سورة الكهف تأملات ونظرات
\"رحمة من عندنا\"
بسم الله الرحمن الرحيم
1- حينما ينجى الله قوما من ملك ظالم يقول الناس أن (الله قد رحمهم).
وحينما ينجى الله إنسانا من مصيبة تشتت عليه شمله يقولون أيضا : (الله قد رحمه) ..
وكذلك إذا نجى من مرض لعين أو داء وبيل.فالنجاة من الظلمة والأرزاء والمصائب
صورة جميلة لطيفة من صور رحمة الله التى وسعت كل شىْ
ْ
يقول تعالى : (ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التى كانت تعمل الخبائث ,
ْ
يقول تعالى : (ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التى كانت تعمل الخبائث ,
إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلنه فى رحمتنا)
وأيوب ينادى ربه بالرحمة لكى ينجيه من الضر .. فيقول : (وأيوب إذ نادى ربه أنى قد مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا ) (الأنبياء/84)
ويقول الله عن إسماعيل وإدريس بعدها بآية : ( وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين) (الأنبياء/86)
ويقول الله فى سورة يس أنه يمنع غضبه عن أولئك العاصين المكذبين الذين يرون آياته فى الكون ولايؤمنون إلى وقت معلوم..(إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ) (يس/44)
كما يقول فى سورة المؤمنون أن الناس تسىْ استعمال رحمة الله حين كشف الضر للعودة إلى الطغيان مرة أخرى:
(ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجو فى طغيانهم يعمهون ) (المؤمنون/75)
ونفس المعنى تجده فى سورة يونس :
(وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر فى آياتنا)(يونس/21)
وكذلك فى سورة الروم :
(وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم فيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)(الروم/33)
فالشاهد من هذه الاستدلالات أن رحمة الله هى النجاة والإنقاذ من الضر : والضر هذا .. قد يكون : مرضا مهلكا أو مصابا فادحا أو صديقا جاهلا , أو حاكما ظالما .. الخ .2- كان لابد من هذه المقدمة فى فهم صورة من صور رحمة الله لننظر فى عجائب سورة الكهف . فسورة الكهف تحوى أربع قصص رئيسية تدور حولها السورة . ومن عجب أن رحمة الله هى المقصودة فى القصص الأربع ولقد دل على معنى الرحمة بالنجاة من الضر والظالمين والجاهلين اسم السورة..فاسم السورة هو (الكهف)
والكهف تجويف آمن مظلم فى الوديان والجبال , إليه يفر المضطر وأصحاب الكهف الذين ذكرهم القرآن قد فروا بدينهم إلى هذا الكهف البعيد المكين المظلم الآمن وهم يطلبون الرحمة : بمعنى النجاة من الظلمة فى ظلمة الكهف :
(إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىْ لنا من أمرنا رشدا ) (الكهف/10)
والكهف بالفعل كان رحمة من الله .. فهو مظلم مثل الرحم .. آمن مثل الرحم .. يحنو على الفتية المؤمنة مثل الرحم الذى يحنو على الجنين فى بطن أمه .. وقد مكثوا فيه حسب تقدير الله ثلاثمائة سنتين وازدادوا تسعا .. كما يمكث الطفل فى جنين أمه ستا أو تسعا .. وهو قرار مكين استقر فيه هؤلاء المؤمنون الموحدون الفارون بدينهم من بطش الظالم .. كما يستقر الإنسان وهو نطفة فى رحم أمه (فى قرار مكين .إلى قدر معلوم. فقدرنا فنعم القادرون)(المرسلات/21-23)
لذلك فهم هؤلاء الفتية مراد الله فى لجوئهم إلى الكهف فقالوا:
(وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهىْ لكم من أمركم مرفقا)(الكهف/16)
