قانتا لله

سورة النحل
سورة هادئة الإيقاع، عادية الجرس؛
ولكنها مليئة حافلة.
موضوعاتها الرئيسية كثيرة منوعة؛
والإطار الذي تعرض فيه واسع شامل؛
والإطار الذي تعرض فيه واسع شامل؛
والأوتار التي توقع عليها متعددة مؤثرة،
والظلال التي تلونها
عميقة الخطوط.
عميقة الخطوط.
وهي كسائر السور المكية تعالج موضوعات العقيدة الكبرى:
الألوهية. والوحي. والبعث.
ولكنها تلم بموضوعات جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسية.
ولكنها تلم بموضوعات جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسية.
تلم بحقيقة الوحدانية الكبرى
التي تصل بين دين إبراهيم - عليه السلام - ودين محمد ع
التي تصل بين دين إبراهيم - عليه السلام - ودين محمد ع
وتلم بحقيقة الإرادة الإلهية والإرادة البشرية فيما يختص بالإيمان والكفر والهدى والضلال.
وتلم بوظيفة الرسل، وسنة الله في المكذبين لهم.
وتلم بموضوع التحليل والتحريم وأوهام الوثنية حول هذا الموضوع.
وتلم بموضوع التحليل والتحريم وأوهام الوثنية حول هذا الموضوع.
وتلم بالهجرة في سبيل الله،
وفتنة المسلمين في دينهم، والكفر بعد الإيمان
وجزاء هذا كله عند الله ..
ثم تضيف إلى موضوعات العقيدة
موضوعات المعاملة: العدل والإحسان والإنفاق والوفاء بالعهد،
موضوعات المعاملة: العدل والإحسان والإنفاق والوفاء بالعهد،
وغيرها من موضوعات السلوك القائم على العقيدة ..
وهكذا هي مليئة حافلة من ناحية الموضوعات التي تعالجها.
فأما الإطار الذي تعرض فيه هذه الموضوعات،
فأما الإطار الذي تعرض فيه هذه الموضوعات،
والمجال الذي تجري فيه الأحداث،
فهو فسيح شامل .. هو السماوات والأرض.
والماء الهاطل والشجر النامي.
والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم.
والبحار والجبال والمعالم والسبل والانهار.
وهو الدنيا بأحداثها ومصائرها،
والأخرى بأقدارها ومشاهدها.
وهو الغيب بألوانه وأعماقه في الأنفس والآفاق.
في هذا المجال الفسيح يبدو سياق السورة
في هذا المجال الفسيح يبدو سياق السورة
وكأنه حملة ضخمة للتوجيه والتأثير
واستجاشة العقل والضمير.
حملة هادئة الإيقاع، ولكنها متعددة الأوتار.
ليست في جلجلة الأنعام والرعد،
ولكنها في هدوئها تخاطب كل حاسة وكل جارحة في الكيان البشري،
وتتجه إلى العقل الواعي كما تتجه إلى الوجدان الحساس.
إنها تخاطب العين لترى، والأذن لتسمع، واللمس ليستشعر،
والوجدان ليتأثر، والعقل ليتدبر.
وتحشد الكون كله: سماؤه وأرضه،
وشمسه وقمره، وليله ونهاره،
وجباله وبحاره وفجاجه وأنهاره وظلاله وأكنانه نبته وثماره،
وحيوانه وطيوره.
كما تحشد دنياه وآخرته، وأسراره وغيوبه ..
كلها أدوات توقع بها على أوتار الحواس والجوارح والعقول والقلوب،
مختلف الإيقاعات التي لا يصمد لها
فلا يتأثر بها إلا العقل المغلق والقلب الميت،
والحس المطموس.
هذه الإيقاعات تتناول التوجيه إلى آيات الله في الكون،
هذه الإيقاعات تتناول التوجيه إلى آيات الله في الكون،
وآلائه على الناس
كما تتناول مشاهد القيامة، وصور الاحتضار،
ومصارع الغابرين؛ تصاحبها اللمسات الوجدانية التي تتدسس إلى أسرار
الأنفس، وإلى أحوال البشر
الأنفس، وإلى أحوال البشر
وهم أجنة في البطون، وهم في الشباب والهرم والشيخوخة،
وهم في حالات الضعف والقوة،
وهم في أحوال النعمة والنقمة.
كذلك يتخذ الأمثال والمشاهد والحوار والقصص
الخفيف أدوات للعرض والإيضاح.
