الرصاصة
كان الرجل يجلس
مكتوف اليدين .. معصوب العينين .. لا يعرف أين و لا متى و لا منْ الذي يضع فوهة المسدس
على رأسه .. و إنما هو ظلام حالك .. و صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة :
●● هل أنت محمود
السويفي ؟
● نعم .
●● تعترف أنك كافر
مارق زنديق خارج على دين الله .. و أنك تساند دولة الكُفر و تؤيدها ؟
● أنا أقول لا
إله إلا الله محمد رسول الله .. فكيف أكون كافراً ؟
●● لو كنت تقول
إن محمداً رسول الله بحق لاتبعته .
● أنا أتبعه قدر
طاقتي .
●● كان رسول الله
يُطلق لحيته ، و أنت تحلقها فكيف تدَّعي إتباعه ؟
● و كان رسول الله
يركب البغلة ، و أنتم تركبون القطار .. فهل خرجتم على السُنّة بذلك .. !
إن معنى السُنّة
الأفعال الدالة على الخُلُق و القِيم و ليست أية أفعال .. و اللحية لا تدُل على شيء
.. و كاسترو مُلحِد و يُربي لحيته .. و جيفارا أنكر وجود الله في جميع أحاديثه ، فهل
تنفعه لحيته .. و راسبوتين راهب الفِسق و العهر له أطول لحية ..
أنا لا أفهم ماذا
تعني لحية يصنعها و يقصها مقص حلاق في دقيقة .. و ماذا تضيف أو تُعطي للإسلام .
●● تعترف أنك تعيش
في عالم جاهلي ؟
● و أشنع من العالَم
الجاهلي .
●● عالَم سافل
.. منحرف .. ضال .
● و أشنع من ذلك
.. مجنون و لا معقول بدليل وجود سيادتك فيه .
●● و لكنك واحد
من الذين يقودون هذا العالَم بالكلمة و الأمر و التوجيه و الإدارة .
● أحاول أن أُصلِح
منه قدر استطاعتي .
●● أنت تشتغل في
الإعلام .. فما رأيك في الإعلام .. ؟ ما رأيك في حال التليفزيون و السينما و المسرح
و الصحيفة ؟ ..
● تسالي يا لب
.. و لكننا نحاول من حين لآخر أن نقول شيئاً ذا قيمة .
●● ثم يضيع الكلام
في طوفان الرقص و الطبل و الزمر و الهزل .
● هذا شأن العالَم
دائماً من خمسة آلاف سنة .. كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب .. و الطَبّال يكسب أكثر
من الخبّاز و النجار و الحدّاد ..
و لو أنك دعوت
أينشتين اليوم لندوة علمية .. ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي ، لَترَك الجمهور أينشتين
و علمه و لتجمَعوا حول المرأة العارية بالألوف .. و هذا ليس ذنبنا .. و إنما سببه أن
أكثر الناس من البهم و من أهل الهوى و من عبيد الشهوات .. و هم لذلك يشجعون التافه
من الأمور و ينصرفون عن الجاد .
●● و لهذا جئنا
لنصلح العالَم .
● ليس بالرصاص
و لا بالمدافع الرشاشة و لا بالمعتقلات و الإرهاب تُصنَع الفضائل .. لن تجعل من الناس
مسلمين مثل أبي بكر بقرار وزاري ، و لن تُصلِح هذا العالَم برفضه و تكفيره و إطلاق
النار عليه .. سيادتك لست مسلماً و إنما مجرم .
●● أنا أقول لا
إله إلا الله محمد رسول الله ، فكيف أكون مجرماً ؟
● أنتَ تقول لا
إله إلا نحن و مَنْ خالفنا كَفَر و مَنْ خرج عنا تزندق و مَنْ عارضنا عليه اللعنة
.
أنت طالب سُلطة
و سيطرة و جبروت .. و تلك شهوات نهى الله عنها ..
فقال لنبيه :
{ و ما أنت عليهم
بجبَّار } ( ق - 45 )
و قال له :
{ لست عليهم بمسيطر
} ( الغاشية - 22 )
و حدد دوره قائلاً
:
{ إنما أنت منذر
} ( الرعد - 7 )
{ إنْ عليك إلا
البلاغ } ( الشورى - 48 )
و أطلق الحرية
لكافة الناس في الإستجابة أو الرفض فقال :
{ و قُل الحق من
ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر } ( الكهف - 29 )
و قال :
{ لكم دينُكُم
و لِيَ دينِ } ( الكافرون - 6 )
و قال :
{ لا يضرُكُم مَنْ
ضَلَّ إذا اهتديتم } ( المائدة - 105 )
ثم أفرد الله نفسه
بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال :
{ هو أعلم بمن
ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى } ( النجم - 30 )
و قال :
{ فلا تُزَكوا
أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } ( النجم 32 )
و لكنكم تزكون
أنفسكم على الأمة كلها .. و تكفرونها كلها ، و تدَّعون لأنفسكم العصمة .
●● تعترف أنك رجل
كثير الأخطاء و أن ماضيك مثقل و حاضرك لا يبرأ من الشُبهة ؟
● كُل ابن آدم
خطّاء و خير الخطائين عند الله التوابون .. و أنا أتوب إلى الله كل يوم و كل ساعة
.
●● و لكنك شربت
الخمر و زنيت .
