قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ
" لا إكراه في الدين
قد تبين الرشد من الغي
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد
استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
والله سميع عليم.
الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور؛
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات.
أولئك أصحاب النار
هم فيها خالدون "
إن قضية العقيدة - كما جاء بها هذا الدين
- قضية اقتناع بعد البيان والإدراك؛
وليست قضية إكراه وغصب وإجبار.
ولقد جاء هذا الدين يخاطب الإدراك البشري بكل قواه وطاقاته
. يخاطب العقل المفكر، والبداهة الناطقة، ويخاطب الوجدان المنفعل،
كما يخاطب الفطرة المستكنة
. يخاطب الكيان البشري كله، والإدراك البشري بكل جوانبه؛
في غير قهر حتى بالخارقة المادية التي قد تلجيء مشاهدها
إلجاء إلى الإذعان، ولكن وعيه لا يتدبرها وإدراكه لا يتعقلها لأنها فوق الوعي والإدراك.
وإذا كان هذا الدين لا يواجه الحس البشري بالخارقة المادية القاهرة،
فهو من باب أولى لا يواجهه بالقوة
والإكراه ليعتنق هذا الدين تحت تأثير التهديد
أو مزاولة الضغط القاهر والإكراه بلا بيان
والإكراه ليعتنق هذا الدين تحت تأثير التهديد
أو مزاولة الضغط القاهر والإكراه بلا بيان
ولا إقناع ولا اقتناع.
وكانت المسيحية - آخر الديانات قبل الإسلام
- قد فرضت فرضا بالحديد والنار ووسائل
التعذيب والقمع التي زاولتها الدولة الرومانية
بمجرد دخول الإمبراطور قسطنطين في المسيحية
بنفس الوحشية والقسوة التي زاولتها الدولة الرومانية من قبل
ضد المسيحيين القلائل من رعاياها
الذين اعتنقوا المسيحية اقتناعا وحبا!
بمجرد دخول الإمبراطور قسطنطين في المسيحية
بنفس الوحشية والقسوة التي زاولتها الدولة الرومانية من قبل
ضد المسيحيين القلائل من رعاياها
الذين اعتنقوا المسيحية اقتناعا وحبا!
ولم تقتصر وسائل القمع والقهر على الذين لم يدخلوا في المسيحية؛
بل إنها ظلت تتناول في ضراوة المسيحيين أنفسهم
الذين لم يدخلوا في مذهب الدولة؛
وخالفوها في بعض الاعتقاد بطبيعة المسيح!
بل إنها ظلت تتناول في ضراوة المسيحيين أنفسهم
الذين لم يدخلوا في مذهب الدولة؛
وخالفوها في بعض الاعتقاد بطبيعة المسيح!
فلما جاء الإسلام عقب ذلك
جاء يعلن - في أول ما يعلن
- هذا المبدأ العظيم الكبير:
جاء يعلن - في أول ما يعلن
- هذا المبدأ العظيم الكبير:
" لا إكراه في الدين
. قد تبين الرشد من الغي " . .
وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان؛
واحترام إرادته وفكره ومشاعره؛ وترك أمره لنفسه
فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد
وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه . .
وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه . .
وهذه هي أخص خصائص التحرر الإنساني . .
إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق " الإنسان
" التي يثبت له بها وصف " إنسان
" التي يثبت له بها وصف " إنسان
" . فالذي يسلب إنسانا حرية الاعتقاد،
إنما يسلبه إنسانيته ابتداء
إنما يسلبه إنسانيته ابتداء
. . ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة،
والأمن من الأذى والفتنة
والأمن من الأذى والفتنة
. . وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلول لها في واقع الحياة.
والإسلام - وهو أرقى تصور للوجود وللحياة،
وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مراء
– هو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين؛
وهو الذي يبين لأصحابه قبل سواهم
أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين
. . فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاصرة المتعسفة
وهي تفرض فرضا بسلطان الدولة؛
ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة؟ !
" قد تبين الرشد من الغي " . .
فالإيمان هو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخاه ويحرص عليه.
والكفر هو الغي الذي ينبغي للإنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به.
" فمن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها " . .
لا انفصام لها " . .
إن الكفر ينبغي أن يوجه إلى ما يستحق الكفر،
وهو الطاغوت.
وإن الإيمان يجب أن يتجه إلى
من يجدر الإيمان به وهو " الله " .
والطاغوت صيغة من الطغيان،
تفيد كل ما يطغى على الوعي،
تفيد كل ما يطغى على الوعي،
ويجور على الحق،
ويتجاوز الحدود التي رسمها الله للعباد،
ويتجاوز الحدود التي رسمها الله للعباد،
ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله،
ومن الشريعة التي يسنها الله،
ومنه كل منهج غير مستمد من الله،
وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمد من الله
فمن يكفر بهذا كله في كل صورة من صوره
ويؤمن بالله وحده ويستمد من الله وحده
فقد نجا . .
فقد نجا . .
وتتمثل نجاته في استمساكه بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
وهنا نجدنا أمام صورة حسية لحقيقة
شعورية، ولحقيقة معنوية
. . إن الإيمان بالله عروة وثيقة
لا تنفصم أبدا . . إنها متينة لا تنقطع
. . ولا يضل الممسك بها طريق النجاة
. . إنها موصولة بمالك الهلاك والنجاة
. . والإيمان في حقيقته اهتداء إلى الحقيقة الأولى
التي تقوم بها سائر الحقائق في هذا الوجود . .
