كيف صنع موسى على عين الله
فى رحاب قصة موسي عليه السلام
"سورة القصص "
رسالة موسى بالذات قد تكون أضخم تكليف تلقاه بشر
-
عدا رسالة محمد عليه الصلاة والسلام
.فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر،
أعتى ملوك الأرض في زمانه،
وأقدمهم عرشا، وأثبتهم ملكا،
وأعرقهم حضارة،
وأشدهم تعبدا للخلق واستعلاء في الأرض.
وهو مرسل لاستنقاذ قوم
قد شربوا من كؤوس الذل حتى استمرأوا مذاقه،
فمردوا عليه
واستكانوا دهرا طويلا.
والذل يفسد الفطرة البشرية حتى تأسن وتتعفن؛
ويذهب بما فيها من الخير والجمال
والتطلع ومن الاشمئزاز من العفن والنتن والرجس والدنس
والتطلع ومن الاشمئزاز من العفن والنتن والرجس والدنس
فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.
وهو مرسل إلى قوم لهم عقيدة قديمة؛
انحرفوا عنها،
وفسدت صورتها في قلوبهم.
فلا هي قلوب خامة تتقبل العقيدة الجديدة ببراءة وسلامة؛
ولا هي باقية على عقيدتها القديمة
ومعالجة مثل هذه القلوب شاقة عسيرة
والالتواءات فيها والرواسب
والانحرافات تزيد المهمة مشقة وعسرا.
وهو في اختصار مرسل لإعادة بناء أمة،
بل لإنشائها من الأساس
فلأول مرة يصبح بنو إسرائيل
شعبا مستقلا، له حياة خاصة، تحكمها رسالة
وإنشاء الأمم عمل ضخم شاق عسير.
ولعله لهذا المعنى كان عناية القرآن الكريم بهذه القصة،
فهي نموذج كامل لبناء أمة على أساس دعوة،
وما يعترض هذا العمل من عقبات خارجية وداخلية
وما يعترض هذا العمل من عقبات خارجية وداخلية
.
وما يعتوره من انحرافات وانطباعات
وتجارب وعراقيل.
الذل والقسوة والتسخير؛
حتى فقدوا القدرة على التدبير والتفكير.
....
لقد نقلت يد القدرة خطى موسى - عليه السلام
-
خطوة خطوة.
مند أن كان رضيعا في المهد
مند أن كان رضيعا في المهد
حتى هذه الحلقة.
ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون
وألقت عليه المحبة في قلب امرأته لينشأ في كنف عدوه
ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها ليقتل منهم نفسا
وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون ليحذره وينصحه بالخروج منها.
وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر إلى مدين
وهو وحيد مطارد على غير زاد ولا استعداد.
وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر إلى مدين
وهو وحيد مطارد على غير زاد ولا استعداد.
وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر
ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف . .
هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه،
ومن التلقي والتجريب، قبل النداء وقبل التكليف . .
تجربة الرعاية والحب والتدليل
وتجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس،
وتجربة الندم والتحرج والاستغفار
وتجربة الخوف والمطاردة والفزع
وتجربة الغربة والوحدة والجوع
وتجربة الخدمة ورعي الغنم بعد حياة القصور.
وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من شتى التجارب الصغيرة،
والمشاعر المتباينة، والخوالج والخواطر، والإدراك والمعرفة
.
. إلى جانب ما آتاه الله حين بلغ أشده من العلم والحكمة.
إن الرسالة تكليف ضخم شاق متعدد الجوانب والتبعات؛
يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة
والتذوق
في واقع الحياة العملي، إلى جانب هبة الله ،
ووحيه وتوجيهه للقلب والضمير.
وهكذا ندرك كيف صنع موسى على عين الله،
وكيف أعدته القدرة لتلقي التكليف.
إنها
التدريب والمرانة والخبرة حتى بشعاب الطريق
الطريق الذي سيقود فيه موسى خطى قومه بأمر ربه
كي يستكمل صفات الرائد وخبرته،
حتى لا يعتمد على غيره
حتى لا يعتمد على غيره
ولو في ريادة الطريق
فقومه كانوا في حاجة إلى رائد يقودهم في الصغيرة والكبيرة،
بعد أن أفسدهم الذل والقسوة والتسخير؛
حتى فقدوا القدرة على التدبير والتفكير.
