سفر هو حياة الأرواح
النظر في السموات وغيرها بالبصر والبصيرة
والنظر في هذه الآيات وأمثالها نوعان :
الأول : نظر إليها بالبصر الظاهر ،
فيرى مثلا زرقة السماء ونجومها وعلوها وسعتها ،
وهذا نظر يشارك الإنسان فيه غيره من الحيوانات ،
وليس هو المقصود بالأمر ،
الثاني : أن يتجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة ،
فتفتح له أبواب السماء فيجول في أقطارها وملكوتها وبين ملائكتها ،
ثم يفتح له باب بعد باب
حتى ينتهى به سير القلب إلى عرش الرحمن ،
فينظر سعته وعظمته وجلاله ومجده ورفعته ،
ويرى السموات السبع و الأرضيين السبع بالنسبة إليه كحلقة ملقاة بأرض فلاة ،
ويرى الملائكة حافين من حوله لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس والتكبير ،
والأمر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود التي لا يعلمها إلا ربها ومليكها ،
فينزل الأمر بإحياء قوم وإماتة آخرين ،
وإعزاز قوم وإذلال آخرين ،
وإسعاد قوم وشقاوة آخرين ،
وإنشاء ملك و سلب ملك ،
وتحويل نعمة من محل إلى محل ،
وقضاء الحاجات على اختلافها وتباينها وكثرتها ،
من جبر كسر وإغناء فقير ،
وشفاء مريض ، وتفريج كرب ،
ومغفرة ذنب ، وكشف ضر ،
ونصر مظلوم وهداية حيران وتعليم جاهل ،
ورد آبق ، وأمان خائف ،
وإجارة مستجير ، ومدد لضعيف ،
وإغاثة لملهوف ،
وإعانة لعاجز ،
وانتقام من ظالم ، وكف لعدوان ...................
فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضل والحكمة والرحمة ،
تنفذ في أقطار العوالم لا يشغله سمع شىء منها عن سمع غيره ،
ولا تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلافها وتباينها واتحاد وقتها ،
ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا تنقص ذرة من خزائنه
لا إله إلا هو العزيز الحكيم ،
فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيبته خاشعا لعظمته
عان لعزته ، فيسجد بين يدي الملك الحق المبين
سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد ،
فهذا سفر القلب وهو في وطنه وداره ومحل ملكه ،
وهذا من أعظم آيات الله وعجائب صنعه ،
فيا له من سفر ما أبركه و أروحه
وأعظم ثمرته وربحه ،
وأجل منفعته وأحسن عاقبته
سفر هو حياة الأرواح
ومفتاح السعادة وغنيمة العقول والألباب
منقول ...للتدبر
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home