: 12-13)،
فيخبر الله سبحانه وتعالى انه هو الذي سخر البرق
وهو ما يرى من النور اللامع ساطعا من خلال السحاب،
يخاف المسافر أذاه وشقته، وطمعا يرجو بركته ومنفعته
ويطمع في رزق الله وينشئ السحاب الثقال بالماء،
ويسبح الرعد بحمده،
أي يظهر قدرته تعالى وجبروته وتسخيره لجميع ظواهر هذا الكون كقوله تعالى:
“وإن من شيء إلا يسبح بحمده”.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق
قال: “اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك”،
وعن أبي هريرة انه كان إذا سمع الرعد قال:
“سبحان من يسبح الرعد بحمده”،
وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال:
“سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته،
إن هذا الوعيد شديد لأهل الأرض”.
والرعد والبرق والسحاب مشاهد معروفة،
وكذلك الصواعق التي تصاحبها في بعض الأحيان،
وهي بذاتها مشاهد ذات اثر في النفس حتى اليوم
وعند الذين يعرفون الكثير عن طبيعتها،
والسورة تذكر هذه الظواهر متتابعة،
وتضيف إليها الملائكة والتسبيح والسجود والخوف لتصوير
سلطان الله المتفرد بالقهر والنفع والضر،
وقد سميت السورة ب”الرعد” لقوله سبحانه وتعالى:
“ويسبح الرعد بحمده”،
والرعد ذلك الصوت المدوي
وهو أثر من آثار الناموس الكوني الذي صنعه الله أيا كانت طبيعته وأسبابه،
فهو رجع صنع الله في هذا الكون،
وهو يحمد ويسبح بلسان الحال، للقدرة التي صاغت هذا النظام،
كما أن كل مصنوع جميل متقن يسبح
ويعلن عن حمد الصانع والثناء عليه بما يحمله من جمال وإتقان.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى أن يجعل صوت الرعد تسبيحا للحمد،
اتباعا لمنهج التصوير القرآني
في مثل هذا السياق وخلق سمات الحياة وحركاتها على مشاهد الكون الصامتة
لتشارك في المشهد كله،
وقد انضم إلى تسبيح الرعد بحمد الله تسبيح الملائكة من خوفه وتعظيمه،
وفي آية أخرى يقول:
“والملائكة يسبحون بحمد ربهم”.
وقد وردت الإشارة إلى تسبيح الرعد في القرآن
مرة واحدة في الآيتين 12 و13 من سورة الرعد،
وهاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى ترابط الظواهر الكونية الواردة
فيهما من الرعد والبرق والسحاب
الثقال والصواعق ببعضها بعضاً،
وهو ما أثبته العلم الحديث، وتشيران إلى أن الرعد يسبح لله تعالى
ويخاف من عقابه تسبيحا يشبه تسبيح الملائكة وصالحي الإنس والجن وبقية الخلق.
والسياق القرآني في الآيتين
يحشد تلك الظواهر الجوية العابدة لله، المسبحة بحمده، ويضيف إليها
الملائكة في مشهد إيماني يظهر الخضوع لأوامره
وخوفا ورهبة من غضبه وعقابه واعترافا لجلاله.
منقول للتدبر
منقول للتدبر
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home