اليقيــــــ بالله ــــــــن
قال
تعالى : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ
مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}
بمثل هذه الفطرة السليمة، وهذه البصيرة المفتوحة؛ وعلى هذا النحو من الخلوص للحق، ومن إنكار الباطل في قوة . . نري إبراهيم حقيقة هذا الملك . . ملك السماوات والأرض . . ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون، ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود، ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب. لينتقل من درجة الإنكار على عبادة
الآلهة الزائفة، إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق . .
وهذا هو طريق الفطرة البديهي العميق . . وعي لا يطمسه الركام
. وبصر يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله
. وتدبر يتبع المشاهد حتى تنطق له بسرها المكنون
. . وهداية من الله جزاء على الجهاد فيه . .
وكذلك سار إبراهيم - عليه السلام - وفي هذا الطريق وجد الله
. . وجده في إدراكه ووعيه، بعد أن كان يجده فحسب في فطرته وضميره . . ووجد حقيقة الإلوهية في الوعي والإدراك مطابقة لما استكن منها في الفطرة والضمير.
فلنتابع الرحلة الشائقة مع فطرة إبراهيم الصادقة
. . إنها رحلة هائلة وإن كانت تبدو هينة ميسرة !
رحلة من نقطة الإيمان الفطري إلى نقطة الإيمان الوعي !
الإيمان الذي يقوم عليه التكليف بالفرائض والشرائع؛ والذي لا يكل الله - سبحانه - جمهرة الناس فيه إلى عقولهم وحدها، فيبينه لهم في رسالات الرسل، ويجعل الرسالة - لا الفطرة ولا العقل البشري - هي حجته عليهم، وهي مناط الحساب والجزاء، عدلا منه ورحمة، وخبرة بحقيقة الإنسان وعلما . .
فأما إبراهيم - عليه السلام - فهو إبراهيم! خليل الرحمن وأبو المسلمين . .
قال تعالى :
فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ
قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ
الضَّالِّينَ (77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا
أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
(78)
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(79)
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ
قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا
أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
رَبِّي شَيْئًا
وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا
أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (81)
" فلما جن عليه الليل رأى كوكبا. قال: هذا ربي، فلما أفل قال: لا أحب الآفلين " . .
إنها صورة لنفس إبراهيم، وقد ساورها الشك - بل الإنكار الجازم - لما يعبد أبوه وقومه من الأصنام.
وقد باتت قضية العقيدة هي التي تشغل باله، وتزحم عالمه . . صورة يزيدها التعبير شخوصا بقوله: " فلما جن عليه الليل
" . . كأنما الليل يحتويه وحده، وكأنما يعزله عن الناس حوله، ليعيش مع نفسه وخواطره وتأملاته، ومع همه الجديد الذي يشغل باله ويزحم خاطره:
" فلما جن عليه الليل رأى كوكبا، قال: هذا ربي " . .
وكان قومه يعبدون الكواكب والنجوم - كما أسلفنا - فلما أن يئس من أن يكون إلهة الحق - الذي يجده في فطرته في صورة غير مدركة ولا واعية - صنما من تلك الأصنام، فلعله رجا أن يجده في شيء مما يتوجه إليه قومه بالعبادة!
وما كانت هذه أول مرة يعرف فيها إبراهيم أن قومه يتجهون بالعبادة إلى الكواكب والنجوم.
وما كانت هذه أول مرة يرى فيها إبراهيم كوكبا . . ولكن الكوكب - الليلة - ينطق له بما لم ينطق من قبل، ويوحي إلى خاطره بما يتفق مع الهم الذي يشغل باله، ويزحم عليه عالمه:
" قال: هذا ربي " .
.
فهو بنوره وبزوغه وارتفاعه أقرب - من الأصنام - إلى أن يكون ربا! . .
ولكن لا! إنه يكذب ظنه:
" فلما أفل قال: لا أحب الآفلين " . .
إنه يغيب . . يغيب عن هذه الخلائق. فمن ذا يرعاها إذن ومن ذا يدبر أمرها . . إذا كان الرب يغيب؟ ! لا، إنه ليس ربا، فالرب لا يغيب!
إنه منطق الفطرة البديهي القريب . . لا يستشير القضايا المنطقية والفروض الجدلية، إنما ينطلق مباشرة في يسر وجزم. لأن الكينونة البشرية كلها تنطق به في يقين عميق . .
" لا أحب الآفلين " . .
فالصلة بين الفطرة وإلهها هي صلة الحب؛ والآصرة هي آصرة القلب . . وفطرة إبراهيم " لا تحب " الآفلين، ولا تتخذ منهم إلها. إن الإله الذي تحبه الفطرة . . لا يغيب . . !
" فلما رأى القمر بازغا قال: هذا ربي. فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين " . .
