إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
أيها الأخوة الكرام، هناك جماد و نبات و حيوان و إنسان، الجماد يشغل حيزاً في الفراغ، له وزن، وله ثلاثة أبعاد، أما النبات يشغل حيزاً في الفراغ، وله وزن، وله ثلاثة أبعاد، لكنه ينمو، الحيوان شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله ثلاثة أبعاد، وينمو كالنبات، لكنه يتحرك، الإنسان كائن يشغل حيزاً في الفراغ، وله وزن، وله ثلاثة أبعاد، وينمو كالنبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، لكنه يفكر، أودع في الإنسان قوة إدراكية، بهذه القوة الإدراكية يتميز عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية حاجتها العلم، فأي إنسان ما لم يطلب العلم بل انشغل بطعامه، وشرابه، ومتعته، هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، انشغل بطعامه، وشرابه، ومتعته، دون أن يستخدم عقله لمعرفة سرّ وجوده وغاية وجوده، لماذا هو في الدنيا؟ من الذي خلقه؟ لماذا خلقه؟ ماذا بعد الموت؟ هل الحياة هي الدنيا ولا حياة بعدها أم أن هناك حياة أخرى إلى الأبد؟ هذه الأسئلة الكبيرة إن لم يهتم بها، ولم يبحث عنها، ولم يعرف لماذا خلق، ومن أي المخلوقات هو فهو خاسر.
الإنسان هو المخلوق المكرم و المكلف وعلة وجوده في الدنيا أن يعبد الله :
الإنسان هو المخلوق الأول:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
[ سورة الأحزاب: 72 ]
هو المخلوق المكرم:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء: 70 ]
والإنسان هو المخلوق المكلف، لقال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الذاريات: 56 ]
علة وجودك في الدنيا أن تعبد الله العلة الوحيدة، عفواً طالب دخل مدرسة، قد يختار مقعداً مريحاً، أو جانب النافذة، أو إلى الجهة التي فيها شمس، وقد يأتي بشطيرة معه، أما أن ينسى أنه جاء إلى المدرسة من أجل أن يدرس، هذا أحمق، يمكن أن يكون معك شطيرة تأكلها، يمكن أن يكون معك كتاب ودفتر، يمكن أن تختار مطعماً مريحاً، هذا كله ممكن، لكن تنسى الدراسة كلها، معنى ذلك أنك تنكرت لعلة وجودك في هذه المدرسة.
من يفعل فعلاً يتناقض مع وحي الله فهو لم يصدق كلام الله :
أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية أقول: سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: "ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ـ من هذه الثلاثة ـ ما سمعت حديثاً من رسول الله حتى علمت أنه حق من الله تعالى".
أحياناً يكتب خبر لا يزيد عن عشر كلمات، هناك مشروع لتخفيض الرسوم الجمركية على السيارات إلى خمسين بالمئة، اليوم التالي كل سيارة ينزل سعرها مئتي ألف، خمس كلمات في الجريدة، صار اضطراب بالأسعار، معنى ذلك أن هذا الإنسان صدق ما في الجريدة، كيف بإنسان لا يصدق ما في القرآن الكريم؟ أذكر مرة إنسان كنت أمشي في الطريق استوقفني واستنصحني، أنه خطب ابنته شاب وسيم، من أرقى العائلات، بيت من الطراز الأول، مركبة، معمل، كل شيء كما يتمنى أي أب يزوج ابنته، قال لي: لكن لا يوجد به دين أبداً، أنا ماذا أقول له؟ قلت له: أنت حينما تقرأ القرآن الكريم وتنتهي من قراءته ماذا تقول؟ صدق الله عز وجل، فإذا قرأت قوله تعالى:
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾
[سورة البقرة : من 221]
معنى هذا يجب أن تبحث عن المؤمن، لكن الذي وقع أنه زوجه إياها، وبعد سبعة عشر يوماً من زواجهما كانا في نزهة في أحد مصايف دمشق فتح باب السيارة وركلها برجله، وعاد إلى الشام وحده، ما صدق كلام الله عز وجل.
أيها الأخوة الكرام، كلام دقيق أنت حينما تفعل فعلاً يتناقض مع وحي الله أنت ما صدقت كلام الله، لذلك تقول أنت بالعيد: الله أكبر، إذا أطعت مخلوقاً وعصيت خالقاً ما قلت الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، إنسان عنده صناعة غذائية، إذا أضاف مادة مسرطنة لكي يجعل لون هذه البضاعة أبيض، السعر يزداد، فهذا الذي يغش غذاء المسلمين من أجل مبلغ من المال لو يوم العيد قال مليون مرة الله أكبر، صدق ولا أبالغ ما قال هذه الكلمة ولا مرة لأنه رأى أن هذا المبلغ الذي يأتيه من ربح عن طريق الغش أكبر عنده من الله.
