قصة الابن البار
يقول الحق سبحانه:
«إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها» والذلول هو المروض الذى يتوافق مع مهمته.
هكذا علم قوم موسى وصفاً جديداً للبقرة المراد ذبحها :
إنها بقرة غير منهكة بالعمل
فيجب ألا تكون من البقر المذلل للركوب أو لحرث الأرض
أو الدوران في السواقى إنها بقرة (مسلمة لا شية فيها)
أى أنها تكون سليمة لا شرخ في أذنها ولا إصابة في جسدها
ذلك هو المقصود بكلمة (مسلمة) أى لا عيب فيها
والمقصود بكلمة (لا شية فيها )
أى إن لونها خال من اختلاط لون آخر به.
أى أنها خالية من البقع سواء أكانت سوداء أم بيضاء وكلمة (لا شية) تأتى أيضاً من الوشى المنمنم أى الزينة المليئة بالزخارف و(لا شية) تعنى أيضاً أنه لا تغيير يطرأ على الأصل.
ولقد شدد قوم موسى على أنفسهم فشدد الحق سبحانه عليهم.
لقد كان الأمر الصادر إليهم من الحق هو (تذبحوا بقرة)
لكنهم تكالؤا وكان التلكؤ يتضمن أسئلة للتسويف
فانقلب تسويفهم عليهم
لقد أصبح التسويف تشديداً في تعيين البقرة
ورغم أن تكلؤوا
كان فارغ المعنى سألوا سؤالاً في الأمر الذى صدر إليهم
وظنوا أن النبى المرسل إليهم
وهو موسى عليه السلام يسخر منهم
بأمر ذبح البقرة وذلك لقلة الإيمان في قلوبهم
رغم آيات الحق سبحانه التي
« سبق أن تجلت لهم واضحة
في فلق البحر
وإنقاذهم من ظلم فرعون
ورزقهم بالمن والسلوى
وتفجر الماء لهم بعدد الأسباط
ومغفرة الله سبحانه وتعالى لهم
بعد عبادتهم العجل المصنوع من الحلى المأخوذة من آل فرعون
كل ذلك
شاهدوه
وعاشوه
ومع ذلك يظنون أن أمر الذبح للبقرة
سخرية بهم
من النبى المرسل لهم
وذلك الظن بالسخرية
فسره بعض العلماء بأن سببه
أنهم رأوا من قبل قوماً يعبدون العجل
وأن بعضهم قد عبد العجل بالفعل
ولذلك يوضح موسى عليه السلام
أن الأمر صادر من الحق سبحانه
وأن السخرية أو الاستهزاء
هو نوع من الجهل لذلك يستعيذ بالله
أن يكون من الجاهلين
ثم شددوا على أنفسهم بسؤالهم عن البقرة.
فيأتى الإيضاح من الحق سبحانه
عن عمر البقرة والأمر باتباع ما أمر به
الحق سبحانه ثم شددوا على أنفسهم
بسؤال آخر عن لون البقرة
فيأتى أمر الحق سبحانه بوصف لونها
ويتمادون في التلكؤ والتشديد على أنفسهم في آن واحد
فيتساءلون عن تحديد أكثر لصفات البقرة
ويربطون بين ذلك التحديد
وبين هدايتهم لأمر الحق سبحانه
وتأتى إجابة الحق جل وعلا
بوصف واضح للون البقرة وعمرها
وكل مايخصها
ويقر قوم موسى أخيراً بأمر الله
ويخضعون على مضض وعلى غير كرم
وعلى غير إقبال :
فقالوا :«ألئن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون»
هذا القول منهم يؤكد أنهم لم يفعلوا أمر الحق
إلا على مضض إن اعترافهم بعد كل هذا التلكؤ
الذى انقلب إلى تشديد عليهم هذا الاعتراف المتأخر
إنما هو دليل على عدم الإذعان الفورى لأمر الله تعالى.
وقول الحق سبحانه : (وما كادوا يفعلون)
لقد ذبحوا البقرة فعلاً
لكن ذبحوها على كره منهم
إن كلمة (وماكادوا)
توضح النفى
وتوضيح عدم السرعة في إنجاز الأمر
فعندما يقول واحد : لم يكن فلان كريماً
فمعنى ذلك أنه ينفى عن فلان هذا
صفة الكرم
وقول الحق سبحانه :(وماكادوا يفعلون)
معناها أنهم حريصون
على عدم ذبح البقرة
وأنهم قوم يتلكؤون في تنفيذ أوامر الحق جل وعلا.
غلبتهم المادية
فلم يحرصوا على تنفيذ
منهج الحق سبحانه وتعالى
وعدم الحرص على تنفيذ المنهج
هو الدافع وراء التسويف والمماطلة.
إن الحق سبحانه يأمرهم بالمسارعة في تنفيذ الأمر منه
لكن هناك بعض ممن تغريهم المادة
يرغبون في الهرب من طاعة صاحب الأمر المطلق
رب كل شيء ومليكه
إن الحق سبحانه يختبرهم في الطاعة لأوامره
وهم لا يقبلون الإقبال على طاعة الله سبحانه
وهى متمثلة في اتباع أمره واجتناب نهيه.
إن السرعة في تنفيذ أمر الله تعالى
هى دليل على إقبال صادق من البعد على أوامر سيده
ومولاه جل وعلا.
