حقوق الإنسان في الحضارة الإسلامية
حقوق الإنسان في الحضارة الإسلامية
د. راغب السرجاني
16/07/2008 -

لكن فلسفة الإسلام وشريعته لم تكن يومًا لتَحِيد عن القيم والأخلاق، والتي تمثَّلَتْ في إقرار مجموعة من الحقوق التي شملت كل بني الإنسان، دون تمييز بين لون أو جنس أو لغة، وشملت أيضًا محيطه الذي يتعامل معه، وتمثَّلَتْ كذلك في صيانة الإسلام لهذه الحقوق بسلطان الشريعة، وكفالة تطبيقها، وفرض العقوبات على مَنْ يَعْتَدِي عليها.
نظرة الإسلام للإنسان
ينظر الإسلام إلى الإنسان نظرة راقية فيها تكريم وتعظيم، انطلاقًا من قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].وهذه النظرة جعلت لحقوق الإنسان في الإسلام خصائص ومميزات خاصَّة، مِن أهمِّها شموليَّة هذه الحقوق؛ فهي سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية. كما أنها عامَّة لكل الأفراد، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، دون تمييز بين لون أو جنس أو لغة، وهي كذلك غير قابلة للإلغاء أو التبديل؛ لأنها مرتبطة بتعاليم ربِّ العالمين.
وقد قَرَّرَ ذلك رسول الله


وقال

ثم ذهب الرسول


هذا، وقد حرَّم الإسلام كل عمل ينتقص من حقِّ الحياة؛ سواء أكان هذا العمل تخويفًا، أو إهانة، أو ضربًا، فعن هشام بن حكيم، قال: سمعتُ رسول الله

المساواة بين الناس







العدل في الإسلام
ويرتبط بحقِّ المساواة حقٌّ آخر وهو العدل، ومن روائع ما يُروى في هذا الصدد قول الرسول
وكان

حق الكفاية في الإسلام
وفي حقٍّ فريد تختصُّ به شريعة الإسلام، لم يتطرَّق إليه نظام وضعي ولا ميثاق من مواثيق حقوق الإنسان، يأتي حقُّ الكفاية، ومعناه أن يحصل كل فرد يعيش في كنف الدولة الإسلامية على كفايته من مقوِّمات الحياة؛ بحيث يحيا حياة كريمة، ويتحقَّق له المستوى اللائق للمعيشة، وهو يختلف عن حدِّ الكفاف الذي تحدَّثت عنه النُّظُم الوضعيَّة، والذي يعني الحدَّ الأدنى لمعيشة الإنسان[13].وحقُّ الكفاية هذا يتحقَّق بالعمل، فإذا عجز الفرد فالزكاة، فإذا عجزت الزكاة عن سدِّ كفاية المحتاجين تأتى ميزانية الدولة لسداد هذه الكفاية، وقد عبَّر الرسول


حقوق المدنيين والأسرى


وهكذا، فهذا بعض ممَّا قَنَّنَه الإسلام ووَضَعَهُ كحقوق للإنسان على ظهر البسيطة، وهي في مجملها تعكس النظرة الإنسانية التي هي رُوح حضارة المسلمين.
د. راغب السرجاني
[1] نقلاً عن الغزالي: ركائز الإيمان بين العقل والقلب ص318.
[2] البخاري عن أبي بكرة: كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى (1654)، ومسلم: كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679).
[3] البخاري عن أنس بن مالك: كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور (2510)، والنسائي (4009)، وأحمد (6884).
[4] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث (5442)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه... (109).
[5] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق (2613)، وأبو داود (3045)، وأحمد (15366).
[6] كلكم لآدم: كل الناس جميعًا يرجعون إلى أب واحد هو آدم

[7] أحمد (23536) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. والطبراني: المعجم الكبير (14444)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (2700).
[8] طَفُّ الصاعِ: أَي كلكم قريبٌ بعضُكم من بعض؛ فليس لأَحد فضْلٌ على أَحد إلا بالتقوى؛ لأَنَّ طَفَّ الصاع قريب من ملئه، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة طفف 9/221.
[9] البيهقي: شعب الإيمان (5135).
[10] البخاري عن عائشة رضي الله عنها: كتاب الأنبياء، باب "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ"(3288)، ومسلم: كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف... (1688).
[11] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الوكالة، باب الوكالة في قضاء الديون (2183)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب من استلف شيئًا فقضى خيرًا منه... (1601).
[12] أبو داود عن عليٍّ

[13] انظر: خديجة النبراوي: موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام ص505-509.
[14] ضياعًا: أي ترك أولادًا صغارًا ضائعين لا مال لهم، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ضيع 8/228.
[15] البخاري: كتاب التفسير، سورة الأحزاب (4503)، ومسلم عن جابر بن عبد الله: كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (867)، واللفظ له.
[16] شبعانًا هكذا مصروفًا في رواية الطبراني، وهي صحيحة على لغة بني أَسد.
[17] الحاكم: كتاب البر والصلة (7307) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والطبراني عن أنس بن مالك: المعجم الكبير (750) واللفظ له، والبيهقي: شعب الإيمان (3238)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (149).
[18] البخاري عن أبي موسى الأشعري: كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض (2354)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة


[19] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث... (1731)، والطبراني عن عبد الله بن عباس: المعجم الأوسط (4313) واللفظ له.
==========
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home