قصة نبي الله عزير :
قال الله عز وجل:
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾
قال المفسرون: إنه سيدنا عزير أحد أنبياء بني
إسرائيل، مرّ على قرية، وقالوا: هي القدس، وقالوا هى قرية قريبة من بيت لحم في فلسطين وهي خاوية على عروشها، دمرت هذه المدينة وهجرها أهلها، ولم يبق منها إلا الهياكل، أنقاض،
فقال سيدنا عزير:
﴿ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾
قرية مهدمة، أنقاض، بيوت متداعية، كيف يُعاد بناءُ هذه القرية؟ فقال الله عز وجل:
﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾
قالوا: إنه مات بعد شروق الشمس، وبُعِثَ قُبيل غروبها..
﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ﴾
تصور أنه نام بعد الشمس، واستيقظ قبل غروب الشمس..
﴿ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾
قال: لبثت يوماً، فلما رأى الشمس لم تغب بعدُ، قال: أو بعض يوم، وقد لبث مئة عام.
الآية التالية من آيات الدالة على عظمته :
قال الله له:
﴿ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾
طعامك الذي كان في حوزتك، وشرابك الذي كان في حوزتك هو هو؛ طازجٌ بخضرته، وزهوته، وطراوته، وكل صفاته التي تركته عليها.
﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ﴾
حمارهُ كومةٌ من العظام..
﴿ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ﴾
عظام الحمار..
﴿ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً ﴾
هذه العظام تجمَّعتْ، وتشكَّلتْ، وتراكبت
فكانت هيكلاً كاملاً، ثم جاء اللحم فكساها، وجاء الجلد فكسا هذه العضلات،
وهذه آية من آيات الدالة على عظمته.أخواننا الكرام؛ في تفسير هذه الآية لا بد من توضيح، هذا الكون كون مُعْجِز بوضعه الراهن، وفق قوانينه، وفق سننه، وفق معطياته، كون معجز، وهو يدل على الله عز وجل دلالة ما بعدها دلالة، ولكن لحكمة أرادها الله عز وجل جَعلَ بعض آياته في خرق هذه القوانين، هذا الكون من دون أن تخرق قوانينه معجزة، هذا الكون في وضعه الراهن معجزة، وإذا خرقت قوانينه معجزة، وخرق العادات لا يقبل عادةً، لأنّ الإنسانَ لم يألفه، لكنه يقبل عقلاً، لأن الذي خلق هذه القوانين هو الله، والذي قنَّنها هو الله، والله عز وجل في أيّة لحظةِ يعدِّلها أو يبدِّلها أو يغيِّرها..
المعجزة غير مألوفة عادةً لكنها مقبولة عقلاً :
هذا ماء، قوامه سائل، هذه الطاولة صلبة،
قوامها صلب، هذا الهواء الذي نتنفسه غاز قوامه مرن، أي أنه يتشكل في أي
مكان، حجمه متغير، كتلته متغيرة، لكن لو شاء الله أن يجعل هذه الطاولة
هواءً لكان، لأنه على كل شيء قدير، ولو شاء الله أن يجعل هذا الماء بخاراً
لكان، نحن بالتبريد نستطيع أنْ نجعله صلباً، وبالغليان نجعله بخاراً، هذا
أكبر مثَل، فتحوُّلُ المواد من طبيعة إلى طبيعة قضيةٌ عند الله، (كن
فيكون).
بل إن من أغرب ما قرأته في الفيزياء أنّ بعض العناصر يكون قوامه صلباً، والعنصر الذي يليه في الترتيب البنائي يكون قوامه غازاً، كل عنصر له نوية وكهروب يدور حولها، كهروبان عنصر ثانٍ، ثلاث كهارب عنصر ثالث، رتبت العناصر في الأرض أكثر من مئة عنصر، بالتسلسل؛ كهروب، اثنين، ثلاثة، بين عنصرين متناقضين أحدهما غاز والثاني صلب، كهروب واحد، إلكترون واحد ( + أو - ) يقلبه من غازٍ إلى صلب، كلمة كن فيكون، فعندما ضرب سيدنا موسى عليه السلام البحر أصبح طريقاً يبساً، كن فيكون، سائل، أعطاه الله أمراً: كن صلباً فكان. المعجزة مقبولة عقلاً، لأن الذي غيّر القانون هو خالقه، الذي غيّر هذا القانون هو الذي قننه، الذي غير هذه السنة هو الذي سنها، ولكنّ المعجزة غير مألوفة عادةً، البحر بحر، والطريق طريق، وبعض الناس حينما ينكرون بعض المعجزات ينكرونها بفعل العادة، فما ألِف الناس أن النار لا تحرق، ولكن الله عز وجل حينما ألقي إبراهيم في النار:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
وقد وقف العلماء عند هذه الآية:
﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً ﴾
لو قال الله عز وجل: يا نار كوني برداً فقط، لمات إبراهيم من البرد، لكنه قال:
﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلامَاً﴾
لو اكتفى الله عز وجل بأنه قال: كوني برداً وسلاماً، ولم يقل على إبراهيم، لبطل مفعول النار إلى يوم القيامة، لكن:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
فقط.
المعجزة أجراها الله على يد بعض أنبيائه لتكون أداة تأييدٍ لهؤلاء الأنبياء :
قال تعالى:
﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ﴾
إذاً الله عز وجل قادر أن يجمع هذه العظام، وأن يجعلها متراكبة، وأن يجعلها هيكلاً، ثم يكسوها لحماً، ويكسوها جلداً، ويعود الحمار حياً كما كان، لكنْ هذا ممّا لم يألفه الناسُ، إذاً هو معجزة أجراها الله على يد بعض أنبيائه لتكون أداة تأييدٍ لهؤلاء الأنبياء..
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ
قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ
عَامٍ﴾
طبعاً هذا يذكِّرنا أن الإنسان يوم القيامة
حينما يستحق النار يُسأَل: كم لبثت في الأرض عدد سنين؟ ماذا يقول؟ لبثت
يوماً أو بعض يوم، من أجل يوم أو بعض يوم يستحق الإنسانُ النارَ إلى أبد
الآبدين؟! من أجل أيام تمضي! الإنسانُ زمن، إنسان عاش كذا سنة، ثم توفاه
الله عز وجل، وصار خبراً، كان رجلاً فصار خبراً، كان شخصاً فصار رقماً، كان
ملء السمع والبصر فصار تحت التراب، كان فوق التراب يهابه الناس فأصبح تحت
أطباق الثرى، كان إذا نظر نظرةً خاف الناس، إذا هو الآن مسجىً في النعش،
هكذا.
الكون وحده معجزةً بكل ما في هذه الكلمة من معنى :
قال تعالى:
﴿ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾
أي لم يفسد، على ما هو عليه، طعام مضى عليه مئة عام هو هو، طازج، بلونٍ زاهٍ، طريٌ..
﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ ﴾
من آيات الله الدالة على عظمته، طبعاً حماره رآه كومة من العظام..
﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ﴾
أي نركبها بعضها فوق بعضٍ..
﴿ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ
قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
لكن الإنسان إذا ضعف إدراكه احتاج إلى خرقٍ
للعادات، أما إذا كان مفكراً يقظاً، كفاه الكون معجزة، وقد ورد في الأثر: "
أنْ حسبكم الكون معجزة "، الكون وحده معجزةً بكل ما في هذه الكلمة من
معنى.موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home