ونحن نرى مثل تلك الأمور في حياتنا العادية
نجد المطيع لأى أمر ربانى يسرع إلى تنفيذه
فالذى يحب تطهير ماله من أى شائبة يسرع إلى الصدقة
وإلى الزكاة وإلى استكشاف أحوال المحتاجين دون أن يطلبوا سد حاجتهم إنه شغوف بطاعة الله
فيما استخلفه فيه
ونجد العبد الطائع لله تعالى يقوم مبكراً في الفجر
ويؤدى الفريضة محباً لطاعة الله سبحانه وتعالى.
لقد كان يكفى أن يسمع قوم موسى الأمر بذبح البقرة
لكى ينفذوا الأمر لكنهم لم يقبلوا على الأمر.
وكانت تلك المسألة -
العنت والتلكؤ والتسويف
في تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى
لخدمة قضية إيمانية أخرى
فقد كان هناك رجل صالح من بنى إسرائيل
يتحرى الدقة في كسبه فلا يرضى إلا بالحلال من الكسب
ولا يفعل إلا الحلال من السلوك
كان رجلا يبتغى وجه الله في كل ما يفعل
وعندما حضرته الوفاة كانت ثروته هى بقرة صغيرة
وله ابن وزوجة
فما كان من الرجل إلا أن دعا الله
قائلاً : اللهم أستودعك هذه.
وكان دعاء الرجل يبغي به أن تكون البقرة الصغيرة
وديعة عند الحق سبحانه
وأن يكون عائدها لرعاية الزوجة والابن
إن الرجل المؤمن لم يأتمن أحداً من قومه
لذلك استودع ربه ما يملك فلم يجد أميناً إلا الله سبحانه.
وأطلق الرجل بقرته ترعى في المراعى
وقبل أن يموت قال لزوجته
إنى لم أجد غير ربى استودعه بقرتى.
وعندما سألته زوجته : أين البقرة ؟
قال لها : لقد أطلقتها في المراعى.
مات الرجل وكبر أبنه
فقالت له الأم :
لقد ترك لك أبوك بقرة واستودعها عند خالق الكون
سبحانه الذى لا تضيع ودائعه
فقال الابن لأمه : وأين أجد البقرة لأستردها؟
قالت الأم : ألا تقول كأبيك
لقد قال والدك : لقد استودعت البقرة عند الله
فلتقل أنت : إنى أتوكل على الله تعالى
وابحث عنها وسمع الابن كلام أمه
وذهب إلى المراعى وسجد لله داعياً
: اللهم رب إبراهيم ويعقوب رد عليّ ما استودعك أبى.
وإذا بالبقرة تأتى إليه طائعة
وكانت هذه البقرة تثير العجب من أمرها
كانت قادرة على أن ترد يد كل إنسان يقترب منها.
وهكذا أراد الله سبحانه أن يوضح -
من خلال قصة البقرة -
يقيناً إيمانياً جديداً
لقد استودع الرجل المؤمن ثروته الله سبحانه قبل أن يموت
وتوكل الابن على الله سبحانه وتعالى
واسترد البقرة
ورأى نفر من بنى إسرائيل
الابن وهو يقود البقرة
بعد أن عرفوا الصفات التى أرادها الله
في البقرة المراد ذبحها
وأراد هؤلاء القوم شراء البقرة من الابن
فقدموا له الدراهم
فرفض فقدموا له الدنانير
فرفض فسألوه عن الثمن الذى يطلبه
فأجاب الابن : لن أبيعها قبل أن أستشير أمى
وكان ذلك الابن باراً بأمه
كان يقضى نهاره في الاحتطاب -
أى جمع الحطب -
وكان يقسم ثمن ما يجمعه من الحطب
إلى ثلاثة أقسام : قسم يأكل منه
وقسم يعطيه لأمه لترعى أمورها
وقسم ثالث يتصدق به.
كما كان هذا الفتى يقسم ليله إلى ثلاثة أقسام :
ثلث يكون فيه خاضعاً لأوامر أمه وراعياً لها
ومنفذاً لرغباتها وثلث يكون فيه عابداً لله
متبتلاً إلى خالقه عز وجل
والثلث الأخير من الليل ينامه.
وذهب الابن البار إلى أمه يستشيرها في أمر بيع البقرة
وقال لها : عرضوا عليّ ثمناً لها ثلاثة دنانير
فقالت الأم : وهذا المبلغ لا يساويها إنها تساوى أكثر.
ثم عاد النفر من بنى إسرائيل يعرضون على الابن البار ستة دنانير ثمناً لها وعاد الابن البار يستشير أمه
قالت الأم: مازال ذلك الثمن أقل من قيمة البقرة
وعاد قوم من بنى إسرائيل
يطلبون شراء البقرة باثنى عشر ديناراً
لكن الابن رفض أن يبيع دون استشارة أمه
وقال لهم: والله لا أبيعها حتى لو كان وزنها ذهباً
إلا بعد مشورة أمى
وأخيراً رضيت الأم
أن يأخذوا البقرة بملء جلدها ذهباً
وهكذا بارك الله فيما استودعه العبد المؤمن
وبارك الله في الابن
فكان باراً بأمه وبارك الله في الزوجة
فطلبت من الابن أن يتوكل على الله تعالى
وهو يبحث عن البقرة
وبارك الله في البقرة ذاتها فجعلها قادرة أن ترد أى يد صاحبها
وأخيراً بارك الله سبحانه للابن في عمله
الذى يرعى فيه حق الله سبحانه
وحق أمه وحق نفسه و
بارك الله له في ليله الذى قسمه بين رعاية الأم
وعبادة الحق ورعاية جسده
لقد بارك الله في كل ماترك الرجل الصالح من بنى إسرائيل.
منقول ..للفائدة
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home