فإذا كانت الرحمة مشتقة من الرحم .. ذلك القرار المظلم الآمن فإن الكهف كان بمثابة الرحم للجنين .. وكانت فيه الرحمة لهؤلاء الموّحدين الذين بعثهم الله من بعد رقادهم كما يرقد الجنين كأنهم يولدون من جديد:(ثم بعثتاهم لنعلم أى الحزبين .....)(الكهف/12)
(وكذلك بعثتاهم ليتساءلوا بينهم)(الكهف/19)
3- وهكذا نرى دأب السورة يتجلى فى آياتها وقصصها فى تصوير حركة فرار .. بمعنى فرار أتقياء صلحاء ضعفاء من ظلمة ومتجبرين ثم يسعفهم الله برحمته فينقذهم من هؤلاء الظالمين الذين ينتظرهم جزاء وبيل يوم القيامة:(إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها , وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه , بئس الشراب وساءت مرتفقا) (الكهف/29)
ومن قبل هذه الآية يوحى الله رسوله وحبيبه- صلى الله عليه وسلم بأن يكون نصيرا وحليفا للصلحاء الضعفاء وألا يركن للظالمين افتنانا بزينة الحياة الدنيا :
(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه , ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) (الكهف/28)
4- ثم يسوق الله القصة الثانية فى سورة الكهف .. وهى نموذج رائع لحوار مؤثر بين رجلين .. أو قل بين نفسين .. نفس ظالمة متجبرة تقول : أنا .. وأنا.. وأنا.. وتنكر الفضل والخير لله .. كما تنكر البعث نتيجة هذا الافتتان بالمال
(ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا)(الكهف/35)
والنفس الثانية .. صالحة .. تقية .. ضعيفة.. لاتملك هذا المال وهذا النفر الذى وهبه الله النفس الأولى .. إلا أنها قوية بالله حيث تكلمت فى إباء وفى شمم:
(لكنا هو الله ربى ولاأشرك بربى أحدا) (الكهف/38)
وتدخلت رحمة الله لنصرة هذا الضعيف .. المسكين الذى تعالى عليه صاحبه وعيرّه بقلة ماله وولده فتحولت الجنة وما فيها من الأعناب والنخل والزرع إلى صعيد زلق بعد أن أرسل الله عليها حسبانا من السماء وندم الرجل الظالم حين لاينفع الندم:
(وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول ياليتنى لم أشرك بربى أحدا , ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) (الكهف42/43)
5- وقبل أن يسوق الله القصة الثالثة ليبرز عنصر الرحمة فى سورة الكهف .. ويعرض ظلم الظالمين واستقواءهم على الصلحاء الضعفاء تتهادى الآيات جميلات مبشرات ومنذرات موضحات عاقبة الظالمين والمجرمين الذين إن رأيتهم يوم القيامة تراهم مشفقين مما فيه
(ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا , ولا يظلم ربك أحدا) (الكهف/49)
حيث يؤكد الله أن الظلم بدأ منذ الأزل وذلك فى قصة إبليس مع ربه الذى قال كذلك .. أنا ..وأنا..وأنا.. لذلك يحذرنا الله منه ومن ذريته مؤكدا أن هؤلاء .. هم العدو ..وهم الظالمين:
(أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو , بئس للظالمين بدلا)(الكهف/50)
إن البشر بإعراضهم ونسيانهم أوامر الله .. ظلمة ومتجبرون .. ومع ذلك الله غفور رحيم يمهلهم ولايهملهم .. حتى إذا أتى الهلاك فلا يكون عن ظلم من الله ,ولكن بسبب ظلمهم أنفسهم :
(وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا)(الكهف/59)
6- وبعدها فطالع الأسرار الخفية لاستدراك عنصر الرحمة من الله حين يشتد الظلم ويعدم الصلحاء الضعفاء أسباب دفع هذا الظلم.. هذه الأسرار فى قصة موسى والخضر عليهما السلام..
فالظالمون فئات ثلاثة فى القصة..
