قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل
دعاء موسى عليه السلام ولجوئه الى حمى الله
مرؤة موسى عليه السلام وإحسانه إلى المرآتين
إجابة دعاء موسى عليه السلام ونجاته من القوم الظالمين
قال تعالى في سورة القصص
"
فخرج منها خائفا يترقب
قال: رب نجني من القوم الظالمين " . .
ومرة أخرى نلمح السمة الواضحة في الشخصية الانفعالية
التوفز والتلفت ونلمح معها،
التوجه
المباشر بالطلب إلى الله،
والتطلع إلى حمايته ورعايته،
والالتجاء إلى حماه في المخافة،
وترقب الأمن عنده والنجاة:
"
رب نجني من القوم الظالمين "
.
.
ثم يتبعه السياق خارجا من المدينة،
خائفا يترقب، وحيدا فريدا،
غير مزود إلا بالاعتماد على مولاه؛
والتوجه إليه طالبا عونه وهداه:
"
ولما توجه تلقاء مدين
قال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " . .
ونلمح شخصية موسى - عليه السلام
-
فريدا وحيدا مطاردا في الطرق الصحراوية في اتجاه
مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز
مسافات شاسعة، وأبعاد مترامية،
لا زاد ولا استعداد،
فقد خرج من المدينة خائفا يترقب،
وخرج مترعجا بنذارة الرجل الناصح،
لم يتلبث،
ولم يتزود ولم يتخذ دليلا.
ونلمح إلى جانب هذا نفسه متوجهة إلى ربه،
مستسلمة له، متطلعة إلى هداه: "
عسى ربي أن يهديني
سواء السبيل " . .
ومرة أخرى نجد موسى - عليه السلام - في قلب المخافة،
بعد فترة من الأمن.
بل
من الرفاهية
والطراءة والنعمى
.
ونجده وحيدا مجردا من قوى الأرض الظاهرة جميعا،
يطارده فرعون وجنده، ويبحثون
عنه في كل مكان،
لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلا.
ولكن اليد التي رعته وحمته
هناك ترعاه وتحميه هنا،
ولا تسلمه لأعدائه أبدا
فها هو ذا يقطع الطريق الطويل،
ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة
بالسوء:
"
ولما ورد ماء مدين، وجد عليه أمة من الناس يسقون،
ووجد من دونهم امرأتين تذودان.
قال: ما خطبكما؟
قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء،
وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما، ثم تولى إلى
الظل، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
. .
لقد انتهى به السفر الشاق الطويل إلى ماء لمدين.
وصل
إليه وهو مجهود مكدود. وإذا
هو يطلع
على مشهد لا تستريح إليه النفس ذات المروءة، السليمة الفطرة،
كنفس موسى - عليه السلام - وجد
الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء؛
ووجد
هناك امرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء.
والأولى عند ذوي المروءة والفطرة السليمة،
أن
تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامهما أولا،
وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما.
ولم يقعد موسى الهارب المطارد، المسافر المكدود،
ليستريح،
وهو يشهد هذا المنظر المنكر
المخالف للمعروف
.
بل تقدم للمرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب:
"
قال: ما خطبكما؟ " .
"
قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير " . .
فأطلعتاه على سبب انزوائهما وتأخرهما وذودهما لغنمهما عن الورود
.
إنه الضعف، فهما امرأتان
وهؤلاء الرعاة رجال
.
وأبوهما شيخ كبير لا يقدر على الرعي ومجالدة الرجال
! وثارت
نخوة موسى -
عليه السلام - وفطرته السليمة
.
فتقدم لإقرار الأمر في نصابه
.
تقدم ليسقي للمرأتين أولا، كما ينبغي أن
يفعل الرجال ذوو الشهامة.
وهو غريب في أرض لا يعرفها، ولا سند له فيها ولا ظهير
وهو مكدود
قادم من سفر طويل بلا زاد ولا استعداد
وهو مطارد، من خلفه اعداء لا يرحمون
.
ولكن هذا كله لا
يقعد به عن تلبية دواعي المروءة و النجدة والمعروف،
وإقرار الحق الطبيعي الذي تعرفه النفوس:
"
فسقى لهما "
.
.
مما يشهد بنبل هذه النفس التي صنعت على عين الله.
كما يشي بقوته التي ترهب حتى وهو في
إعياء السفر الطويل
ولعلها قوة نفسه التي أوقعت في قلوب الرعاة رهبته أكثر من قوة جسمه
.
فإنما يتأثر الناس أكثر بقوة الأرواح والقلوب.
"
ثم تولى إلى الظل "
.
.
مما يشير إلى أن الأوان كان أوان قيظ وحر،
وأن السفرة كانت في ذلك القيظ والحر.
"
فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
إنه يأوي إلى الظل المادي البليل بجسمه،
ويأوى إلى الظل العريض الممدود.
ظل
الله الكريم المنان.
بروحه وقلبه: "
رب. إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
.
رب إني في الهاجرة. رب
إني فقير.
رب
إني وحيد.
رب إني ضعيف.
رب إني إلى فضلك ومنك وكرمك فقير محووج.
ونسمع من خلال التعبير رفرفة هذا القلب والتجاءه إلى الحمى الآمن،
والركن الركين، والظل والظليل.
نسمع المناجاة القريبة والهمس الموحي،
والانعطاف الرفيق، والاتصال العميق
:
" رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " . .
وما نكاد نستغرق مع موسى - عليه السلام
- في مشهد المناجاة حتى يعجل السياق بمشهد
الفرج، معقبا في التعبير بالفاء،
كأنما السماء تسارع فتستجيب للقلب الضارع الغريب.
"
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء.
قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجرما سقيت لنا " .
.
يا فرج الله: ويا
لقربه ويا لنداه!
إنها دعوة الشيخ الكبير استجابة
من السماء لدعوة موسى الفقير
دعوة للإيواء والكرامة والجزاء على الإحسان
دعوة تحملها: " إحداهما " وقد جاءته " تمشي
على استحياء "
" فلما جاءه وقص عليه القصص،
قال: لا تخف
نجوت من القوم الظالمين " . .
فقد كان موسى في حاجة إلى الأمن؛
كما كان
في حاجة إلى الطعام والشراب
.
ولكن حاجة نفسه إلى الأمن كانت أشد من حاجة جسمه إلى الزاد
ومن ثم أبرز السياق في مشهد اللقاء قول الشيخ
الوقور: " لا تخف "
فجعلها أول
لفظ يعقب به على قصصه ليلقي في قلبه الطمأنينة،
ويشعره بالأمان.
ثم بين وعلل: " نجوت من القوم الظالمين "
فلا سلطان لهم على مدين،
ولا يصلون لمن فيها بأذى ولا ضرار
في ظلال القرآن بإيجاز
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home