الخفيف أدوات للعرض والإيضاح.
فأما الظلال العميقة التي تلون جو السورة كله
فهي الآيات الكونية تتجلى فيها عظمة الخلق،
وعظمة النعمة، وعظمة العلم والتدبير .. كلها متداخلة ..
وعظمة النعمة، وعظمة العلم والتدبير .. كلها متداخلة ..
فهذا الخلق الهائل العظيم المدبر عن علم
وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر،
وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر،
لا تلبي ضروراتهم وحدها،
ولكن تلبي أشواقهم كذلك،
فتسد الضرورة. وتتخذ للزينة،
فتسد الضرورة. وتتخذ للزينة،
وترتاح بها أبدانهم وتستروح لها نفوسهم، لعلهم يشكرون ..
ومن ثم تتراءى في السورة ظلال النعمة وظلال الشكر،
ومن ثم تتراءى في السورة ظلال النعمة وظلال الشكر،
والتوجيهات إليها، والتعقيب بها في مقاطع السورة،
وتضرب عليها الأمثال،
وتعرض لها النماذج،
وأظهرها نموذج إبراهيم
" شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم "
والقرآن الكريم يرسم إبراهيم - عليه السلام -
نموذجا للهداية والطاعة والشكر والإنابة لله.
ويقول عنه هنا: إنه كان أمة.
ويقول عنه هنا: إنه كان أمة.
واللفظ يحتمل أنه يعدل أمة كاملة بما فيها من خير وطاعة وبركة.
ويحتمل أنه كان إماما يقتدى به في الخير.
وورد في التفسير المأثور هذا المعنى وذاك. وهما قريبان فالإمام الذي
يهدي إلى الخير هو قائد أمة وله أجره وأجر من عمل بهدايته
يهدي إلى الخير هو قائد أمة وله أجره وأجر من عمل بهدايته
فكأنه أمة من الناس في خيره وثوابه لا فرد واحد.
" قانتا لله "
طائعا خاشعا عابدا
" حنيفا " متجها إلى الحق مائلا إليه
" ولم يك من المشركين "
فلا يتعلق به ولا يتمسح فيه المشركون!
فلا يتعلق به ولا يتمسح فيه المشركون!
" شاكرا لأنعمه " بالقول والعمل.
لا كهؤلاء المشركين الذين يجحدون نعمة الله قولا،
ويكفرونها عملا، ويشركون في رزقه لهم ما يدعون من الشركاء،
ويحرمون نعمة الله عليهم اتباعا للأوهام والأهواء.
" اجتباه " اختاره "
وهداه إلى صراط مستقيم "
هو صراط التوحيد الخالص القويم.
ذلك شأن إبراهيم الذي يتعلق به اليهود ويتمسح به المشركون.
" ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة
إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين "
إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين "
****
قال تعالى :
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (74)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ
رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا
فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا
هَلْ
يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا
يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا
يَأْتِ بِخَيْرٍ
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)
إنه لعجيب أن تنحرف الفطرة إلى هذا الحد،
فيتجه الناس بالعبادة إلى ما لا يملك لهم رزقا
وما هو بقادر في يوم من الأيام، ولا في حال من الأحوال.
ويدعون الله الخالق الرازق،
وآلاؤه بين أيديهم لا يملكون إنكارها،
ثم يجعلون لله الأشباه والأمثال!
إنه ليس لله مثال، حتى تضربوا له الأمثال.
ثم يضرب لهم مثلين للسيد المالك الرازق
ثم يضرب لهم مثلين للسيد المالك الرازق
وللمملوك العاجز الذي لا يملك ولا يكسب.
لتقريب الحقيقة الكبرى التي غفلوا عنها.
حقيقة أن ليس لله مثال،
وما يجوز أن يسووا في العبادة بين الله وأحد
من خلقه وكلهم لهم عبيد:
من خلقه وكلهم لهم عبيد:
والمثل الأول مأخوذ من واقعهم، فقد كان لهم عبيد مملوكون،
لا يملكون شيئا ولا يقدرون على شيء.
وهم لا يسوون بين العبد المملوك العاجز والسيد المالك المتصرف.
فكيف يسوون بين سيد العباد
ومالكهم وبين أحد أو شيء مما خلق.
ومالكهم وبين أحد أو شيء مما خلق.