الملك الذى يأخذ كل سفينة غصبا
والغلام الذى كان سيرهق والديه طغيانا وكفرا
وأهل القرية الجشعين الذين أبوا أن يضيفوا موسى والخضر عليهما السلام
ومن العجيب أن ظلم الثلاثة متنوع ليدل أن الظلم على كل شكل ولون.. فالملك حاكم ظالم .. والغلام نشىْ ظالم .. والقرية .. مجتمع ظالم .. فماذا تنتظر فى هذا الظلم الذى تعدد وشمل النشىْ والمجتمع والحاكم .. فكان لابد من رحمة الله لتنقذ الضعفاء الصلحاء على يد عبد
(من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا) (الكهف/65)
حيث كان يرجع الفضل والتأويل والسر والغرض فى كل ما فعل لله حيث يقول :
(وما فعلته عن أمرى) ( الكهف/82)
موضحا أن الغرض والهدف والسر فى كل حادثة .. هى رحمة الله التى تنجى الضعفاء الصلحاء .. فلقد عاب السفينة لينقذ الله على يديه المساكين الذين يعملون فى البحر من الملك المتجبر الذى يأخذ كل سفينة غصبا .. وقتل الغلام ليبدل الله أبويه غلاما آخر
(خيرا منه زكاة وأقرب رحما) (الكهف/81)
وأقام الجدار فى هذه القرية الظالم أهلها حتى يخفى الكنز الذى أسفله حتى يكبر الغلامان اليتيمان
(ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) (الكهف/82)
7- وفى القصة الرابعة يظهر لنا ذو القرنين .. قويا فتيا صالحا .. أرسله الله لينقذ صلحاء ضعفاء آخرين فمتعه الله وقوته قهر الأقوام ومكن له فى الأرض ليستطيع بحول الله وقوته قهر الأقوام العجيبة التى جاءت فى سورة الكهف ولعل أعتاهم وأشدهم إفسادا .. قوم (يأجوج ومأجوج) .. فأخذ بأسباب القوة التى منحها الله إياه ولم يترك الضعفاء هكذا سلبيين بل علمهم الإيجابية وجعلهم يشتركون معه فى بناء السد المنيع ليجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج ردما من حديد لايستطيعون أن يظهروه ولا يستطيعون له نقبا حتى قيام الساعة
ثم يعترف ويرجع الفضل لله فى هذه القوة وهذه النجاه بقوله:
(هذا رحمة من ربى) (الكهف/98)
8- أيها القارىْ الكريم .. سورة الكهف كما يوحى اسمها .. أسرار وأسرار .. فكما أن الكهف تجويف كله أسرار .. فالسورة تتمتع بهذه الأسرار .. ولا عجب أن رأينا عنصر الرحمة يتكرر فى قصاص قصص السورة كما هو حال الكهف الذى كان بمثابة الرحم الذى آوى الفتية المؤمنة كما يأوى الرحم الجنين الضعيف فى بطن أمه..
وأيوب ينادى ربه بالرحمة لكى ينجيه من الضر .. فيقول : (وأيوب إذ نادى ربه أنى قد مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا ) (الأنبياء/84)
ويقول الله عن إسماعيل وإدريس بعدها بآية : ( وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين) (الأنبياء/86)
ويقول الله فى سورة يس أنه يمنع غضبه عن أولئك العاصين المكذبين الذين يرون آياته فى الكون ولايؤمنون إلى وقت معلوم..(إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ) (يس/44)
كما يقول فى سورة المؤمنون أن الناس تسىْ استعمال رحمة الله حين كشف الضر للعودة إلى الطغيان مرة أخرى:
(ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجو فى طغيانهم يعمهون ) (المؤمنون/75)
ونفس المعنى تجده فى سورة يونس :
(وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر فى آياتنا)(يونس/21)
وكذلك فى سورة الروم :
(وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم فيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)(الروم/33)
فالشاهد من هذه الاستدلالات أن رحمة الله هى النجاة والإنقاذ من الضر : والضر هذا .. قد يكون : مرضا مهلكا أو مصابا فادحا أو صديقا جاهلا , أو حاكما ظالما .. الخ .2- كان لابد من هذه المقدمة فى فهم صورة من صور رحمة الله لننظر فى عجائب سورة الكهف . فسورة الكهف تحوى أربع قصص رئيسية تدور حولها السورة . ومن عجب أن رحمة الله هى المقصودة فى القصص الأربع ولقد دل على معنى الرحمة بالنجاة من الضر والظالمين والجاهلين اسم السورة..فاسم السورة هو (الكهف)
والكهف تجويف آمن مظلم فى الوديان والجبال , إليه يفر المضطر وأصحاب الكهف الذين ذكرهم القرآن قد فروا بدينهم إلى هذا الكهف البعيد المكين المظلم الآمن وهم يطلبون الرحمة : بمعنى النجاة من الظلمة فى ظلمة الكهف :
(إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىْ لنا من أمرنا رشدا ) (الكهف/10)
والكهف بالفعل كان رحمة من الله .. فهو مظلم مثل الرحم .. آمن مثل الرحم .. يحنو على الفتية المؤمنة مثل الرحم الذى يحنو على الجنين فى بطن أمه .. وقد مكثوا فيه حسب تقدير الله ثلاثمائة سنتين وازدادوا تسعا .. كما يمكث الطفل فى جنين أمه ستا أو تسعا .. وهو قرار مكين استقر فيه هؤلاء المؤمنون الموحدون الفارون بدينهم من بطش الظالم .. كما يستقر الإنسان وهو نطفة فى رحم أمه (فى قرار مكين .إلى قدر معلوم. فقدرنا فنعم القادرون)(المرسلات/21-23)
لذلك فهم هؤلاء الفتية مراد الله فى لجوئهم إلى الكهف فقالوا:
(وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهىْ لكم من أمركم مرفقا)(الكهف/16)
فإذا كانت الرحمة مشتقة من الرحم .. ذلك القرار المظلم الآمن فإن الكهف كان بمثابة الرحم للجنين .. وكانت فيه الرحمة لهؤلاء الموّحدين الذين بعثهم الله من بعد رقادهم كما يرقد الجنين كأنهم يولدون من جديد:(ثم بعثتاهم لنعلم أى الحزبين .....)(الكهف/12)
(وكذلك بعثتاهم ليتساءلوا بينهم)(الكهف/19)
3- وهكذا نرى دأب السورة يتجلى فى آياتها وقصصها فى تصوير حركة فرار .. بمعنى فرار أتقياء صلحاء ضعفاء من ظلمة ومتجبرين ثم يسعفهم الله برحمته فينقذهم من هؤلاء الظالمين الذين ينتظرهم جزاء وبيل يوم القيامة:(إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها , وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه , بئس الشراب وساءت مرتفقا) (الكهف/29)
ومن قبل هذه الآية يوحى الله رسوله وحبيبه- صلى الله عليه وسلم بأن يكون نصيرا وحليفا للصلحاء الضعفاء وألا يركن للظالمين افتنانا بزينة الحياة الدنيا :
(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه , ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) (الكهف/28)
4- ثم يسوق الله القصة الثانية فى سورة الكهف .. وهى نموذج رائع لحوار مؤثر بين رجلين .. أو قل بين نفسين .. نفس ظالمة متجبرة تقول : أنا .. وأنا.. وأنا.. وتنكر الفضل والخير لله .. كما تنكر البعث نتيجة هذا الافتتان بالمال
(ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا)(الكهف/35)
والنفس الثانية .. صالحة .. تقية .. ضعيفة.. لاتملك هذا المال وهذا النفر الذى وهبه الله النفس الأولى .. إلا أنها قوية بالله حيث تكلمت فى إباء وفى شمم:
(لكنا هو الله ربى ولاأشرك بربى أحدا) (الكهف/38)
وتدخلت رحمة الله لنصرة هذا الضعيف .. المسكين الذى تعالى عليه صاحبه وعيرّه بقلة ماله وولده فتحولت الجنة وما فيها من الأعناب والنخل والزرع إلى صعيد زلق بعد أن أرسل الله عليها حسبانا من السماء وندم الرجل الظالم حين لاينفع الندم:
(وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول ياليتنى لم أشرك بربى أحدا , ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) (الكهف42/43)
5- وقبل أن يسوق الله القصة الثالثة ليبرز عنصر الرحمة فى سورة الكهف .. ويعرض ظلم الظالمين واستقواءهم على الصلحاء الضعفاء تتهادى الآيات جميلات مبشرات ومنذرات موضحات عاقبة الظالمين والمجرمين الذين إن رأيتهم يوم القيامة تراهم مشفقين مما فيه
(ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا , ولا يظلم ربك أحدا) (الكهف/49)
حيث يؤكد الله أن الظلم بدأ منذ الأزل وذلك فى قصة إبليس مع ربه الذى قال كذلك .. أنا ..وأنا..وأنا.. لذلك يحذرنا الله منه ومن ذريته مؤكدا أن هؤلاء .. هم العدو ..وهم الظالمين:
(أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو , بئس للظالمين بدلا)(الكهف/50)
إن البشر بإعراضهم ونسيانهم أوامر الله .. ظلمة ومتجبرون .. ومع ذلك الله غفور رحيم يمهلهم ولايهملهم .. حتى إذا أتى الهلاك فلا يكون عن ظلم من الله ,ولكن بسبب ظلمهم أنفسهم :
(وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا)(الكهف/59)
6- وبعدها فطالع الأسرار الخفية لاستدراك عنصر الرحمة من الله حين يشتد الظلم ويعدم الصلحاء الضعفاء أسباب دفع هذا الظلم.. هذه الأسرار فى قصة موسى والخضر عليهما السلام..