على الإنسان أن يُعمل عقله في هذا الكون أو يتأمل فالمؤدى واحد :
لا تجامل نفسك، كن صريحاً، أنت حينما تطيع إنساناً وتعصي خالقاً، أنت حينما تؤذي الناس من أجل الربح
أنت حينما تكون مدرساً وتعطي أسئلة من أصعب ما يكون حتى الطلاب معظمهم يأخذون الصفر، من أجل درس خصوصي، أنت حينما تقنع الموكل أن الدعوى ناجحة، وتعلم علم اليقين أنها لا يمكن أن تنجح، وتبتز أمواله لسنوات طويلة، بأي حرفة، بأي مهنة، بأي مورد رزق، إذا كان هناك غش، أو كذب، صدق ولا أبالغ ما قلت الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، الإسلام مع مضي الأيام يصبح طقوساً وليس عبادات، يصبح تقاليد، يصبح عادات، يصبح فلكلوراً، الإسلام منهج، لذلك الشخصية المؤمنة شخصية فذة فيها مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
إما أن تفكر، أن تتأمل، أن تعمل عقلك في هذا الكون،
فتكتشف الحقائق، أو أن تستمع إلى علم جاهز،
المؤدى واحد، إن استمعت إلى علم جاهز ـ
يسمعون ـ إن أعملت عقلك في هذا الكون ـ يعقلون ـ.
فتكتشف الحقائق، أو أن تستمع إلى علم جاهز،
المؤدى واحد، إن استمعت إلى علم جاهز ـ
يسمعون ـ إن أعملت عقلك في هذا الكون ـ يعقلون ـ.
الإنسان مكلف فإن لم يلبِ تكليفه شقي إلى أبد الآبدين :
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
الأنعام لهم حجم، وثلاثة أبعاد، ووزن، ويشغلون حيزاً في الفراغ، وينمون، ويتحركون، لكن لا يفكرون، لأن الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، فإن لم يستخدم هذه القوة صار كالأنعام بل هو أضل، لأن هذا الإنسان مكلف فإن لم يلبِ تكليفه شقي إلى أبد الآبدين، أما الأنعام فليست مكلفة، أي إذا وضعت دابة على حشيش تأكل طوال النهار، لا تعرف هذا الحشيش لصاحبها أم لجار صاحبها، ليست مكلفة، فليس عندها أخطاء لأنها غير مكلفة، أما الإنسان فمكلف حينما ينحرف ويأخذ ما ليس له، فضلاً عن أنه هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، هو محاسب وسوف يحاسب حساباً عسيراً:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
يسمعون، تلقوا العلم الجاهز، يعقلون بحثوا، المؤدى واحد:
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
عطلوا القوة الإدراكية:
﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
سيحاسبون، الأنعام لا تحاسب أما الإنسان فيحاسب.
العاقل من عمل لآخرته قبل فوات الأوان :
آية أخرى فيها مثل يقترب من هذا المثل، قال تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
التوراة كلفوا بها لكن لم يعبؤوا بها، لم يأخذوا بها، لم يطبقوها، وهذا شأن المسلمين، اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، هناك آيات وأحكام وقصص كلها معطلة:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
أنت ائت بدابة ضع عليها كتاب فيزياء، وكتاب كيمياء، وكتاب فلسفة، وكتاب ديني، وامشِ بها ساعة، اسألها عن تعريف الحديد، عن وزنه الذري، هل من الممكن إذا حملت فوق ظهر الدابة بضعة كتب أن تنبئك بما في الكتب؟
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
الأسفار جمع سفر وهو الكتاب، والله مثل قاس جداً لإنسان ما عقل، ما بحث عن الحقيقة، ما تعرف على الله، ما عرف سرّ وجوده، ما عرف غاية وجوده، ما عرف من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ هذه الأسئلة الكبرى ما عرفها، قد يقول أحدكم: لكنه ذكي جداً، أقول أنا: ما كل ذكي بعاقل، قد تكون ذكياً جداً لكن لست بعاقل، العاقل من عمل لآخرته، قد تكون ناجحاً ولست فالحاً.
النجاح و الفلاح :
النجاح شيء والفلاح شيء آخر، الفلاح نجاح في الدنيا والآخرة معاً، إن نجحت في الدنيا والآخرة فأنت فالح، بل لا أكتمكم إن نجحت في الآخرة وحدها فأنت فالح، لأنه أبد، معنى أبد والله لا يستطيع عقل واحد منا أن يفهم معنى أبد، للتقريب واحد هنا وأصفار للشمس، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفاراً وكل ميليمتر صفر، ما هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، اسألوا أخواننا المختصين بالرياضيات، أي رقم ينسب إلى اللانهاية قيمته صفر، تعيش ستين، ثلاثة وأربعين ، ثمانية وثلاثين، سبعة وستين، ثمانية وسبعين، ثلاثة وتسعين عاماً، عمره عندما مات مئة وثلاثين، أمام الأبد صفر، الدنيا كلها صفر، النبي عليه الصلاة والسلام قرب هذا المعنى من أصحابه فقال:
((ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه))
[ الطبراني عن المستورد بن شداد]
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا
بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home