صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
دوار الشمــس
قصة بطعم اللون الأصفر .
يُحكي أنه في قديم الزمان،
وسالف العصر والأوان، وفي مكان غير بعيد، عاشت زهور دوار الشمس
في واد كبير اكتسى خضرة خلابة غارت منها ورقات الشجر،
ومن هذه الزهرات الصفراوات الحسناوات،
كانت هنالك زهرة تميزت بلون أصفر غير طبيعي،
فاقع لونها تسر الناظرين،
وتميزت كذلك بقلب نقي وعقل متفكر،
وذات صباح صحو أرسلت فيه الشمس أضوائها بابتسامة مشرقة،
رأت زهرتنا اليافعة براعم بنات جنسها التي لم تتفتح بعد،
ولم تبصر بعينيها البريئتين هذا العالم الكبير، أبصرت زهرتُنا اليافعة البراعمَ الرقيقات يتبعن ضوء الشمس أينما ارتحل، فإذا أشرقت الشمس اتجهت صوبها سيقانهن مع البتلات، وإذا غربت الشمس كانت البراعم قد رافقتها اليوم كله، وأخذت تودعها في نهاية المساء...
احتارت زهرتنا اليافعة في ما رأت، وأخذت تقلب البصر والفكر يمنة ويسرة، تبحث عن جواب لهذه الظاهرة الغريبة، فهي لم تدر السبب الذي يجعل البراعم تتجه نحو ضوء الشمس، وفي خضم حيرتها الكبيرة، أدبر المساء وأتى الليل، بنجومه الحلوة، وقمره المنير، وهدوئه الوقور، وراحت أخواتها الزهرات تأخذ مواضعها استعدادا للليل والسكون، لكن زهرتنا اليافعة لم يهدأ لها بال، ولم يغمض لها جفن، فكل ما كان يدور في ذهنها الصغير هي ذكرى ذلك الضوء الأصفر المنير، والبراعم الصغيرة التي تتبعه من الصبح إلى المساء، فعزمت زهرتنا على أن تدور في الحقول والمروج، بحثا عن من يفهم حيرتها، ويجيب تساؤلها...
فذهبت زهرتنا اليافعة إلى نجمة ساهرة راحت ترقب انعكاس صورتها على ينبوع ماء بَرود، وتنشد لنفسها أنشودة الزمان بينما تسرح شعرها المنسدل ببريقه الأخاذ، أتتها زهرتنا اليافعة وراحت تشكو لها حيرتها وتساؤلها، فقالت: يا نجمة المساء الساهرة، أتدرين سر براعم دوار الشمس؟ ولمَ تتبع ضوء الشمس من طلعة الصباح وحتى يدبر المساء؟ أخبريني بالجواب، فإنه قد تاه عني وغاب!
فضحكت النجمة ضحكة اهتزت لها الكواكب وانتشت، ونظرت إلى زهرتنا نظرة ناعمة وقالت: إن في الفطرة جمال، اكتست صفاء من ذي الجلال، ابحثي عنها بين التلال، فإنها تزهو حكمة وكمال.
وما كادت النجمة الساهرة تنهي مقولتها هذه، حتى استدارت وتابعت أنشودتها المنسية، وعادت تسرح شعرها البراق...
لكن زهرتنا اليافعة زادها الجواب حيرة، فماذا قصدت هذه النجمة المنيرة؟ تنهدت زهرتنا تنهيدة تراقصت على أنغامها الرياح، وسارت على غير هدى حتى وصلت إلى بقعة من الوادي اكتست نورا أبيضا انشرحت له النفوس، صعدت زهرتنا ببصرها إلى السماء فوجدت مصدر النور، فإذا به قمرا ناصعا طبع المحبون على جبينه اللجيني ألف قبلة وقبلة، ففرحت به زهرتنا اليافعة وراحت تسأله: يا قمر السماء المنير، أتدري سر براعم دوار الشمس؟ ولم تتبع ضوء الشمس من طلعة الصباح وحتى يدبر المساء؟ أخبرني بالجواب، فإنه قد تاه عني وغاب! فنظر إليها القمر نظرة حنونة زادت جماله جمالا، وقال لها بصوت هادئ كهدوء المصلين في السحر: إن في الفطرة جمال، اكتست صفاء من ذي الجلال، ابحثي عنها بين التلال، فإنها تزهو حكمة وكمال.
ثم أدبر القمر بنظره وراح يواصل عمله شاهدا على بني البشر، ماذا يفعلون في السحر؟
إلا أن زهرتنا اليافعة طفح منها الكيل، ولم تدر كيف السبيل إلى إطفاء نار حيرتها المتوقدة، أفعلمت النجمة الساهرة، وعلم القمر المنير، شيئا لم تعلمه هي؟! فأين تذهب وقد أخذ الفجر يوشك على الانبلاج؟ وفي خضم هذه التساؤلات، سارت زهرتنا اليافعة حتى أوصلتها قدماها إلى حيث تنام باقي زهرات دوار الشمس، تتخللهن براعم حسناوات امتلكن جوابا لم تستطع زهرتنا الكشف عنه، ولا معرفة كنهه وسره، وفي هذه اللحظة أذن رب الشمس للشمس بالطلوع، فأشرقت بضيائها من المشرق، معلنة فرصة أخرى للأوبة، وعهدا جديدا للتوبة، صعدت زهرتنا اليافعة بنظراتها إلى أعلى فوجدت جمالا مبهرا، تألق في ثنايا الكون إبداعا وسموا وحبورا، فأدركت أنها لن تجد الجواب إلا عند ذلك الجمال الذي عجزت الكلمات عن وصفه، ولم يقدره حق قدره إلا ربه، فذهبت زهرتنا اليافعة وقد اكتسى محياها أملا بأن تجد ضالتها عند شمس الكون المضيئة...
أيتها الشمس المضيئة، أتدرين سر براعم دوار الشمس؟ ولم تتبع ضوئك من طلعة الصباح وحتى يدبر المساء؟ أخبريني بالجواب، فإنه قد تاه عني وغاب! فنظرت إليها الشمس نظرة دافئة وقالت: إن في الفطرة جمال، فربنا قد خلق كل مخلوقاته على فطرة توحيده، فبين لهم السبيل، وعرفهم بأنه ربهم الذي خلقهم، ورزقهم، ثم يميتهم، ثم يحييهم، وهذه هي الفطرة، وقد اكتست صفاء من ذي الجلال، فهي صافية واضحة قد بينها ربنا سبحانه وتعالى، فمن تمسك بها أفلح، ومن زاغ عنها ضل وهلك، فابحثي عنها بين التلال، فهنالك أمامك مثالا بسيطا جميلا، فبراعم دوار الشمس اتجهت بكل كيانها نحو ضوء علمت أنه من صنع ربها لها، وهكذا تتجه كل مخلوقات الله لضوء الحق الذي يسطع بكل قوة ووضوح، دالا على فطرة الله، فهي تزهو حكمة وكمال، وبها تسعد النفوس، وبها تطمئن القلوب، فهي حكمة لا تتخللها جهالة، وهي كمال لا يتخلله نقصان، فهذا سرك يا زهرتي اليافعة،
وهذا سرك أيتها الفتاة المؤمنة، فكوني شامخة رافعة رأسك عاليا نحو ضوء الحق، مثل زهرة دوار الشمس التي تتجه نحو ضوء الشمس، لعلمها أنه مصدر غذائها الجسدي، فاعلمي أنت أن الحق مصدر غذائك الروحي، فكوني شامخة بالحق كشموخ هذه الزهور الصفراء الرقيقة ..
تاليف ..ياسمين
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home