فالظالمون فئات ثلاثة فى القصة..
الملك الذى يأخذ كل سفينة غصبا
والغلام الذى كان سيرهق والديه طغيانا وكفرا
وأهل القرية الجشعين الذين أبوا أن يضيفوا موسى والخضر عليهما السلام
ومن العجيب أن ظلم الثلاثة متنوع ليدل أن الظلم على كل شكل ولون.. فالملك حاكم ظالم .. والغلام نشىْ ظالم .. والقرية .. مجتمع ظالم .. فماذا تنتظر فى هذا الظلم الذى تعدد وشمل النشىْ والمجتمع والحاكم .. فكان لابد من رحمة الله لتنقذ الضعفاء الصلحاء على يد عبد
(من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا) (الكهف/65)
حيث كان يرجع الفضل والتأويل والسر والغرض فى كل ما فعل لله حيث يقول :
(وما فعلته عن أمرى) ( الكهف/82)
موضحا أن الغرض والهدف والسر فى كل حادثة .. هى رحمة الله التى تنجى الضعفاء الصلحاء .. فلقد عاب السفينة لينقذ الله على يديه المساكين الذين يعملون فى البحر من الملك المتجبر الذى يأخذ كل سفينة غصبا .. وقتل الغلام ليبدل الله أبويه غلاما آخر
(خيرا منه زكاة وأقرب رحما) (الكهف/81)
وأقام الجدار فى هذه القرية الظالم أهلها حتى يخفى الكنز الذى أسفله حتى يكبر الغلامان اليتيمان
(ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) (الكهف/82)
7- وفى القصة الرابعة يظهر لنا ذو القرنين .. قويا فتيا صالحا .. أرسله الله لينقذ صلحاء ضعفاء آخرين فمتعه الله وقوته قهر الأقوام ومكن له فى الأرض ليستطيع بحول الله وقوته قهر الأقوام العجيبة التى جاءت فى سورة الكهف ولعل أعتاهم وأشدهم إفسادا .. قوم (يأجوج ومأجوج) .. فأخذ بأسباب القوة التى منحها الله إياه ولم يترك الضعفاء هكذا سلبيين بل علمهم الإيجابية وجعلهم يشتركون معه فى بناء السد المنيع ليجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج ردما من حديد لايستطيعون أن يظهروه ولا يستطيعون له نقبا حتى قيام الساعة
ثم يعترف ويرجع الفضل لله فى هذه القوة وهذه النجاه بقوله:
(هذا رحمة من ربى) (الكهف/98)
8- أيها القارىْ الكريم .. سورة الكهف كما يوحى اسمها .. أسرار وأسرار .. فكما أن الكهف تجويف كله أسرار .. فالسورة تتمتع بهذه الأسرار .. ولا عجب أن رأينا عنصر الرحمة يتكرر فى قصاص قصص السورة كما هو حال الكهف الذى كان بمثابة الرحم الذى آوى الفتية المؤمنة كما يأوى الرحم الجنين الضعيف فى بطن أمه..
إن سورة الكهف رحمة الله لمن فيها وهى رحمة الله لمن يقرؤها
.. ولذلك نرى المرويات كثيرة فى وجوب قراءتها ليلة وصبحية الجمعة ..
فقد تقوم فيه الساعة ولا ينجينا من ويلاتها وفتنتها ..
وكذلك فتنة الدجال إلا هذه السورة ..
وكذلك هى رحمة للنفس البشرية تستلهم من قصصها وآياتها العبرة والعظة
حتى تنتهى هذه النفس عن عينها وظلمها ..
فماذا كانت عاقبة الظالمين فى سورة الكهف ؟
وماذا كان حال كل ظالم لنفسه؟
النهاية .. أليمة وخيمة..(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة , إن أخذه أليم شديد) (هود/102)
فتأدب يا ابن آدم وانه نفسك عن غيها وظلمها عسى أن ترجو رحمة الله.(فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا , ولايشرك بعبادة ربه أحدا) (الكهف/110)
النهاية .. أليمة وخيمة..(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة , إن أخذه أليم شديد) (هود/102)
فتأدب يا ابن آدم وانه نفسك عن غيها وظلمها عسى أن ترجو رحمة الله.(فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا , ولايشرك بعبادة ربه أحدا) (الكهف/110)
بقلم/ المنشاوى الوردانى
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home