من يوميات عيادة العيون
العجائب والشجون من يوميات عيادة العيون
هذه الخواطر هي تأملات عابرة من مدونة الملاحظات لا
أكثر
بيني وبين مرضاي في عيادة العيون
فلطالما قد تعلمت منهم وعشت معهم حكايا كثيرة من الصبر
والألم
والعبرة والأمل
و الطرفة والحكم
فكنت أدونها بأوقات متفاوتة في سطور عابرة
هي جزء من الحياة
كالحياة ذاتها
دون افتعال أو تكلف
---------------------
- 1-
"شيب في
الرموش"
-----
إحدى مريضاتي
طفلة لطيفة في ربيعها العاشر
تأتي مع والدتها وأختها الأخرى التوأم
ويختلط علي التفريق بينهما دوماً,
فكنّ يخادعنني بلطف البنات الصغيرات في كل مرة..
والدتها,
ظهر لديها شيب في النصف الخارجي من رموش العين
اليمنى
فطلبت استشارة
قالت ظهر الشيب من ثلاثة أشهر,
فسألتها إن كانت قد تعرضت لفزع أو رعب أو لموقف مؤلم
نفسياً,
قالت:
حادث سيارة...
مات فيه زوجي وابنتي أمام عيني,
كان هولا كبيرا..
من وقتها لم يفارقني الإحساس بالخوف والقلق,
وفي يوم استيقظت صباحا لأجد هذا الشيب...
قالت:
الناس تسألني ما هذا ومم هذا فأستحيي منهم,
وحين أضع الماسكارا لإخفاء الشيب تحمر العين بسبب
الحساسية,
فيعودون للتساؤل مم إحمرار عينيك!
فأستحيي مرة تانية,
الناس... لا تترك المرء في شأنه وحاله..
سبحان الله..
قالت إن زوجها المتوفى كان من أهل هذه البلدة
أما هي فمن بلاد الشام
وهي في حيرة أتمكث أم تسافر
ثم أردفت في رضا وتسليم
وحزن وسكون
بقيت لدي البنتان..
-----
أعانها الله...
حزنت لها كثيرا,
وهالني تصور ذلك الموقف الصعب من كل وجه,
وحمدت الله على العافية,
وحزنت أكثر لفقدان الذوق الإنساني والحياء والتأدب في
معاملة الآخرين..
وكم من مبتلىً مستور, لا يجاهر بالشكاية لسان مقاله,
ولا يخفى على عين الصادقين منطق حاله..
ولا زال بيننا من يتصدى لتعرية سوءات الناس, لا لرحمة
المحب, ولا لإشفاق الرفيق, بل لفضول نفسه وتطلعها لخبيئة الأقران, فيتدخل فيما لا
شأن له فيه ويحرج صاحب البلاء الصابر دون أن يعتذر عن سوء أدبه وفضول بصره..
وما كان ذلك عهد المؤمنين ولا كان ذا سمتهم
بحال...
المؤمن عفيف لطيف لا يقحم نفسه في خصوصيات الناس ولا
يجرح من أمامه بسؤاله عن تفصيل علّته وسببها دون تلطف أو تهذيب, ولا تتطلع عيناه
لما وراء الستور, وإن بدا له من بلاء الإخوان شيئا ستره, وواساه بما يناسب الرفق,
أو سكت عنه وكتمه كأن لم يره, فلا يحرجه أو يجرحه بنظرة مستنكرة أو نبرة
مستعجبة..
-------
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسُولُ
الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ الْمَرءِ تَرْكُهُ مَا لاَ
يَعْنِيهِ" حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره.
قال ابن رحب الحنبلي: هذا الحديث أصل عظيم من أُصول
الأدب.
-------------
العجائب والشجون من يوميات عيادة العيون 2
-2-
أقول لها :لا ترتدي عدسات لاصقة الآن مطلقا حتى يشفى التهاب القرنية
بإذن الله, تقول :لا يمكن! لابد من ارتدائها,أقول لها :عافاك الله, نسبة كبيرة من حالات العمى كانت بسبب العدسات
الخاطئة, تقول:صفي لي دواءا سريع المفعول... ومستحيل أتركها غداً عرس
أختي..ويجادلني زوجها لأقر لها بما تريد!!...
