وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
يس
(1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
قوله تعالى : عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
في هذا بيان لطبيعة الرسالة بعد بيان حقيقة الرسول
وطبيعة هذه الرسالة الاستقامة.
فهي قائمة كحد السيف لا عوج فيها ولا انحراف،
ولا التواء فيها ولا ميل
.
الحق فيها واضح لا غموض فيه ولا التباس
.
ولا يميل مع هوى ولا ينحرف مع مصلحة
.
يجده من يطلبه في يسر وفي دقة وفي خلوص.
وهي لاستقامتها - بسيطة لا تعقيد فيها ولا لف ولا دوران
لا تعقد الأمور ولا توقع في إشكالات من القضايا والتصورات والأشكال الجدلية.
وإنما
تصدع بالحق في أبسط صورة من صوره،
وأعراها عن الشوائب والأخلاط،
وأغناها عن الشرح، وتفصيص العبارات وتوليد الكلمات،
والدخول بالمعاني في الدروب والمنحنيات
!
يمكن أن يعيش بها ومعها البادي والحاضر،
والأمي والعالم، وساكن الكوخ وساكن العمارة؛
ويجد فيها كل حاجته؛
ويدرك منها ما تستقيم به حياته ونظامه
وروابطه في يسر ولين.
وهي مستقيمة مع فطرة الكون وناموس الوجود،
وطبيعة الأشياء والأحياء حول الإنسان، فلا
تصدم طبائع الأشياء، ولا تكلف الإنسان أن يصدمها،
إنما هي مستقيمة على نهجها، متناسقة معها،
متعاونة كذلك مع سائر القوانين
التي تحكم هذا الوجود وما فيه ومن فيه.
وهي من ثم مستقيمة على الطريق إلى الله،
واصلة إليه موصلة به،
لا يخشى تابعها أن يضل عن خالقه،
ولا أن يلتوي عن الطريق إليه
.
فهو سالك درباً مستقيماً واصلاً
ينتهي به إلى رضوان الخالق العظيم.
والقرآن هو دليل هذا الصراط المستقيم
.
وحيثما سار الإنسان معه وجد هذه الاستقامة في
تصويره للحق، وفي التوجيه إليه،
وفي أحكامه الفاصلة في القيم،
ووضع كل قيمة في موضعها الدقيق1.
قال تعالى في سورة يسن
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ
لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
وَلَقَدْ
أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
هَذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
الْيَوْمَ
نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
وَلَوْ
نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ
فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
وَلَوْ
نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ
فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
لما ذكر تعالى جزاء المتقين،
ذكر جزاء المجرمين { و } أنهم يقال لهم يوم القيامة
{ امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ }
ذكر جزاء المجرمين { و } أنهم يقال لهم يوم القيامة
{ امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ }
أي:
تميزوا عن المؤمنين، وكونوا على حدة،
ليوبخهم ويقرعهم على رءوس الأشهاد قبل أن يدخلهم النار،
فيقول لهم: {
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } أي: آمركم وأوصيكم،
على ألسنة رسلي، [وأقول لكم:]
{
يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ } أي: لا تطيعوه؟
وهذا التوبيخ، يدخل
فيه التوبيخ عن جميع أنواع الكفر والمعاصي،
لأنها كلها طاعة
للشيطان وعبادة له،
{ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُبِينٌ } فحذرتكم منه غاية التحذير، وأنذرتكم عن طاعته،
وأخبرتكم بما
يدعوكم إليه، { و } أمرتكم
{ أَنِ اعْبُدُونِي
} بامتثال أوامري وترك زواجري،
{ هَذَا } أي:
عبادتي وطاعتي، ومعصية الشيطان { صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }
فعلوم الصراط المستقيم وأعماله ترجع إلى هذين الأمرين،
أي: فلم تحفظوا عهدي، ولم تعملوا بوصيتي، فواليتم عدوكم،
فـ { أَضَلَّ
مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا } أي: خلقا كثيرا.
{ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ } أي: فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق،
{ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ } أي: فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق،
ويزجركم عن اتخاذ
أعدى الأعداء لكم وليا،
فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك،
فإذا أطعتم
الشيطان، وعاديتم الرحمن،
وكذبتم بلقائه، ووردتم القيامة دار الجزاء،
وحق عليكم القول
بالعذاب
فـ { هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } وتكذبون بها،
فانظروا إليها
عيانا، فهناك تنزعج منهم القلوب،
وتزوغ الأبصار،
ويحصل الفزع الأكبر.
ثم يكمل ذلك، بأن يؤمر بهم إلى النار،
ثم يكمل ذلك، بأن يؤمر بهم إلى النار،
ويقال لهم: { اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا
كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }
أي: ادخلوها على وجه تصلاكم، ويحيط بكم حرها،
ويبلغ منكم كل
مبلغ، بسبب كفركم بآيات اللّه، وتكذيبكم لرسل اللّه.
قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء:
قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء:
{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى
أَفْوَاهِهِمْ } بأن نجعلهم خرسا فلا يتكلمون،
فلا يقدرون على إنكار ما عملوه من
الكفر والتكذيب.
{ وَتُكَلِّمُنَا
أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
أي: تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوه، وينطقها الذي أنطق كل
شيء.
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ } بأن نُذْهِبَ أبصارهم، كما طمسنا على نطقهم.
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ } بأن نُذْهِبَ أبصارهم، كما طمسنا على نطقهم.
{ فَاسْتَبَقُوا
الصِّرَاطَ } أي: فبادروا إليه، لأنه الطريق إلى الوصول إلى الجنة،
{ فَأَنَّى
يُبْصِرُونَ } وقد طمست أبصارهم.

{ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ }
أي: لأذهبنا حركتهم
{ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا } إلى الأمام { وَلا
يَرْجِعُونَ }
إلى ورائهم ليبعدوا عن النار.
إلى ورائهم ليبعدوا عن النار.
والمعنى: أن هؤلاء
الكفار، حقت عليهم كلمة العذاب، ولم يكن بُدٌّ من عقابهم.
وفي ذلك الموطن، ما ثَمَّ إلا النار قد برزت،
وفي ذلك الموطن، ما ثَمَّ إلا النار قد برزت،
وليس لأحد نجاة إلا بالعبور على
الصراط،
وهذا لا يستطيعه إلا أهل الإيمان، الذين يمشون في نورهم،
وأما هؤلاء، فليس
لهم عند اللّه عهد في النجاة من النار؛
فإن شاء طمس أعينهم وأبقى حركتهم،
فلم
يهتدوا إلى الصراط لو استبقوا إليه وبادروه،
وإن شاء أذهب حراكهم فلم يستطيعوا
التقدم ولا التأخر.
المقصود: أنهم لا يعبرونه، فلا تحصل لهم النجاة. 2
المصادر:
1- تفسير في ظلال القرآن
2- تفسير السعدي
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home