وحي الجماد أمر و وحي الحيوان غريزة و وحي الإنسان إلهام
كلكم يعلم ـ أيها الأخوة ـ أن الوحي إلى الجماد أمر ، قال تعالى :
﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا
* وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا *
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
بأن ربك أوحى لها : أي أمرها ..أما قوله تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
إلهام الحيوان هو الغريزة ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
أما الوحي إلى الإنسان فهو }، قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
أما الوحي إلى الأنبياء فهو وحي الرسالة ، عن طريق سيدنا جبريل.وحي الجماد أمر ، ووحي الحيوان غريزة ، ووحي الإنسان إلهام ووحي ، الرسول ملك يلقي عليه كتاب من عند الله .
إذاً الإلهام هنا بمعنى أن الإنسان قد يتلقى من الله سبحانه وتعالى توجيهاً بطريق خفي .
العلماء الربانيون لا ينكرون أن يقذف الله في قلب المؤمن نوراً يكشف له الحق والباطل ، والخير والشر ، والصواب والخطأ ، وما صح وما لا يصح ، وما ينبغي وما لا ينبغي.
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
ضبط الإلهام
ولكن إذا كان علم المنطق يضبط حركة العقل ، وعلم أصول الفقه يضبط الاستدلال،
هذا الإلهام كيف نضبطه ؟ ..
هل يُترك الإلهام فوضى فيبقى بابه مفتوحاً لمن هب ودب ؟
ولمن تخيل واختال ؟
ولمن لا يميز بين إلهام الملك ونفس الشيطان ؟
أو لمن ادعى الوصول ولم يرع الأصول ؟
أو لكل دجال يشتري الدنيا بالدين ويتبع غير سبيل المؤمنين ؟
علم المنطق ضبط حركة العقل ،
وعلم أصول الفقه ضبط الاستدلال ،
أما أن يبقى الإلهام مفتوحاً بابه ، بلا ضوابط ،
وبلا قيود فعندئذ يختلط الحق بالباطل ، ويضيع أمر الدين ..
الإلهام لا يُعتد به ،
ولا نعبأ به ، ولا نأخذ به إذا خرم قاعدة شرعية ،
أو حكماً شرعياً ، هو ليس حقاً بذاته ،
هو إما خيال ، أو وهم ، أو إلقاء من شيطان ،
إذا عارض ما هو ثابت في التشريع ،
الذي هو عام ، وليس خاصاً .
حقيقة الإلهام :
أيها الأخوة الكرام ، مع أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ،
ومع أن الرؤيا الصادقة نستأنس بها ،
وهي إعلام من الله خفي لهذا الإنسان لا يحق له أن يتاجر بها ،
ولا أن يتحدى بها أحداً ،
ولا أن ينقلها للناس ،
لأن الرؤيا الصادقة ليست بحجة في الشرع ،
وكذلك الإلهام الذي يتخذه أناس مصدراً تشريعياً ،
ويتحركون من خلاله ، ولا يعبؤون بأوامر الله ونواهيه ، هذا ضلال وأي ضلال ..
هذه حقيقة الإلهام ،
لا يستطيع أحد منصف متوازن أن ينكره
ولكن الإلهام يبقى في حدود الشرع ،
وفيما هو صواب ، ومقياسه الوحيد الكتاب والسنة ..
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ،
واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ،
وسيتخطى غيرنا إلينا ،
فلنتخذ حذرنا،
الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،
والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ،
والحمد لله رب العالمين .
بإيجاز لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home