لحظة إيمان سحرة فرعون للتدبر
"فألقي السحرة سجدا.
قالوا: آمنا برب هارون وموسى " . .
إنها اللمسة تصادف العصب الحساس فينتفض الجسم كله.
وتصادف " الزر " الصغير فينبعث
النور ويشرق الظلام
إنها لمسة الإيمان للقلب البشري تحوله في لحظة من الكفر إلى الإيمان.
ولكن أنى للطغاة أن يدركوا هذا السر اللطيف؟
أنى لهم أن يدركوا كيف تتقلب القلوب؟
وهم قد نسوا لطول ما طغوا وبغوا،
ورأوا الأتباع ينقادون لإشارة منهم،
نسوا أن الله هو مقلب القلوب؛
وأنها حين تتصل به وتستمد منه
وتشرق بنوره لا يكون لأحد عليها سلطان:
" قال: آمنتم له قبل أن آذن لكم؟
إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلأقطعن أيديكم
وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل،
ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " .
" آمنتم له قبل أن آذن لكم
" . . قولة الطاغية الذي لا يدرك أنهم هم أنفسهم لا يملكون -
وقد لمس الإيمان قلوبهم - أن يدفعوه عنها،
والقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.
" إنه لكبيركم الذي علمكم السحر
" . . فذلك سر الاستسلام في نظره، لا أنه الإيمان الذي
دب في قلوبهم من حيث لا يحتسبون
. ولا أنها يد الرحمن تكشف عن بصائرهم غشاوة الضلال.
ثم التهديد الغليظ بالعذاب الغليظ الذي يعتمد عليه الطغاة؛
ويسلطونه على الجسوم والأبدان
حين يعجزون عن قهر القلوب والأرواح:
"
فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف،
ولأصلبنكم في جذوع النخل " .
ثم الاستعلاء بالقوة الغاشمة.
قوة الوحوش في الغابة.
القوة التي تمزق الأحشاء والأوصال،
ولا تفرق بين إنسان يقرع بالحجة وحيوان يقرع بالناب:
"
ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " !
ولكنه كان قد فات الأوان
. كانت اللمسة الإيمانية قد وصلت الذرة الصغيرة بمصدرها الهائل.
فإذا هي قوية قويمة.
وإذا القوى الأرضية كلها ضئيلة ضئيلة.
وإذا الحياة الأرضية كلها زهيدة زهيدة.
وكانت قد تفتحت لهذه القلوب آفاق مشرقة وضيئة
لا تبالي أن تنظر بعدها إلى الأرض وما بها من عرض زائل.
ولا إلى حياة الأرض وما فيها من متاع تافه:
" قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا،
فاقض ما أنت قاض.
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.
إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا
وما أكرهتنا عليه من السحر،
والله خير وأبقى " .
إنها لمسة الإيمان في القلوب التي كانت منذ لحظة تعنو لفرعون
وتعد القربى منه مغنما يتسابق إليه المتسابقون
فإذا هي بعد لحظة تواجهه في قوة،
وترخص ملكه وزخرفه وجاهه وسلطانه:
" قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا
. . " فهي علينا أعز وأغلى وهو جل شأنه أكبر وأعلى.
" فاقض ما أنت قاض
" ودونك وما تملكه لنا في الأرض
. " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا "
فسلطانك مقيد بها،
وما لك من سلطان علينا في غيرها
. وما أقصر الحياة الدنيا،
وما أهون الحياة الدنيا.
وما تملكه لنا من عذاب أيسر
من أن يخشاه قلب يتصل بالله،
ويأمل في الحياة الخالدة أبدا. "
إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر
" مما كنت تكلفنا به فلا نملك__
لك عصيانا، فلعل بإيماننا بربنا يغفر لنا خطايانا
. " والله خير وأبقى "
خير قسمة وجوارا، وأبقى مغنما
وجزاء. إن كنت تهددنا بمن هو أشد وأبقى . . .
