لقد أنزلنا آيات مبينات
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يقول الله تعالى في سورة النور
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ
كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ
ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا
فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ
جِبَالٍ
فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ
يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً
لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ
مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
لَقَدْ
أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ
وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض،
والطير صافات.
كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون "
.
.
إن الإنسان ليس مفردا في هذا الكون الفسيح؛
فإن من
حوله، وعن يمينه وعن شماله،
ومن فوقه ومن
تحته؛
وحيثما امتد
به النظر أو طاف به الخيال
. . إخوان له من خلق الله،
لهم طبائع شتى،
وصور شتى، وأشكال شتى
ولكنهم بعد ذلك كله يلتقون في الله،
ويتوجهون إليه،
ويسبحون بحمده:
" والله عليم بما يفعلون
" . .
والقرآن يوجه الإنسان إلى النظر فيما حوله من صنع الله،
وإلى من حوله من خلق الله في السماوات والأرض،
وهم يسبحون
بحمده وتقواه؛
ويوجه بصره
وقلبه خاصة إلى مشهد في كل يوم يراه،
فلا يثير
انتباهه ولا يحرك قلبه لطول ما يراه.
ذلك مشهد الطير صافات أرجلها وهي طائرة في الفضاء
تسبح بحمد الله: "
كل قد علم صلاته وتسبيحه
" . . والإنسان وحده هو الذي يغفل عن تسبيح ربه؛
وهو أجدر خلق الله بالإيمان والتسبيح والصلاة.
وإن الكون ليبدو في هذا المشهد الخاشع
متجها
كله إلى خالقه،
مسبحا بحمده،
قائما بصلاته؛
وإنه لكذلك في فطرته،
وفي
طاعته لمشيئة خالقه الممثلة في نواميسه
.
وإن الإنسان ليدرك - حين يشف
-
هذا المشهد ممثلا في حسه كأنه يراه؛
وإنه ليسمع دقات هذا الكون وإيقاعاته
تسابيح
لله
وإنه ليشارك كل كائن في هذا الوجود صلاته ونجواه . .
كذلك كان محمد بن عبد الله
- صلاة الله وسلامه عليه –
إذا مشى سمع تسبيح الحصى تحت قدميه.
وكذلك كان داود - عليه السلام
- يرتل مزاميره
فتؤوب الجبال معه والطير.
" ولله ملك السماوات والأرض،
وإلى الله المصير " . .
فلا اتجاه إلا إليه، ولا ملجأ من دونه،
ولا مفر من لقائه،
ولا عاصم من عقابه،
وإلى الله المصير.
ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون
التي يمر عليها الناس غافلين؛
وفيها متعة للنظر،
وعبرة للقلب،
ومجال للتأمل في صنع الله وآياته،
وفي دلائل النور والهدى والإيمان:
"
ألم تر أن الله يزجي سحابا، ثم يؤلف بينه،
ثم يجعله ركاما، فترى الودق يخرج من خلاله.
و ينزل من السماء من جبال فيها من برد،
فيصيب به من يشاء،
ويصرفه عمن يشاء،
يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار " . .
والمشهد يعرض على مهل وفي إطالة،
وتترك
أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع
كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه،
وبعثه
إلى التأمل والعبرة،
وتدبر
ما وراءها من صنع الله.
إن يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلى مكان.
ثم تؤلف بينه وتجمعه، فإذا هو ركام
بعضه فوق بعض
.
فإذا ثقل خرج منه الماء، والوبل الهاطل،
وهو
في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة،
فيها قطع
البرد الثلجية الصغيرة
. . ومشهد السحب كالجبال لا يبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو
فوق السحب أو تسير بينها، فإذا المشهد مشهد الجبال حقا،
بضخامتها،
ومساقطها،
وارتفاعاتها وانخفاضاتها
وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس،
إلا بعد ما ركبوا الطائرات.
وهذه الجبال مسخرة بأمر الله،
وفق
ناموسه الذي يحكم الكون؛
ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء،
ويصرفه عمن يشاء
. . وتكملة المشهد الضخم: "
يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار "
ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض،
على طريقة التناسق في التصوير.
ثم مشهد كوني ثالث: مشهد
الليل والنهار:
"
يقلب الله الليل والنهار.
إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " . .
والتأمل في تقلب الليل والنهار بهذا النظام الذي لا يختل ولا يفتر
يوقظ في القلب الحساسية
وتدبر الناموس
الذي يصرف هذا الكون
والتأمل
في صنع الله.
والقرآن يوجه القلب إلى هذه المشاهد
التي ذهبت الألفة بوقعها المثير؛
ليواجه
القلب هذا الكون دائما بحس جديد،
وانفعال
جديد.
فعجيبة الليل والنهار كم شاقت القلب البشري،
وهو يتأملها أول مرة
.
وهي هي لم تتغير؛
ولم
تفقد جمالها وروعتها.
إنما القلب البشري هو الذي صدىء وهمد،
فلم
يعد يخفق لها
وكم ذا نفقد من حياتنا،
وكم ذا نخسر من جمال هذا الوجود،
حين نمر غافلين بهذه الظواهر التي شاقت حسنا وهي جديدة.
أو وحسنا هو الجديد!
والقرآن يجدد حسنا الخامد،
ويوقظ حواسنا الملول
.