فلنتبع خطى موسى تنقلها يد القدرة الكبرى،
في
طريقه إلى هذا التكليف.
" فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا،
قال لأهله: امكثوا، إني آنست نارا،
لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون.
فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة:
أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين؛
وأن ألق عصاك،
فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب،
يا موسى أقبل ولا تخف، إنك من الآمنين
.
اسلك
يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء،
واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من
ربك إلى فرعون وملئه، إنهم كانوا قوما فاسقين
.
قال: رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون.
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا،
فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون
قال: سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما
.
بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون "
.
.
لقد استجاب ربه رجاءه؛ وشد عضده بأخيه.
وزاده على ما رجاه البشارة والتطمين: "
ونجعل
لكما سلطانا " . .
فهما لن يذهبا مجردين إلى فرعون الجبار
إنما يذهبان إليه مزودين بسلطان لا يقف
له في الأرض سلطان؛
ولا تنالهما معه كف طاغية ولا جبار: "
فلا يصلون إليكما " . . وحولكما
من سلطان الله سياج، ولكما منه حصن وملاذ.
ولا تقف البشارة عند هذا الحد.
ولكنها الغلبة للحق.
الغلبة لآيات الله التي يجبهان بها الطغاة.
فإذا هي وحدها السلاح والقوة، وأداة النصر والغلبة:
"
بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " .
فالقدرة تتجلى سافرة على مسرح الحوادث؛
وتؤدي دورها مكشوفا بلا ستار من قوى الأرض،
لتكون الغلبة بغير الأسباب التي تعارف عليها الناس،
في دنيا الناس،
وليقوم في النفوس ميزان جديد
للقوى والقيم
إيمان وثقة بالله،
وما
بعد ذلك فعلى الله.
" فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات
قالوا: ما هذا إلا سحر مفترى،
وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين
.
وقال موسى: ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده،
ومن تكون له عاقبة الدار،
إنه لا يفلح الظالمون.
وقال فرعون: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري
فأوقد لي يا هامان على الطين
فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى،
وإني لأظنه من الكاذبين
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق،
وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون.
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين.
وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار،
ويوم القيامة لا ينصرون؛
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة،
ويوم القيامة هم من المقبوحين " . .
إن السياق هنا يعجل بالضربة القاضية؛
ويختصر حلقة السحرة
التي
تذكر في سور أخرى بتفصيلأ و إجمال
. يختصرها ليصل من التكذيب مباشرة إلى الإهلاك.
ثم لا يقف عند الأخذ في الدنيا،
بل يتابع الرحلة إلى الآخرة
. . وهذا الإسراع في هذه الحلقة مقصود،
متناسق مع اتجاه القصة في السورة
:
وهو تدخل يد القدرة بلا ستار من البشر،
فما
إن يواجه موسى فرعون حتى يعجل الله بالعاقبة،
وتضرب
يد القدرة ضربتها الحاسمة،
بلا تفصيل في المواجهة أو تطويل.
" وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار "
.
.
فيا بئساها دعوة!
ويا بئساها إمامة!
"
ويوم القيامة لا ينصرون "
.
.
فهي الهزيمة في الدنيا،
وهي
الهزيمة في الآخرة، جزاء البغي والاستطالة.
وليست الهزيمة وحدها،
إنما هي اللعنة في هذه الأرض، والتقبيح في يوم القيامة:
"
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة،
ويوم القيامة هم من المقبوحين " .
ولفظة "
المقبوحين
" ترسم بذاتها صورة القبح والفضيحة والتشنيع،
وجو
التقزز والاشمئزاز.
ذلك في مقابل الاستعلاء والاستكبار في الأرض،
وفتنة الناس بالمظهر والجاه،
والتطاول على الله وعلى عباد الله.
تفسير سورة القصص ..في ظلال القرآن هنا
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home