● لستُ أدعي عصمة
و لا ولاية و لا نبوّة و لا قيادة .. و ما أنا إلا صارخ في بَريّة يحمل على ظهره أوزاره
، و لكنه يرتجي المغفرة و يدعو إلى الخير .
●● تدعو إلى العِفّة
و قد زنيت .. و تنهى عن الخمر و قد شربتها .. ؟
فماذا يكون شأنك
إلا كما قال رسول الله عن علماء آخر الزمان ، بأنهم كغثاء السيل لا خير فيهم .
● صدق رسول الله
.. و الله إننا كغثاء السيل و لكن ما حيلتنا و قد طم السيل و جرف الجميع ، و لوَّث
الجميع ، و ما بقي واحد إلا مسّتهُ شبهة ، أو تلوَّث منه البال و الخاطر .
●● هذا إعتراف
بأن هذا العصر لا يصلُح إلا أن يكون حطباً لجهنم .. أليست هذه إدانة شاملة ؟ .
● لا يُدين إلا
الدَيّان و لا يحكم بالنار إلا رب النار ، و قد قال ربنا عن نفسه : { و إني لغفّارٌ
لمن تاب و آمن و عَمِلَ صالِحاً ثُم اهتدى } ( طه – 82 ) .
و قال عن نفسه
إنه لا يُسأَل عما يفعل .. و قال إنه يغفر لمن يشاء ، و يُعَذِب من يشاء .. و قال رحمتي
وَسِعت كل شيء .. و ليس من حقك أن تحجُر على رحمة الله و لا أن تُدخلنا النار و تُدخِل
نفسك الجنة ، إلا إذا كنت قد تألهت و تصورت نفسك وصياً على العالمين .
●● لقد اعترفت
بأنك شربت الخمر و زنيت .
● من لم يرتكب
منكم خطيئة فليرمنا بحَجَر .
فأجاب الرجُل في
زَهو و اختيال :
●● أنا لم أرتكب
خطيئة .
● تلك الدعوى هي
كُبرى خطيئاتك و سوف تُحاسب عنها حساباً عسيراً .
●● أبعُلماء أمثالِكم
نحارب الكُفّار ؟
● إذا كُنا سيئين
فالكُفار أسوأ و الله ينصر السيئ على الأسوأ .. و الله عليم بضعف الناس و هو القائل
: { اتقوا الله حق تُقاته } ( آل عمران – 102 ) .
ذلك القول للأنبياء
و لستُ منهم ، إنما أنا بشر عادي أَخطأَ و أصاب ، و عمل عملاً صالحاً و آخر سيئاً
.. عسى الله أن يتوب عليه ..
ثم خَبِرني لماذا
تجعل من نفسك منتقماً .. و هل أعطاك الله الوكالة عنه أم أعطيتها لنفسك .. و بأي حق
تتغطرس علينا هكذا و تُطلِق التهم عن يمين و شمال و أنت حدث قليل التجربة لم تتجاوز
السابعة عشرة من عمرك ثم تُفتينا في الإسلام و أنت لم تحفظ بعد قرآناً و لا درست سُنّة
و لا جلست إلى علماء و لا سهرت على مرجِع .. و تختال بعفتك و طهارتك و أنت لم تتعرض
بعد لما تعرضنا له من مُغرَيات .. و ما حُكم عِفّة بلا مكابدة .. و طهارة بلا ابتلاء
إلا أن تكون مراهقة و غروراً ..
●● أنتم تلوون
ألسنتكم بالعِلم و أنتم زُناة فاسقون مكانكم جهنم و سأشيعك بهذه الرصاصة إلى مكانك
.
● أعرفتَ مكاني
الذي ستشيعني إليه برصاصتك .. ؟! ذلك و اللهِ غرور آخر و ادِّعاء بعلم الآخرة بعد ادعائك
لعلم الدنيا .
●● ابكِ على مصيرك
.
● و الله ما أَلقَى
الله باكياً ، بل ألقاه راجياً رحمته و هو الذي أنشأني من تراب الأرض و يعلم ضعفي ،
و هو القائل : { و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفا } ( النساء – 28 9 .
و الله ما أكُف
عن الأمل في رحمة الله أبداً .
●● ذلك ظن الذين
كفروا .
● بل هو قول الذين
آمنوا و سيُخلِف الله ظنّك و الله خلّاف الظنون .
# و شد الرجل أصابعه
على زناد المسدس في غيظ ليقول في كلمة أخيرة :
●● ألَكَ مطلب
أخير ؟
● أنت أهوَن عند
الله من أن أطلب منك شيئاً و هذه الدنيا أتفه من أن ألتفت إليها بطمع .
●● أحاقدٌ أنت
عليّ ؟
● بل إنك لَتُحسِن
إليَّ بهذه الرصاصة و تتصدق عليَّ بهذه الشهادة ، و تعطيني الفرصة لأدفع في كلمة حق
أغلى ثمن ، و تلك نعمة من الله أشكره عليها .. الحمد لله على ما أعطى و ما أخذ .
# و ضغط الرجل
على الزناد في غيظ ، فانطلقت الرصاصة و سقط رَجُل ، و زاد عدد المجرمين واحداً ..
و لم ينصلح في
العالَم أي شيئ .. بل زاد ضلالاً على ضلال .
Dr. Mostafa Mahmoud ..
من كتـــاب / نـقـطــة
الغـليــان
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home