إن التجربة تتكرر
. وكأن إبراهيم لم ير القمر قط؛ ولم يعرف أن أهله وقومه يعبدونه
! فهو الليلة في نظره جديد:
! فهو الليلة في نظره جديد:
"
قال:
هذا ربي " .
.
بنوره الذي ينسكب في الوجود؛ وتفرده في السماء بنوره الحبيب . . ولكنه يغيب! . . والرب
- كما يعرفه إبراهيم بفطرته وقلبه - لا يغيب!
هنا يحس إبراهيم أنه في حاجة إلى العون من ربه الحق الذي يجده في ضميره وفطرته.
ربه الذي يحبه، ولكنه بعد لم يجده في إدراكه ووعيه
. . ويحس أنه ضال مضيع إن لم يدركه ربه بهدايته
ربه الذي يحبه، ولكنه بعد لم يجده في إدراكه ووعيه
. . ويحس أنه ضال مضيع إن لم يدركه ربه بهدايته
. إن لم يمد إليه يده. ويكشف له عن طريقه:
" قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين " . .
" فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي. هذا أكبر. فلما أفلت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين " .
إنها التجربة الثالثة مع أضخم الأجرام المنظورة وأشدها ضوءا وحرارة . . الشمس . . والشمس تطلع كل يوم وتغيب. ولكنها اليوم تبدو لعيني إبراهيم كأنها خلق جديد.
إنه اليوم يرى الأشياء بكيانه المتطلع إلى إله يطمئن به ويطمئن إليه؛ ويستقر على قرار ثابت بعد الحيرة المقلقة والجهد الطويل:
" قال: هذا ربي. هذا أكبر " .
ولكنها كذلك تغيب . .
هنا يقع التماس، وتنطلق الشرارة، ويتم الاتصال بين الفطرة الصادقة والله الحق، ويغمر النور القلب ويفيض على الكون الظاهر وعلى العقل والوعي . . هنا يجد إبراهيم إلهه . . يجده في وعيه وإدراكه كما هو في فطرته وضميره . . هنا يقع التطابق بين الإحساس الفطري المكنون والتصور العقلي
الواضح . .
وهنا يجد إبراهيم إلهه.
ولكنه لا يجده في كوكب يلمع، ولا في قمر يطلع، ولا في شمس تسطع ،ولا يجده فيما تبصر العين، ولا فيما يحسه الحس . . إنه يجده في قلبه وفطرته، وفي عقله ووعيه، وفي الوجود كله من حوله . . إنه يجده خالقا لكل ما تراه العين، ويحسه الحس، وتدركه العقول.
وعندئذ يجد في نفسه المفاصلة الكاملة بينه وبين قومه في كل ما يعبدون من آلهة زائفة؛ ويبرأ في حسم لا مواربة فيه من وجهتهم ومنهجهم وما هم عليه من الشرك - وهم لم يكونوا يجحدون الله البتة، ولكنهم كانوا يشركون هذه الأرباب الزائفة - وإبراهيم يتجه إلى الله وحده بلا شريك:
" قال: يا قوم إني بريء مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا وما أنا من المشركين " . .
فهو الاتجاه إلى فاطر السماوات والأرض. الاتجاه الحنيف الذي لا ينحرف إلى الشرك
. وهي الكلمة الفاصلة، واليقين الجازم، والاتجاه الأخير
. . فلا تردد بعد ذلك ولا حيرة فيما تجلى للعقل من تصور مطابق للحقيقة التي في الضمير . .
. وهي الكلمة الفاصلة، واليقين الجازم، والاتجاه الأخير
. . فلا تردد بعد ذلك ولا حيرة فيما تجلى للعقل من تصور مطابق للحقيقة التي في الضمير . .
ومرة أخرى نشهد ذلك المشهد الرائع الباهر . . مشهد العقيدة وقد استعلنت في النفس، واستولت على القلب، بعدما وضحت وضوحها الكامل وانجلى عنها الغبش . . نشهدها وقد ملأت الكيان الإنساني، فلم يعد وراءها شيء. وقد سكبت فيه الطمأنينة الواثقة بربه الذي وجده في قلبه وعقله وفي الوجود من حوله . . وهو مشهد يتجلى بكل روعته وبهائه في الفقرة التالية في السياق.
لقد انتهى إبراهيم إلى رؤية الله - سبحانه - في ضميره وعقله وفي الوجود من حوله. وقد اطمأن قلبه واستراح باله. وقد احس بيد الله تأخذ بيده وتقود خطاه في الطريق . . والآن يجيء قومه ليجادلوه فيما انتهى إليه من يقين؛ وفيما انشرح له صدره من توحيد؛ وليخوفوه آلهتهم التي تنكر لها أن تنزل به سوءا . . وهو يواجههم في يقينه الجازم؛ وفي إيمانه الراسخ؛ وفي رؤيته الباطنة والظاهرة لربه الحق الذي هداه:
{ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } أيُّ فائدة لمحاجة من لم يتبين له الهدى؟
{ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } أيُّ فائدة لمحاجة من لم يتبين له الهدى؟
فأما من هداه الله، ووصل إلى أعلى درجات اليقين
فإنه -هو بنفسه-
يدعو الناس إلى ما هو عليه.