-----
حتى نتعلم أن علينا في كثير من الأوقات أن نطوي أشرعة جموحنا الأهوج,
ونستسلم, ونخشع ونسكن, حتى يرينا الله تعالى مراده بنا ومنا..
-------
بعضهن فقط يشعرن بالندم الشديد مع الألم الشديد الذي يلازمهن فترة
العلاج حتى تتعافى العين من جديد بعون الله.. لكن المحزن, أن كثيرا منهن يبدين
استهتارا كبيرا وعنادا وجفوة غريبة ولا يطعن أمر ءابائهن في نهيهن عن كثير من
سلوكياتهن المبالغ فيها.. بل لا يُحسِنَّ الردّ بتأدب وتهذب وتوقير.. كأنما لديهن
جنوح وجموح في غير محله على الإطلاق,, واستهتار بكل شيء, وعدم تقدير لنعم الله
الجليلة أو إشفاق من فقدها..
هذا الاستهتار المحزن بنعم الله تعالى وعدم الإشفاق من سلبها يورث القلب
ألماً غائراً متجدداً في كل مرة...
لماذا لم يعد لهن سمت البنت المسلمة المؤمنة المخبتة التقية الحيية الأمينة المؤتمنة الهادئة
الساكنة الهينة اللينة الطيعة الكريمة العزيزة في الحق الكريمة في كل خير البعيدة عن كل عناد وجفاء وعصيان وجنوح وريبة..
رائعة رائقة,
كمدرسة عليا في الخلق الجميل الأصيل,
لأبي حيان الأندلسي
يرثي فيها زوجته في قصيدته
التي مطلعها :
أأرجو حياة بعد فقد زمرد..
جَميلةُ خَلقٍ سَهلةُ الخُلقِ لينةٌ * رَقيقَةُ قَلبٍ ثاقِبِ الذهنِ
أَحــــــوَذي
صَحيحَ بُخارِيٍّ وَمسنــــــــــدَ دارمٍ * بِسَمعِ إِمـــــامٍ ثابـــتِ النَقلِ جَهبَذِ
وَرَوَّت بِبَيتِ اللَهِ وَالقُدسِ ما رَوَت * لِمصـريٍّ أَو شامــــــيٍّ أَو مُتَبَغـــدِذِ
وَلَكن بِجودٍ وَاحتِــمالٍ يَزينُـــــــها * بِنَفـــحٍ لِذي فَقرٍ وَصَفحٍ عَــن البَذي
مُطَهرةٌ لَفظاً وَقَلبـــــــــاً وَبَــــــرَّةٌ * مُبَرَّأةٌ عَن كُــــــلِّ مــــــا قادحٍ رَذي
-----
رَوَت مِن أَحاديثِ الرَسولِ مَسانِداً * وَكانَ لَهـــا روحٌ
بِتَسماعِها غُـــــذيصَحيحَ بُخارِيٍّ وَمسنــــــــــدَ دارمٍ * بِسَمعِ إِمـــــامٍ ثابـــتِ النَقلِ جَهبَذِ
وَرَوَّت بِبَيتِ اللَهِ وَالقُدسِ ما رَوَت * لِمصـريٍّ أَو شامــــــيٍّ أَو مُتَبَغـــدِذِ
------
وَلَم تَكتَرِث يَوماً بِلِبسٍ وَزينـــــَةٍ * وَحَليٍ فَتَبدو في
النَعيـــــمِ المُلَذّذِوَلَكن بِجودٍ وَاحتِــمالٍ يَزينُـــــــها * بِنَفـــحٍ لِذي فَقرٍ وَصَفحٍ عَــن البَذي
مُطَهرةٌ لَفظاً وَقَلبـــــــــاً وَبَــــــرَّةٌ * مُبَرَّأةٌ عَن كُــــــلِّ مــــــا قادحٍ رَذي
د.صفاء رفعت
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home