حقيقة الله
. . واهتداء إلى حقيقة الناموس الذي سنه الله لهذا الوجود،
وقام به هذا الوجود.
والذي يمسك بعروته يمضي على هدى إلى ربه؛
فلا يرتطم ولا يتخلف ولا تتفرق به السبل ولا يذهب به
الشرود والضلال.
" والله سميع عليم " . .
يسمع منطق الألسنة، ويعلم مكنون القلوب
. فالمؤمن الموصول به لا يبخس ولا يظلم ولا يخيب.
ثم يمضي السياق يصور في مشهد حسي
حي متحرك طريق الهدى وطريق الضلال؛
وكيف يكون الهدى وكيف يكون الضلال
. . يصور كيف يأخذ الله
- ولي الذين آمنوا - بأيديهم، فيخرجهم
من الظلمات إلى النور.
بينما الطواغيت - أولياء الذين كفروا
- تأخذ بأيدهم
فتخرجهم من النور إلى الظلمات!
إنه مشهد عجيب حي موح.
والخيال يتبع هؤلاء وهؤلاء، جيئة من هنا وذهابا من هناك
. بدلا من التعبير الذهني المجرد، الذي لا يحرك خيالا، ولا يلمس حسا،
ولا يستجيش وجدانا،
ولا يخاطب إلا الذهن بالمعاني والألفاظ.
فإذا أردنا أن ندرك فضل طريقة التصوير القرآنية،
فلنحاول أن نضع في مكان هذا المشهد الحي
تعبيرا ذهنيا أيا كان.
لنقل مثلا: الله ولي الذين آمنوا يهديهم إلى الإيمان.
والذين كفروا أولياؤهم
الطاغوت يقودونهم إلى الكفران
. . إن التعبير يموت بين أيدينا، ويفقد ما فيه من حرارة وحركة وإيقاع
وإلى جانب التعبير المصور الحي الموحي نلتقي بدقة التعبير عن الحقيقة:
" الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور
. والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
يخرجونهم من النور إلى الظلمات " . .
إن الإيمان نور . . نور واحد في طبيعته وحقيقته
. . وإن الكفر ظلمات
. . ظلمات متعددة متنوعة.
. . ظلمات متعددة
ولكنها كلها ظلمات.
وما من حقيقة أصدق ولا أدق
من التعبير عن الإيمان بالنور،
من التعبير عن الإيمان بالنور،
والتعبير عن الكفر بالظلمة.
إن الإيمان نور يشرق به كيان المؤمن أول ما ينبثق في ضميره
. تشرق به روحه فتشف وتصفو
وتشع من حولها نورا ووضاءة ووضوحا
. . نور يكشف حقائق الأشياء وحقائق القيم وحقائق
التصورات، فيراها قلب المؤمن واضحة بغير غبش،
بينة بغير لبس، مستقرة في مواضعها بغير أرجحة؛
فيأخذ منها ما يأخذ
ويدع منها ما يدع في هوادة وطمأنينة وثقة وقرار لا أرجحة فيه
. .نور يكشف الطريق إلى الناموس الكوني
فيطابق المؤمن بين حركته وحركة الناموس الكوني من حوله ومن خلاله؛
ويمضي في طريقه إلى الله هينا لينا لا يعتسف ولا يصطدم بالنتوءات،
ولا يخبط هنا وهناك
فالطريق في فطرته مكشوف معروف.
وما يترك الإنسان نور الله
الواحد الذي لا يتعدد.
نور الحق الواحد الذي لا يتلبس.
حتى يدخل في الظلمات من شتى الأنواع
وشتى الأصناف . . وكلها ظلمات . . !
والعاقبة هي اللائقة بأصحاب الظلمات:
" أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "
. . وإذ لم يهتدوا بالنور،
فليخلدوا إذن في النار!
إن الحق واحد لا يتعدد والضلال ألوان وأنماط
. . فماذا بعد الحق إلا الضلال؟-1
عندما حدثنا الله تعالى في القرآن الكريم عن "بني إسرائيل"
أعلمنا بقانون قضاه سبحانه عليهم ..
فقال تعالى : "ضـُربت عليهم الذلة أينما ثـُقفوا
إلا بحبل من الله وحبل من الناس" ..
وأزعم أن الله أراد أن نعلم أن هناك حبلان:
حبل الناس وحولهم وقوتهم، ومكرهم وعملهم وخطتهم ...
وحبله سبحانه
القاهر الغالب الذي يليق بعزته وجبروته وقوته.
ثم لم يتركنا ربنا هكذا حيارى بين الحبلين،
ثم لم يتركنا ربنا هكذا حيارى بين الحبلين،
بل طمأننا أنه يمد حبله لكل عامل مخلص، ولكل مجاهد صادق،
ويزيد في مد هذا الحبل على قدر انقطاع أحبل الناس ...
حتى إذا انقطعت عن العاملين المخلصين كل الحبال،
حتى إذا انقطعت عن العاملين المخلصين كل الحبال،
ولم يبق لهم إلا أن يتعلقوا بقلوبهم بحبل الله،
حانت "اللحظة الربانية"
التي انتظروها طويلاً
.. فيكون النصر ...
قال تعالى:
"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا
"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا
جاءهم نصرنا فنجيَ من نشاء
ولا يـُرد بأسنا عن القوم المجرمين".-2
ولا يـُرد بأسنا عن القوم المجرمين".-2
1 - في ظلال القرآن
2- بين "حبل الناس" ... و "حبل الله" د. أشرف نجم
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home