وكان لهم من الإيمان جناح يرفون به إلى عليين
{واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين.
ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب.. إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث.. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص
القصص لعلهم يتفكرون. ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون!}..
إنه مشهد من المشاهد العجيبة، الجديدة كل الجدة على ذخيرة هذه اللغة من التصورات والتصويرات..
إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع..
ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً.
ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه؛
فهو ينسلخ منها بعنف وجهد ومشقة، انسلاخ الحي من أديمه اللاصق بكيانه..
أو ليست الكينونة البشرية متلبسة بالإيمان بالله تلبس الجلد بالكيان؟..
ها هو ذا ينسلخ من آيات الله؛ ويتجرد من الغطاء الواقي،
والدرع الحامي؛ وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى؛
ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم؛
فيصبح غرضاً للشيطان لا يقيه منه واق،
ولا يحميه منه حام؛ فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه.. ثم إذا نحن أولاء أمام مشهد
مفزع بائس نكد..
إذا نحن بهذا المخلوق، لاصقاً بالأرض، ملوثاً بالطين.
ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب، يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد..
كل هذه المشاهد المتحركة تتتابع وتتوالى؛ والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثر.. فإذا انتهى إلى المشهد الأخير منها..
مشهد اللهاث الذي لا ينقطع.. سمع التعليق المرهوب الموحي، على المشهد كله:
{ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون.
ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون}..
ذلك مثلهم! فلقد كانت آيات الهدى وموحيات الإيمان متلبسة بفطرتهم وكيانهم وبالوجود كله من حولهم. ثم إذا هم ينسلخون منها انسلاخاً.
ثم إذا هم أمساخ شائهو الكيان، هابطون عن مكان الإنسان إلى مكان الحيوان.. مكان الكلب الذي يتمرغ في الطين.
وكان لهم من الإيمان جناح يرفون به إلى عليين؛
وكانوا من فطرتهم الأولى في أحسن تقويم،
فإذا هم ينحطون منها إلى أسفل سافلين!
{ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون!}..
وهل أسوأ من هذا المثل مثلاً؟
وهل أسوأ من الانسلاخ والتعري من الهدى؟
وهل أسوأ من اللصوق بالأرض واتباع الهوى؟
وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا؟
من يعريها من الغطاء الواقي والدرع الحامي، ويدعها غرضاً للشيطان يلزمها ويركبها، ويهبط بها إلى عالم الحيوان اللاصق بالأرض، الحائر القلق، اللاهث لهاث الكلب أبداً!!!
وهل يبلغ قول قائل في وصف هذه الحالة وتصويرها على هذا النحو العجيب الفريد؛ إلا هذا القرآن العجيب الفريد!!
وبعد.. فهل هو نبأ يتلى؟
أم أنه مثل يضرب في صورة النبأ لأنه يقع كثيراً.
فهو من هذا الجانب خبر يروى؟
في ظلال القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home