إبراهيم المؤمن الذي وجد الله في قلبه وعقله وفي الوجود كله من حوله،
يواجههم مستنكرا في طمأنينة ويقين:
يواجههم مستنكرا في طمأنينة ويقين:
" قال: أتحاجوني في الله وقد هدان؟ " . .
أتجادلونني في الله وقد وجدته يأخذ بيدي، ويفتح بصيرتي، ويهديني إليه، ويعرفني به . . لقد أخذ بيدي وقادني فهو موجود - وهذا هو في نفسي دليل الوجود - لقد رأيته في ضميري وفي وعيي، كما رأيته في الكون من حولي. فما جدالكم في أمر أنا أجده في نفسي ولا أطلب عليه الدليل. فهدايته لي إليه هي الدليل؟ !
وكيف يخاف من وجد الله؟ وماذا يخاف ومن ذا يخاف؟ وكل قوة - غير قوة الله - هزيلة وكل سلطان - غير سلطان الله - لا يخاف؟ !
وكيف يخاف من وجد الله؟ وماذا يخاف ومن ذا يخاف؟ وكل قوة - غير قوة الله - هزيلة وكل سلطان - غير سلطان الله - لا يخاف؟ !
ولكن إبراهيم في عمق إيمانه، واستسلام وجدانه، لا يريد أن يجزم بشيء
إلا مرتكنا إلى مشيئة الله الطليقة، وإلى علم الله الشامل:
إلا مرتكنا إلى مشيئة الله الطليقة، وإلى علم الله الشامل:
" إلا أن يشاء ربي شيئا.
وسع ربي كل شيء علما "
فهو يكل إلى مشيئة الله حمايته ورعايته؛ ويعلن أنه لا يخاف من آلهتهم شيئا، لأنه يركن إلى حماية الله ورعايته.
ويعلم أنه لا يصيبه إلا ما شاءه الله، ووسعه علمه الذي يسع كل شيء . .
" وكيف أخاف ما أشركتم، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم يترل به عليكم سلطانا؟ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ " .
إنه منطق المؤمن الواثق المدرك لحقائق هذا الوجود. إنه إن كان أحد قمينا بالخوف فليس هو إبراهيم - وليس هو المؤمن الذي يضع يده في يد الله ويمضي في الطريق
- وكيف يخاف آلهة عاجزة كائنة ما كانت هذه الآلهة، والتي تتبدى أحيانا في صورة جبارين في الأرض بطاشين؛ وهم أمام قدرة الله مهزولون مضعوفون! - كيف يخاف إبراهيم هذه الآلهة الزائفة العاجزة، ولا يخافون هم أنهم أشركوا بالله ما لم يجعل له سلطانا ولا قوة من الأشياء والأحياء؟ وأي الفريقين أحق بالأمن؟ الذي يؤمن به ويكفر بالشركاء؟ أم الذي يشرك بالله ما لا سلطان له ولا قوة؟ أي الفريقين أحق بالأمن، لو كان لهم شيء من العلم والفهم؟ !
- وكيف يخاف آلهة عاجزة
هنا يتنزل الجواب من الملأ الأعلى؛ ويقضي الله بحكمه في هذه القضية:
" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " . .
قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين { الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا } أي: يخلطوا { إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ
لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء،
والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك،
ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة.
وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك
وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم
كمالها.
ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم
يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء.
ولما حكم لإبراهيم عليه السلام، بما بين به من البراهين القاطعة
ولما حكم لإبراهيم عليه السلام، بما بين به من البراهين القاطعة
قال: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } أي:
علا بها عليهم، وفلجهم بها.
{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة، فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات.
خصوصا العالم العامل المعلم، فإنه يجعله الله
إماما للناس، بحسب حاله ترمق أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه في
ظلمة ديجوره.
قال تعالى { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } .
{ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فلا يضع العلم والحكمة، إلا في المحل اللائق بها، وهو أعلم بذلك المحل، وبما ينبغي له.
وواضح أنهم
ما كانوا يجحدون وجود الله؛ ولا أنه هو صاحب القوة والسلطان في الكون، ولكنهم كانوا يشركون به هذه الآلهة. فلما واجههم إبراهيم، بأن من كان يخلص نفسه لله لا يخاف من دونه، فأما من يشرك بالله فهو أحق بالمخافة . . لما واجههم بهذه الحجة التي آتاها الله له وألهمه إياها، سقطت حجتهم، وعلت حجته، وارتفع إبراهيم على قومه عقيدة وحجة ومترلة . . وهكذا يرفع الله من يشاء درجات.
