دروس من حادثة حاطب بن أبي بلتعة
حاطب بن أبي بلتعة كان رجلاً من المهاجرين.
وكان من أهل بدر أيضاً. وكان له بمكة أولاد
ومال،
ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفاً لعثمان.
فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها عهد الحديبية أمر المسلمين بالتجهيز لغزوهم،
وقال: «اللهم عَمِّ عليهم خبرنا».
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من
أصحابه بوجهته،
كان منهم حاطب.
فعمد حاطب فكتب كتاباً وبعثه مع امرأة مشركة
قيل من مزينة جاءت المدينة تسترفد إلى أهل مكة يعلمهم
بعزم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزوهم،
ليتخذ بذلك عندهم يداً.
فأطلع الله تعالى رسوله على ذلك استجابة لدعائه.
وإمضاء لقدره في فتح مكة.
فبعث في أثر المرأة، فأخذ الكتاب منها.
وقد روى البخاري في المغازي، ورواه مسلم في صحيحه من حديث حصين بن عبد الرحمن، عن سعد ابن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس
وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها
امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلعتة إلى المشركين».
فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب؟ فقالت ما معي كتاب.
فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً. فقلنا: ما
كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك.
فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها،
وهي متحجزة بكساء، فأخرجته.
فانطلقنا به إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم
فقال عمر: يا رسول الله. قد خان الله ورسوله والمؤمنين،
فدعني فلأضربن عنقه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على
ما صنعت؟»
قال
حاطب: والله ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن
تكون لي عند القوم يد. يدفع الله بها عن أهلي ومالي،
وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من
يدفع الله به عن أهله وماله.
فقال: «صدق لا تقولوا إلا خيراً»
فقال عمر: إنه قد خان
الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه.
فقال:
«أليس من أهل بدر؟
فقال: لعل الله اطلع إلى أهل بدر
فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو
قد غفرت لكم» فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم. وزاد البخاري في كتاب
المغازي:
فأنزل الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا
جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ
يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي
سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ
وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ
وَمَنْ يَفْعَلْهُ
مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }
(الممتحنة:1).
وفي
رواية أخرى أن الذين أرسلوا كانوا هم علي والزبير والمقداد.
والوقوف قليلاً أمام هذا الحادث وما دار بشأنه لا يخرج بنا عن ظلال القرآن والتربية به وبالأحداث والتوجيهات والتعقيبات عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المربي العظيم..
واول ما يقف الإنسان أمامه هو فعلة حاطب، وهو المسلم المهاجر، وهو أحد الذين أطلعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سر الحملة..
والوقوف قليلاً أمام هذا الحادث وما دار بشأنه لا يخرج بنا عن ظلال القرآن والتربية به وبالأحداث والتوجيهات والتعقيبات عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المربي العظيم..
واول ما يقف الإنسان أمامه هو فعلة حاطب، وهو المسلم المهاجر، وهو أحد الذين أطلعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سر الحملة..
وفيها ما يكشف عن منحنيات النفس البشرية
العجيبة، وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما بلغ من كمالها وقوتها؛ وأن لا
عاصم إلا الله من هذه اللحظات فهو الذي يعين عليها.
ثم يقف الإنسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعجل حتى يسأل: «ما حملك على ما صنعت»
في سعة صدر وعطف على لحظة الضعف الطارئة في
نفس صاحبه،
وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق،
ومن ثم يكف الصحابة عنه: «صدق لا تقولوا إلا
خيراً»
. ليعينه وينهضه من عثرته، فلا يطارده بها ولا يدع أحداً
يطارده.
بينما نجد الإيمان الجاد الحاسم الجازم في شدة
عمر: «إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين. فدعني فلأضرب عنقه»..
فعمر رضي الله عنه إنما ينظر إلى العثرة ذاتها
فيثور لها حسه الحاسم وإيمانه الجازم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر
إليها من خلال إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها، ومن كل جوانبها،
مع العطف الكريم الملهم الذي تنشئه المعرفة الكلية. في موقف المربي الكريم العطوف
المتأني الناظر إلى جميع الملابسات والظروف..
ثم يقف الإنسان أمام كلمات حاطب،
ثم يقف الإنسان أمام كلمات حاطب،
وهو
في لحظة ضعفه، ولكن تصوره لقدر الله وللأسباب الأرضية هو التصور الإيماني الصحيح..
ذلك
حين يقول: «أردت أن تكون لي عند القوم يد.. يدفع الله بها عن أهلي ومالي»..
فالله هو الذي يدفع، وهذه اليد لا تدفع
بنفسها، إنما يدفع الله بها. ويؤكد هذا التصور في بقية حديثه وهو يقول: «وليس أحد
من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع.. الله.. به عن أهله وماله»
فهو
الله حاضر في تصوره، وهو الذي يدفع لا العشيرة.
إنما العشيرة أداة يدفع الله بها..
ولعل حس رسول الله الملهم قد راعى هذا التصور الصحيح الحي في قول الرجل، فكان هذا من أسباب قوله صلى الله عليه وسلم-:
«صدق. لا تقولوا إلا خيراً».
وأخيراً يقف الإنسان أمام تقدير الله في الحادث؛ وهو أن يكون حاطب من القلة التي يعهد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر الحملة.
وأن تدركه لحظة الضعف البشري وهو من القلة المختارة.
ثم
يجري قدر الله بكف ضرر هذه اللحظة عن المسلمين.
كأنما القصد هو كشفها فقط وعلاجها!