وألهم السحرة الذين آمنوا بربهم أن يقفوا من الطاغية موقف المعلم المستعلي:
" إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا
ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى.
جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
وذلك جزاء من تزكى "
إن للحق والإيمان حقيقة متى تجسمت في المشاعر أخذت طريقها
فاستعلنت ليراها الناس في صورتها الواقعية.
فأما إذا ظل الإيمان مظهرا لم يتجسم في القلب،
والحق شعارا
لا ينبع من الضمير،
فإن الطغيان والباطل قد يغلبان،
لأنهما يملكان قوة مادية حقيقية لا مقابل لها ولا
كفاء في مظهر الحق والإيمان . .
يجب أن تتحقق حقيقة الإيمان في النفس
وحقيقة الحق في القلب؛
فتصبحا أقوى من حقيقة القوى المادية
التي يستعلي بها الباطل ويصول بها الطغيان
. . وهذا هو الذي
كان في موقف موسى - عليه السلام
- من السحر والسحرة
وفي موقف السحرة من فرعون ومثله.
ومن ثم انتصر الحق في الأرض كما يعرضه هذا المشهد في سياق السورة:
" ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي،
فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا،
لا تخاف دركا ولا تخشى
. فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم،
وأضل فرعون قومه وما هدى "
لقد تولت يد القدرة إدارة المعركة بين الإيمان والطغيان
فلم يتكلف أصحاب الإيمان فيها شيئا
سوى إتباع الوحي والسري ليلا.
ذلك أن القوتين لم تكونا متكافئتين ولا متقاربتين في عالم الواقع . .
موسى وقومه ضعاف مجردون من القوة،
وفرعون وجنده يملكون القوة كلها
فلا سبيل إلى خوض معركة مادية أصلا
هنا تولت يد القدرة إدارة المعركة
. ولكن بعد أن اكتملت حقيقة الإيمان في نفوس
الذين لا يملكون قوة سواها.
بعد أن استعلن الإيمان في وجه الطغيان لا يخشاه ولا يرجوه؛
لا يرهب وعيده ولا يرغب في شيء مما في يده
. . يقول الطغيان:
" فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف
ولأصلبنكم في جذوع النخل "
فيقول الإيمان
: " فاقض ما أنت قاض.
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا "
. . عندما بلغت المعركة بين الإيمان والطغيان
في عالم القلب إلى هذا الحد
تولت يد القدرة راية الحق
لترفعها عالية،
وتنكس راية الباطل بلا جهد من أهل الإيمان.
وعبرة أخرى:
إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون
وهو يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم
لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة.
فهم لم يكونوا يؤدون هذه الضريبة إلا ذلا واستكانة وخوفا
فأما حين استعلن الإيمان،
في قلوب الذين آمنوا بموسى واستعدوا لاحتمال التعذيب
وهم مرفوعو الرؤوس
يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج ودون تحرج،
ودون اتقاء للتعذيب
. فأما عند ذلك فقد تدخلت يد القدرة لإدارة المعركة
. وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب . .
هذه هي العبرة التي يبرزها السياق بذلك الإجمال،
وبتتابع المشهدين بلا عائق من التفصيلات.
ليستيقنها أصحاب الدعوات،
ويعرفوا متى يرتقبون النصر من عند الله
وهم مجردون من عدة الأرض.
والطغاة يملكون المال والجند والسلاح-1
لا اعرف انسانا في الكون ,
وجد حظ سحرة فرعون ,
فقد أُدرَكُوا هذا الحظ في ذلك الزمان ,
لإيمان الناس بهم أعظم إيمان ,
وقد استطاعوا التخلي عن الروح لحظة ,
و ما أدرك انسان قط مثل ذلك الحظ ,
فقد وضعُوا قدما في طريق الدين ,
و أخرجوا الثانية من طريق الدنيا ’
فلم ير شخص قط
ما هو افضل من هذا الغدو و الرواح ,
و ما رأى احد غصنا أعظم ثمرة من هذا ....-2
1-في ظلال القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home