الدستور وفتنة التمرير!
الدستور وفتنة التمرير!
..........
..........
إن من موائمة هذا الدين العظيم لحياة الإنسان في كل حالاته،
في قوته وظهوره وصلابة شوكته، كما في غربته ووحدته وضعفه،
أنه يحميه من الصراع بين المقدور الممكن
فيأمره بسلوك سبله والجهاد فيه والبذل دونه،
وبين ما يفوق طاقته ويعز في واقعه تحقيقه بكل جهده وسعيه..
فيشرع له شريعته في الحالين ويضبط له خياراته فيها،
ويبين له هدايته ورشده، ويحذره من غيه وضلاله،
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها،
لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها،
وما جعل عليكم في الدين من حرج
ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل.
فالإسلام لا يحاسبنا على عدم بلوغنا الغاية،
لكن يأمرنا بالسعي إليها،
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
والإسلام لا يلزمنا بهزيمة الباطل إن ضعفت قوتنا عن غلبته،
لكن يلزمنا بالثبات على الحق والصبر عليه
ويعلمنا أن نطلب من الله النصر ونتوكل عليه،
اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
ولا يأمرنا بالتمكين بل يعدنا به إذا أقمنا الدين بمشيئة الله تعالى،
ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم،
وبمنته على المستضعفين لتدول دولة الباطل بنواميس الكون المحكم التدبير،
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة...
وحتى بعد التمكين، يعلمنا أننا لم نحز صك الصلاح بحال،
بل النصر والتمكين ابتلاء لتمحيص الثبات على مسيرة الحق بعده،
مثله مثل الجهاد وقت الاستضعاف سواءا بسواء،
عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون،
فالنذير قائم والتكليف متحقق والمناط في كل تلك الأحوال بالثبات على الحق
ولزوم جانب الشرع وعدم التفريط فيه.
الإسلام يعلمنا أن رضا الله تعالى غايتنا وعبادته شغلنا
والدعوة إليه على بصيرة همنا
وأن سنة الله تعالى في الكون أن تعز أمم بعض حين
ثم تنمحي آثارها بعد حين، وتستضعف أمم أخرى ثم تغلب وتعلو وتحكم وتعز... فليس كل من كان غالبا كان من أهل الحق وفاز بدار الرضوان، ولا كل من استضعف كان مبطلا ورد في دار الهوان،
بل من اهتدى وأصلح ولزم الصراط هو وحده من يتحقق له الفلاح في الدنيا والآخرة. ومدار ذلك كله على لزوم جادة الحق وعدم التفريط فيه!
فكيف وصل للبعض أن واجبهم هو توفيق أوضاع المسلمين ليلائم دينهم الواقع القائم وأن واجبهم تأويل النصوص وتدوير الأصول لتوائم متطلبات المرحلة الحرجة، ثم يتطوعون لتقديم تنازلات لا يملكون أصلا أهلية تقديمها باسم الدين للوصول بعد مراحل مأمولة لتمكين الدين من منظورهم..
وأشهد أني لا أجد في سيرة هذا الدين العظيم شيئا يدعم هذا التصور أو يعززه أو يبرر الاختلاط فيه، أعني تصور إمكانية تجاوز الدين (قليلا) حتى تقوى شوكة الفئة المؤمنة فتكون لها الغلبة فتعود لتصوب المسيرة، بل أجد عكس ذلك دوما، كان النهي في القرءان الكريم واضحا لا يحتمل أي تأويل، واحذرهم أن يفتنوك عن (بعض) ما أنزل الله إليك، ودوا لو تدهن فيدهنون، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا..
وأصحاب ذلك التصور لديهم خطأ عميق آخر غير فساد تصورهم الظاهر، ذلك أنهم يعتبرون الدين هنا عقبة وحجر عثرة بحيث لا يمكنهم في ظنهم المرور من عنق الأزمة وتجاوز المرحلة إلا بتنحيته قليلا جانبا، بينما نحن على النقيض من ذلك نجد أن هذا الدين العظيم عينه هو سترة النجاة وأكسجين الحياة، فلو فارق المؤمن دينه فارقته الحياة، بمعنى أنه لا يسلك المؤمن طريقا لتمكين الدين إلا وفق تصور هذا الدين وحسبما يشرع له ويرشده، وإلا خرج منه ونقضه، فلا يبحث عن مخرج بدونه، بل من وحيه، وبروحه وبميثاقه يسعى ويختار، ويوافق ويخاصم، ويتحرك ويسكن، ويتكلم ويسكت، كل أمر بحسبه وعلى قدره وبعهده وبرهانه.