ثم
لا يكون من الآخرين الذين لم يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع،
ولا
تنفج بالقول: ها هو ذا أحد من استودعوا السر خانوه،
ولو أودعناه نحن ما بحنا به!
فلم يرد من هذا شيء.
مما يدل على أدب المسلمين مع قيادتهم،
وتواضعهم في الظن بأنفسهم، واعتبارهم بما حدث لأخيهم..
الدروس المستفادة من القصة
================
إقالة ذوي العثرات،
وهذا درس هام من دروس هذه الحادثة، فالخطأ الذي اقترفه هذا الصحابي الجليل
ليس بالخطأ اليسير، إنه كشف أسرار الدولة المسلمة لأعدائها، ثم هذا الصحابي
ليس من عوام الصحابة، بل هو من أولي الفضل منهم، إنه من أهل بدر، ويكفيه
هذا شرفًا، والصحابة بمجموعهم خير القرون بقول الرسول ـ صل الله عليه وسلم ـ،
ومع كل هذا زلت به القدم في لحظة من اللحظات، وكم للنفس البشرية من زلات،
وهذا من سمات الضعف البشري والعجز الإنساني، ليُعْلِم الله عباده المؤمنين
بأن البشر ما داموا ليسوا رسلاً ولا ملائكة فهم غير معصومين من الخطأ، وهذا
الذي عناه النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ بقوله: ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )( أحمد ) .
فلم ينظر النبي - صل الله عليه وسلم -
إلى حاطب من زاوية مخالفته تلك فحسب ـ وإن كانت كبيرة ـ، وإنما راجع رصيده
الماضي في الجهاد في سبيل الله وإعزاز دينه، فوجد أنه قد شهد بدراً، وفي
هذا توجيه للمسلمين إلى أن ينظروا إلى أصحاب الأخطاء نظرة متكاملة، وأن
يأخذوا بالاعتبار ما قدموه من خيرات وأعمال صالحة في حياتهم، في مجال
الدعوة والجهاد، والعلم والتربية ..
إن إقالة العثرة، والعفو عن
صاحب الخطأ والزلة، ليس إقرارا لخطئه، ولا تهوينا من زلته، ولكنها ـ مع
الإنكار عليه ومناصحته ـ إنقاذ له، بأخذ يده ليستمر في سيره إلى الله،
وعطائه لدين الله .. يقول الذهبي : "
إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلِم تحريه للحق، واتسع علمه،
وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلته، ولا نضلله ونطرحه
وننسى محاسنه ، نعم ، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك
.."
وفي هذه الحادثة يتجلى أدب الصحابة مع النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ، فعمر ـ رضي الله عنه ـ يقترح على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل حاطب ، وله ما يبرر هذا الطلب، ولكن النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ
يرد عليه بأنه من أهل بدر، وفي هذا الرد ما فيه من معان يعرفها عمر ، فما
أن سمع هذه الإجابة حتى سكت دون أن يردد كلمة واحدة، أو أن يجادل في رأيه
ويصر عليه، مع ما فيه من وجاهة .. كما لم ينقل في الروايات جميعها أي رد من
صحابي آخر غير عمر ، مما يدل على أدب المسلمين مع النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ ..
عدم التسرع في إصدار الأحكام، فحينما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ للرسول ـ صل الله عليه وسلم ـ: ( إن حاطباً خان الله ورسوله )، أرسل النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ لحاطب وسأله، ليتثبت منه ويستمع له، ويعرف عذره، في مصارحة ووضوح، ويعطيه الفرصة للدفاع عن نفسه، فقال له رسول الله صل ـ الله عليه وسلم ـ: ( يا حاطب ، ما هذا؟ ) .
كما ظهر في هذه الحادثة أهمية الاستماع إلى الرأي المخالف، ومحاولة إقناعه، وذلك في مراجعة عمر ـ رضي الله عنه ـ للنبي ـ صل الله عليه وسلم ـ بقوله: ( إنه خان الله ورسوله والمؤمنين )، واستماع النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ له، ورده عليه بقوله عن حاطب : ( صدق، لا تقولوا له إلا خيرا )،ومرة أخرى: ( لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم )، ولم يعنف النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ عمر لأنه خالفه، مع أنه رسول مؤيد بالوحي .
ويظهر
من هذه الحادثة أيضا يقين الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ بصدق ونبوة النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ، وذلك من قولهم للمرأة حينما لم يجدوا معها الكتاب
في أول الأمر: ( ما كذب رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ، لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ).
في قصة حاطب ـ رضي الله عنه ـ
أيضا، نجد أنفسنا أمام معجزة من معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وما كان
يؤيد به من الوحي من قِبَل ربه، فقد أعلمه الله ـ عز وجل ـ بما فعله حاطب ،
فقال ـ صل الله عليه وسلم ـ لأصحابه: ( اذهبوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها )، وقد نفذ الصحابة أمر النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ، فأمسكوا بالمرأة في الموضع الذي حدده النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ، ومعها الكتاب الذي أشار إليه، وهذه إحدى معجزاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ...
قال ابن حجر : " .. من أعلام النبوة إطْلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة " .
قال ابن حجر : " .. من أعلام النبوة إطْلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة " .
إن
حادثة حاطب ـ رضي الله عنه ـ حادثة غريبة في تاريخ الإسلام، حدثت في جيل
الصحابة، لتكون درساً لهم ولمن يأتي بعدهم من المسلمين، يستنيرون به في
حياتهم ..
منقول .. للتدبر
منقول .. للتدبر
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home