وكل مخلوقاته له عبيد؟
والمثل الثاني يصور الرجل الأبكم الضعيف البليد
الذي لا يدري شيئا ولا يعود بخير.
والرجل القوي المتكلم الآمر بالعدل،
العامل المستقيم على طريق الخير ..
ولا يسوي عاقل بين هذا وذاك.
فكيف تمكن التسوية بين ضم أو حجر،
وبين الله سبحانه وهو القادر العليم الآمر بالمعروف،
الهادي إلى الصراط المستقيم؟
وبهذين المثلين يختم الشوط الذي بدأ بأمر الله للناس
وبهذين المثلين يختم الشوط الذي بدأ بأمر الله للناس
ألا يتخذوا إلهين اثنين،
وختم بالتعجيب من أمر قوم يتخذون إلهين اثنين!
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ
أَوْ هُوَ أَقْرَبُ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
وَاللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا
وَجَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ
السَّمَاءِ
مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (79)
" وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب " ..
فهي قريب.
ولكن في حساب غير حساب البشر المعلوم.
وتدبير أمرها لا يحتاج إلى وقت.
طرفة عين.
فإذا هي حاضرة مهيأة بكل أسبابها
" إن الله على كل شيء قدير
" إن الله على كل شيء قدير
" وبعث هذه الحشود التي يخطئها الحصر والعد من الخلق، وانتفاضها،
وجمعها، وحسابها، وجزاؤها ..
وجمعها، وحسابها، وجزاؤها ..
كله هين على تلك القدرة التي تقول للشيء:
كن. فيكون.
إنما يستهول الأمر ويستصعبه من يحسبون بحساب البشر،
وينظرون بعين البشر، ويقيسون بمقاييس البشر ..
ومن هنا
يخطئون التصور والتقدير!
ويقرب القرآن الأمر بعرض مثل صغير من حياة البشر،
ويقرب القرآن الأمر بعرض مثل صغير من حياة البشر،
تعجز عنه قواهم ويعجز عنه تصورهم،
وهو يقع في كل لحظة من ليل أو نهار:
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا،
وهو يقع في كل لحظة من ليل أو نهار:
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا،
وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة
لعلكم تشكرون " ..
وهو غيب قريب، ولكنه موغل بعيد.
لعلكم تشكرون " ..
وهو غيب قريب، ولكنه موغل بعيد.
وأطوار الجنين قد يراها الناس،
ولكنهم لا يعلمون كيف تتم،
لأن سرها هو سر الحياة المكنون.
والعلم الذي يدعيه الإنسان
ويتطاول به ويريد أن يختبر به أمر الساعة وأمر الغيب،
علم حادث مكسوب:
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا "
ومولد كل عالم وكل باحث،
ومولد كل عالم وكل باحث،
ومخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا قريب قريب!
وما كسبه بعد ذلك من علم هبة من الله بالقدر الذي أراده للبشر،
وجعل فيه كفاية حياتهم على هذا الكوكب،
في المحيط المكشوف لهم من هذا الوجود:
" وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة "
والقرآن يعبر بالقلب
ويعبر بالفؤاد عن مجموع مدارك الإنسان الواعية؛
وهي تشمل ما اصطلح على أنه العقل،
وتشمل كذلك قوى الإلهام الكامنة المأهولة الكنه والعمل.
جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة "
لعلكم تشكرون "
حين تدركون قيمة النعمة في هذه وفي سواها من آلاء الله عليكم.
وأول الشكر: الإيمان بالله الواحد المعبود.
وعجيبة أخرى من آثار القدرة الإلهية يرونها فلا يتدبرونها
وهي مشهد عجيب معروض للعيون:
" ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء،
ما يمسكهن إلا الله.
إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " ..
ومشهد الطير مسخرات في جو السماء مشهد مكرور،
قد ذهبت الألفة بما فيه من عجب،
وما يتلفت القلب البشري عليه إلا حين يستيقظ،
ويلحظ الكون بعين الشاعر الموهوب.
وإن تحليقة طائر في جو السماء
لتستجيش الحس الشاعر إلى القصيدة حين تلمسه.
فينتفض للمشهد القديم الجديد ..
" ما يمسكهن إلا الله "
بنواميسه التي أودعها فطرة الطير وفطرة الكون من حولها،
وجعل الطير قادرة على الطيران،
وجعل الجو من حولها مناسبا لهذا الطيران؛
وأمسك بها الطير وهي في جو السماء:
" إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " ..
