وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ




قال تعالى في سورة الزخرف
وَالَّذِي
نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا
كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ
وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا
اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ
وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا
كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
" والذي نزل من السماء ماء بقدر،
فأنشرنا به بلدة ميتاً، كذلك تخرجون "
..
والماء الذي ينزل من السماء يعرفه كل إنسان ويراه كل إنسان؛
ولكن أكثر الناس يمرون على
هذا الحدث العجيب دون يقظة ودون اهتزاز،
لطول الألفة والتكرار
فأما محمد رسول الله ع فكان
يتلقى قطراته في حب وفي ترحيب وفي حفاوة وفي استبشار؛
لأنها قادمة إليه من عند الله.
ذلك أن قلبه الحي كان يدرك صنع الله الحي في هذه القطرات،
ويرى يده الصناع!
وهكذا ينبغي أن يتلقاها القلب
الموصول بالله ونواميسه في هذا الوجود.
" والذي نزل من السماء ماء بقدر "
..
فهو مقدر موزون لا يزيد فيغرق؛
ولا يقل فتجف الأرض وتذبل الحياة؛
ونحن نرى هذه الموافقة
العجيبة، ونعرف اليوم ضرورتها لإنشاء الحياة
وإبقائها كما ارادها الله.
"
فأنشرنا به بلدة ميتاً "
..
والإنشاء الإحياء. والحياة
تتبع الماء.
ومن الماء كل شيء حي.
"
كذلك تخرجون "
..
فالذي أنشأ الحياة أول مرة كذلك يعيدها؛
والذي أخرج الأحياء أول مرة من الأرض الميتة،
كذلك يخرج الأحياء منها يوم القيامة
.
فالإعادة من البدء؛
وليس فيها عزيز على الله.
ثم هذه الأنعام التي يجعلون منها جزءاً لله وجزءاً لغير الله،
وما لهذا خلقها الله؛ إنما خلقها لتكون
من نعم الله على الناس،
يركبونها كما يركبون الفلك،
ويشكرون الله على تسخيرهما،
ويقابلون نعمته بما تستحقها



"
والذي خلق الأزواج كلها،
وجعل لكم من الفلك والأنعام
ما تركبون.
لتستووا على
ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه،
وتقولوا: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له
مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون " ..
والزوجية هي قاعدة الحياة كما تشير إليها هذه الآية
.
فكل الأحياء أزواج، وحتى الخلية الواحدة
الأولى تحمل خصائص التذكير والتأنيث معها
.
بل ربما كانت الزوجية هي قاعدة الكون كله لا قاعدة
الحياة وحدها إذا اعتبرنا أن قاعدة الكون
هي الذرة المؤلفة من الكترون سالب وبروتون موجب،
كما تشير البحوث الطبيعية حتى الآن.
وعلى أية حال فالزوجية في الحياة ظاهرة؛
والله هو الذي خلق الأزواج كلها من الإنسان وغير الإنسان:
"
وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون " .. .
يذكر الناس هذه الإشارة بنعمة الله عليهم في اصطفائهم بخلافة هذه الأرض،
وبما سخر لهم فيها من قوى وطاقات.
ثم يوجههم إلى الأدب الواجب في شكر هذه النعمة وشكر هذا الاصطفاء؛
وتذكر المنعم كلما عرضت النعمة،
لتبقى القلوب موصولة بالله عند كل حركة في الحياة:
"
لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه
وتقولوا: سبحان الذي سخر
لنا هذا وما كنا له مقرنين
"
.. فما نحن بقادرين على مقابلة نعمته بنعمة مثلها،
وما نملك إلا الشكر نقابل به هذا الإنعام.
ثم ليتذكروا أنهم عائدون بعد الخلافة في الأرض إلى ربهم
ليجزيهم عما فعلوا في هذه الخلافة التي
زودهم فيها بأنعمه.
وسخر لهم فيها ما سخر من القوى والطاقات:
"
وإنا إلى ربنا لمنقلبون " ..
هذا هو الأدب الواجب في حق المنعم،
يوجهنا الله إليه، لنذكره كلما استمتعنا بنعمة من نعمه
التي تغمرنا،
والتي نتقلب بين أعطافها ..
ثم ننساه .. !
والأدب الإسلامي في هذا وثيق الصلة بتربية القلب وإحياء الضمير
.
فليس هو مجرد طقوس تزاول عند الاستواء على ظهور الفلك والأنعام،
ولا
مجرد عبارات يتلوها اللسان !
إنما هو استحياء للمشاعر لتحس بحقيقة الله،
وحقيقة الصلة بينه وبين عباده؛
وتشعر
بيده في كل ما يحيط بالناس،
وكل ما يستمتعون به مما سخره الله لهم،
وهو محض الفضل والإنعام،
بلا مقابل منهم، فما هم بقادرين على
شيء يقابلون به فضل الله
ثم لتبقى قلوبهم على وجل من لقائه في النهاية لتقديم الحساب
..
وكل هذه المشاعر كفيلة باستبقاء القلب البشري
في حالة يقظة شاعرة حساسة
لا تغفل عن مراقبة الله.
ولا تجمد ولا تتبلد بالركود والغفلة والنسيان

--------
تفسير سيد قطب رحمه الله بإيجاز
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home