نعم نحن مستضعفون، وهذه الأغلبية العددية مظهريا ليست أغلبية غالبة ولا ظاهرة بل منكسرة مهضومة، وهذا الذي توافقت عليهم جبهة مشايخهم، توافقا مجروحا يضعف شوكتها ويرسخ لعجزها ويؤسس منهجا لإنكسارها، وليس كلامي تحاملا ولا تنابذا أبدا، بل هو وجع أصاب القلوب الآسية في مقتل، حين لا يجد المؤمن ماء وضوءه يشرع له التيمم، وحين يتطهر بالتراب ويصلي فلا هو مقصر ولا هو آثم، لكنه لا يسقط فرضه بدعوى حاجة المرحلة ويتأول الضرورة، وكما شرع الله تعالى التيمم لفاقد الماء ليصلي، شرع للمؤمنين موقفهم من دولة الباطل ليحققوا أصل دينهم الأول والآكد من كل عبادة وطاعة وركن تالي، ولا يستوي في عقيدة عارف بالله تعالى، أن يزعم عبد خاطئ أن الدين لم يضع قواعد واضحة وخطوطا فاصلة صريحة للفئة المؤمنة المستضعفة المنقطعة.
إنما ثمة فتنة دقيقة لايجليها إلا نور الإخلاص لله تعالى هنا، وهي الرغبة العارمة لدى البعض لبسط قاعدة الدين وتعزيز الشوكة والوصول لسلطان السلطة والتخلص من هيمنة الطغيان، لدرجة أن يتحالف مع من يعرف فساد دينه وخيانته، لدرجة أن يبدل ثوابته هو ويتخلى عنها ليصل للإطار الذي يراه نصرا وعزة، لدرجة أن يتحول هو بنفسه لطاغوت آخر يسمع لدولة الباطل ويطيع مقابل قناع التطبيع..
لكن من يتنازل عن الإسلام ذاته كعنوان لهويته في بداية المرحلة يُخشى عليه قليلا ويُخشى منه كثيرا، لأنه سيتنازل تباعا عن كل شيء بعد ذلك، وكل شيء بوصفه ولكل عارض تفسيره وتأويله..
وهنا خلط كبير فادح،
ليس المطلوب منا إنزال راية الجاهلية
ورفع راية الإسلام مكانها غصبا حين لا نملك مقومات ومفردات ذلك،
لن نحاسب على ما لم نقدر أن نحققه إن لزمنا الجهاد فيه وسعنا،
لكن في المقابل لا يجوز لنا أن نقف مع الجاهلية تحت راية واحدة
ثم نزعم أنها راية الإسلام!
وأنه ليس فيها ما يخالف شرع الله!
وأنه غاية الإمكان وخير من كل ما كان،
أو أننا سنتدبر أمر ذلك بعد أوان!
حين تكون عاجزا لا تتدعي القوة ولا تتبرأ من ضعفك
بل تبرأ ممن يستغل ضعفك فيتنكر لوحدانية ربك وينازع مولاك في خلقه وحكمه وتشريعه، إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده.
أتدري لماذا هذا الحسم القاطع؟ لأنهم" وودوا لو تكفرون"...
الموقف الراهن يضع كثيرا من التيارات الإسلامية في مأزق عصي عصيب، لأنهم يحمِّلون مسيرتهم ما لا تحتمل في اللحظة القائمة ويريدون اقتناص أي مكاسب ممكنة، بأي سبيل ممكن، وعلى أي وجه كان،
ولو بتغليف الواقع بصبغة شرعية مزيفة،
لايريدون منازعة هؤلاء،
ولا يقبلون تركها لهم،
وفي ذات الوقت لا يريدون أن يقروا بلائمة هؤلاء فيعترفوا بالتفريط،
ولا يضعون البذل على خارطة الطريق...
وتلك ال (أي) المتكررة أعلاه هي مفتاح الأزمة،
فليس هذا صحيحا ولا مطلوبا، الأزمة نفسها مفتعلة،
وقراءة المجتمعات اليوم ودراية مستبصرة بحالها تنبؤك بأن المشكلة لا تبدأ من هنا.. ولهذا لا يمكن بحال حلها من البؤرة الملتهبة تلك!
نحن بحاجة للعودة لدار سيدنا الأرقم بن أبي الأرقم في كنف النبوة نلقي سمعنا لتشهد قلوبنا تنزيل الوحي لنتعلمه ونؤمن به ونعتنقه
ونفتح به آفاق الجاهلية المعتمة
ونستبدلها بنور رب العالمين العلي الكبير سبحانه.
اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون
اللهم معذرة إليك
أستغفرك وأتوب إليك
توفني مسلما وألحقني بالصالحين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
"وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ
وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ
عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقون"
-----
كتبته د. صفاء رفعت
اللهم معذرة إليك
أستغفرك وأتوب إليك
توفني مسلما وألحقني بالصالحين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
"وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ
وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ
عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقون"
-----
كتبته د. صفاء رفعت
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home