فالقلب المؤمن هو القلب الشاعر ببدائع الخلق والتكوين،
المدرك لما فيها من روعة باهرة تهز المشاعر وتستجيش الضمائر.
وهو يعبر عن إحساسه بروعة الخلق، بالإيمان والعبادة والتسبيح؛
والموهوبون من المؤمنين هبة التعبير،
قادرون على إبداع ألوان من رائع القول
في بدائع الخلق والتكوين،
لا يبلغ إليها شاعر لم تمس قلبه شرارة الإيمان المشرق الوضيء.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ
جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ
إِقَامَتِكُمْ
وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا
وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا
خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا
وَجَعَلَ لَكُمْ
سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ
كَذَلِكَ يُتِمُّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)
يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ
(83)
والسكن والطمأنينة في البيوت نعمة لا يقدرها حق قدرها
إلا المشردون الذين لا بيوت لهم
ولا سكن ولا طمأنينة.
وذكرها في السياق يجيء بعد الحديث عن الغيب،
وظل السكن ليس غريبا عن ظل الغيب،
فكلاهما فيه خفاء وستر.
والتذكير بالسكن يمس المشاعر الغافلة عن قيمة هذه النعمة.
ونستطرد هنا إلى شيء عن نظرة الإسلام إلى البيت،
بمناسبة هذا التعبير الموحي:
" والله جعل لكم من بيوتكم سكنا " ..
فهكذا يريد الإسلام البيت مكانا للسكينة النفسية والاطمئنان الشعوري.
هكذا يريده مريحا تطمئن إليه النفس وتسكن وتأمن
سواء بكفايته المادية للسكنى والراحة،
أو باطمئنان من فيه بعضهم لبعض،
ويسكن من فيه كل إلى الآخر.
فليس البيت مكانا للتراع والشقاق والخصام،
إنما هو مبيت وسكن وأمن واطمئنان وسلام.
ومن ثم يضمن الإسلام للبيت حرمته،
ومن ثم يضمن الإسلام للبيت حرمته،
ليضمن له أمنه وسلامه واطمئنانه.
فلا يدخله داخل إلا بعد الاستئذان،
ولا يقتحمه أحد - بغير حق -
باسم السلطان، ولا يتطلع أحد على من فيه لسبب من الأسباب،
ولا يتجسس أحد على أهله في غفلة منهم أو غيبة،
فيروع أمنهم، ويخل بالسكن
الذي يريده الإسلام للبيوت،
ويعبر عنه ذلك التعبير الجميل العميق!
ولأن المشهد مشهد بيوت وأكنان وسرابيل،
ولأن المشهد مشهد بيوت وأكنان وسرابيل،
فإن السياق يعرض من الأنعام جانبها الذي يتناسق
مع مفردات المشهد:
مع مفردات المشهد:
" وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم،
ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين " .
ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين " .
وهو هنا كذلك يستعرض من نعمة الأنعام ما يلبي الضرورات وما يلبي الأشواق،
فيذكر المتاع، إلى جانب الأثاث. والمتاع ولو أنه يطلق على ما في
الأرحال من فرش وأغطية وأدوات،
الأرحال من فرش وأغطية وأدوات،
إلا أنه يشي بالتمتع والارتياح.
ويرق التعبير في جو السكن والطمأنينة،
ويرق التعبير في جو السكن والطمأنينة،
وهو يشير إلى الظلال والأكنان في الجبال،
وإلى السرابيل تقي في الحر وتقي في الحرب:
" والله جعل لكم مما خلق ظلالا، وجعل لكم من الجبال أكنانا،
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم
" وللنفس في الظلال استرواح وسكن،
ولها في الأكنان طمأنينة ووسن،
ولها في السرابيل التي تقي الحر من الأردية والأغطية راحة
وفي السرابيل التي تقي البأس من الدروع وغيرها وقاية ..
وكلها بسبيل من طمأنينة البيوت وأمنها وراحتها وظلها ..
ومن ثم يجيء التعقيب:
ومن ثم يجيء التعقيب:
" كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "
والإسلام استسلام وسكن وركون ..
وهكذا تتناسق ظلال المشهد كله على طريقة القرآن في التصوير.
وهكذا تتناسق ظلال المشهد كله على طريقة القرآن في التصوير.
في ظلال القرآن

0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home