قال
تعالى :
"إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ "
أي صدقوا ولم
يشكوا وحققوا ذلك بالجهاد والأعمال الصالحة.
{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} في إيمانهم، لا
من أسلم خوف القتل ورجاء الكسب
أي: من جمعوا
بين الإيمان والجهاد في سبيله، فإن من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في
القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من
باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه،
وشرط تعالى في
الإيمان عدم الريب، وهو الشك، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني، بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك، بوجه من الوجوه.
وقوله: { أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } أي: الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق، دعوى كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك، دعوى الإيمان، الذي هو مدار السعادة، والفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، فمن ادعاه، وقام بواجباته، ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقًا، ومن لم يكن كذلك، علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى.
فإثباته ونفيه، من باب تعليم الله بما في القلب، وهذا سوء أدب، وظن بالله،
وقوله: { أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } أي: الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق، دعوى كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك، دعوى الإيمان، الذي هو مدار السعادة، والفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، فمن ادعاه، وقام بواجباته، ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقًا، ومن لم يكن كذلك، علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى.
فإثباته ونفيه، من باب تعليم الله بما في القلب، وهذا سوء أدب، وظن بالله،
ولهذا قال تعالى : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وهذا شامل للأشياء
كلها، التي من جملتها، ما في القلوب من الإيمان والكفران، والبر والفجور، فإنه تعالى، يعلم ذلك كله، ويجازي عليه، إن خيرًا فخير، وإن
شرًا فشر.
قال
تعالى : " ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده، ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "
وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض. فهدى الله للبشر يتمثل فيما جاءت به الرسل.
وينحصر المستيقن منه، والذي يجب إتباعه، في هذا المصدر الواحد، الذي يقرر الله - سبحانه - أنه هو هدى الله؛ وأنه هو الذي يهدي إليه من يختار من عباده . . ولو أن هؤلاء العباد المهديين حادوا عن توحيد الله، وتوحيد المصدر الذي يستمدون منه هداه، وأشركوا بالله في الاعتقاد أو العبادة أو التلقي،فإن مصيرهم أن يحبط عنهم عملهم: أي ان يذهب ضياعا، ويهلك كما تهلك الدابة التي ترعى نبتا مسموما فتنتفخ ثم تموت . . وهذا هو الأصل اللغوي للحبوط!
إنها حقيقة قديمة امتدت شجرتها، وموكب موصول تماسكت حلقاته؛ ودعوة واحدة حملها رسول بعد رسول؛ وآمن بها ويؤمن من يقسم الله له الهداية؛ بما يعلمه من استحقاقه للهداية! . .
وهو تقرير يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن، وفي قلوب العصبة المسلمة
- أيا كان عددها - إن هذه العصبة ليست وحدها.
ليست مقطوعة من شجرة!
إنها فرع منبثق من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وحلقة في موكب جليل موصول، موصولة أسبابه بالله وهداه
. . إن المؤمن الفرد، في أي أرض وفي أي جيل، قوي قوي، وكبير كبير، إنه من تلك الشجرة المتينة السامقة الضاربة الجذور في أعماق الفطرة البشرية
،
وفي أعماق التاريخ الإنساني، وعضو من ذلك الموكب الكريم الموصول بالله وهداه منذ أقدم العصور.
........................
أبا الأنبياء عليك الصلاة عليك السلام أبا الأنبياء
وقفت أصلي أمام المقام وفي مقلتي السنا والسلام
وللبيت ملئ جنان جلال ونشوة وجد ووجد انتشا
يلازمني راكعا ساجدا ويكحل عيني منه البهاء
تألقت الاّي في ثوبه تمد النجوم العلا بالضياء
وللناس من حوله زحمة توثق بين ذويها الإخاء
أبا الأنبياء عليك الصلاة عليك السلام أبا الأنبياء
وقفت أصلي أمام المقام وفي مقلتي السنا والسلام
وقفت أصلي أمام المقام وفي مقلتي السنا والسلام
وللبيت ملئ جنان جلال ونشوة وجد ووجد انتشا
يلازمني راكعا ساجدا ويكحل عيني منه البهاء
تألقت الاّي في ثوبه تمد النجوم العلا بالضياء
وللناس من حوله زحمة توثق بين ذويها الإخاء
أبا الأنبياء عليك الصلاة عليك السلام أبا الأنبياء
وقفت أصلي أمام المقام وفي مقلتي السنا والسلام
منقول .. بتصرف
1 Comments:
جزاك الله خيراًونفع بك وجعلها في موازيين حسناتك.
إرسال تعليق
<< Home