ويلمس قلبنا البارد.
ويثير وجداننا الكليل؛
لنرتاد هذا الكون دائما كما ارتدناه أول مرة.
نقف أمام كل ظاهرة نتأملها،
ونسألها عما وراءها
من سر دفين،
ومن
سحر مكنون
.
ونرقب يد الله
تفعل فعلها في كل شيء من حولنا،
ونتدبر حكمته في صنعته،
ونعتبر
بآياته المبثوثة في تضاعيف الوجود.
إن الله - سبحانه - يريد أن يمن علينا،
بأن
يهبنا الوجود مرة كلما نظرنا إلى إحدى ظواهره؛
فاستعدنا نعمة الإحساس بها كأننا نراها أول مرة
فنظل نجد الكون مرات لا تحصى
.
وكأننا في كل مرة
نوهبه من جديد؛
ونستمتع به من جديد.
وإن هذا الوجود لجميل وباهر ورائع
وإن فطرتنا لمتوافقة مع فطرته،
مستمدة
من النبع الذي يستمد منه،
قائمة
على ذات الناموس الذي يقوم عليه.
فالاتصال بضمير هذا الوجود يهبنا أنسا
وطمأنينة، وصلة ومعرفة،
وفرحة
كفرحة
اللقاء بالقريب الغائب أو المحجوب!
وإننا لنجد نور الله هناك.
فالله نور السماوات والأرض
. . نجده في الآفاق وفي أنفسنا
في ذات اللحظة
التي نشهد فيها
هذا
الوجود بالحس البصير،
والقلب
المتفتح، والتأمل الواصل إلى حقيقة التدبير.
لهذا يوقظنا القرآن المرة بعد المرة،
ويوجه حسنا وروحنا إلى شتى مشاهد الوجود الباهرة،
كي
لا نمر عليها غافلين مغمضي الأعين،
فنخرج
من رحلة الحياة على ظهر هذه الأرض بغير رصيد.
أو برصيد قليل هزيل
ويمضي السياق في عرض مشاهد الكون،
واستثارة تطلعنا إليها؛
فيعرض
نشأة الحياة، من أصل واحد،
وطبيعة
واحدة، ثم تنوعها، مع وحدة النشأة والطبيعة:
"
والله خلق كل دابة من ماء. فمنهم من يمشي على بطنه،
ومنهم من يمشي على رجلين،
ومنهم من يمشي على أربع.
يخلق الله ما يشاء
.
إن الله على كل شيء قدير "
.
.
وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة،
حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء، قد
تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعا،
وهو
الماء، وقد تعني ما يحاول العلم الحديث أن
يثبته من أن الحياة خرجت من البحر ونشأت أصلا في الماء
ثم تنوعت الأنواع، وتفرعت الأجناس . .
ولكننا نحن على طريقتنا في
عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة
على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل
. . لا نزيد على هذه الإشارة شيئا.
مكتفين بإثبات الحقيقة القرآنية.
وهي أن الله خلق الأحياء كلها من الماء
.
فهي ذات أصل واحد
.
ثم هي - كما ترى العين - متنوعة الأشكال.
منها الزواحف تمشي على بطنها،
ومنها الإنسان والطير يمشي على قدمين.
ومنها الحيوان يدب على أربع.
كل أولئك وفق سنة الله ومشيئته،
لا
عن فلتة ولا مصادفة:
" يخلق الله ما يشاء
" غير مقيد بشكل ولا هيئة
فالنواميس والسنن التي تعمل في الكون
قد اقتضتها مشيئته الطليقة وارتضتها: "
إن الله على كل
شيء قدير "
.
وإن تملي الأحياء
وهي بهذا التنوع في الأشكال والأحجام،
والأصول والأنواع، والشيات والألوان.
وهي خارجة من أصل واحد،
ليوحي بالتدبير المقصود،
والمشيئة
العامدة
.
وينفي فكرة الفلتة والمصادفة
.
وإلا فأي فلتة تلك التي تتضمن كل هذا التدبير
وأية مصادفة تلك التي تتضمن كل هذا التقدير؟
إنما
هو صنع الله العزيز الحكيم
الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . .
" لقد أنزلنا آيات مبينات.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . .
فآيات الله مبينة كاشفة؛
تجلو نور
الله،
وتكشف عن
ينابيع هداه
وتحدد الخير والشر،
والطيب
والخبيث.
وتبين منهج الإسلام في الحياة كاملا دقيقا
لا لبس فيه ولا غموض؛
وتحدد أحكام
الله في الأرض
بلا شبهة
ولا إبهام
.
فإذا تحاكم الناس إليها
فإنما يتحاكمون
إلى شريعة واضحة مضبوطة،
لا يخشى منها
صاحب حق على حقه؛
ولا يلتبس فيها حق بباطل،
ولا حلال
بحرام.
"
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "
. . والمشيئة مطلقة لا يقيدها قيد.
غير أن الله سبحانه قد جعل للهدى طريقا،
ومن وجه
نفسه إليه وجد فيه هدى الله ونوره،
فاتصل به،
وسار على الدرب،
حتى يصل
-
بمشيئة الله
-
ومن حاد عنه وأعرض فقد النور الهادي
ولج في
طريق الضلال.
حسب مشيئة الله في الهدى والضلال
المصدر : ) في ظلال القرآن
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home