وأنزلنا إليكم نورا مبينا
" وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ..
نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة؛
ويبدو مفرق الطريق بين الحق والباطل
محددا مرسوما .. في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء ..
حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير
جوانبها أولا؛
فترى كل شيء فيها ومن حولها واضحا ..
حيث يتلاشى الغبش وينكشف؛
وحيث تبدوالحقيقة بسيطة كالبديهية،
وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق
وهو بهذا الوضوح وهذه البساطة؟ !
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة؛
ويتلقى منه تصوراته وقيمه وموازينه، يحس
يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور.
ويشعر أن مقررات كثيرة كانت قلقة في حسه قد راحت تأخذ
أماكنها في هدوء؛
وتلتزم حقائقها في يسر؛
وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفلة لتبدو في براءتها الفطرية،
ونصاعتها كما خرجت من يد الله ..
ومهما قلت في هذا التعبير: " وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ..
فإنني لن أصور بألفاظي حقيقته،
لمن لم يذق طعمه ولم يجده في نفسه!
ولا بد من المكابدة في مثل هذه المعاني!
ولا بد من التذوق الذاتي!
ولا بد من التجربة المباشرة!
" فأما الذين آمنوا بالله
واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل،
ويهديهم إليه صراطا مستقيما " ..
والاعتصام بالله ثمرة ملازمة للإيمان به ..
متى صح الإيمان، ومتى عرفت النفس حقيقة الله وعرفت
حقيقة عبودية الكل له.
فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده.
وهو صاحب السلطان والقدرة وحده ..
وهؤلاء يدخلهم الله في رحمة منه وفضل.
رحمة في هذه الحياة الدنيا - قبل الحياة الأخرى -
وفضل في هذه العاجلة -
قبل الفضل في الآجلة -
فالإيمان هو الواحة الندية التي تجد فيها الروح الظلال
من هاجرة الضلال في تيه الحيرة والقلق والشرود.
كما أنه هو القاعدة التي تقوم عليها حياة المجتمع ونظامه؛
في كرامة وحرية ونظافة واستقامة -
كما أسلفنا - حيث يعرف كل إنسان مكانه على حقيقته.
عبد لله وسيد مع كل من عداه ..
وليس هذا في أي نظام آخر غير نظام الإيمان -
كما جاء به الإسلام -
هذا النظام الذي يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
حين يوحد الألوهية؛
ويسوي بين الخلائق جميعا في العبودية.
وحيث يجعل السلطان لله وحده والحاكمية لله وحده؛ فلا يخضع
بشر لتشريع بشر مثله، فيكون عبدا له مهما تحرر!
فالذين آمنوا في رحمة من الله وفضل، في حياتهم الحاضرة،
وفي حياتهم الآجلة سواء ..
" ويهديهم إليه صراطا مستقيما " ..
وكلمة " إليه " ..
تخلع على التعبير حركة مصورة.
إذ ترسم المؤمنين ويد الله تنقل خطاهم في
الطريق إلى الله على استقامة؛
وتقربهم إليه خطوة خطوة ..
وهي عبارة يجد مدلولها في نفسه من يؤمن
بالله على بصيرة، فيعتصم به على ثقة ..
حيث يحس في كل لحظة أنه يهتدي؛
وتتنضح أمامه الطريق؛
ويقترب فعلا من الله
كأنما هو يخطو إليه في طريق مستقيم.
إنه مدلول يذاق ..
ولا يعرف حتى يذاق!
فى ظلال القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home