طرد الهم والحزن
اسم الله الأعظم و الدعاء * دعوة ذي النون * الاستعاذة بالله
* الاستغفار * الصلاة *الجهاد * لا حول ولا قوة إلا بالله
في السنن و صحيح ابي حاتم مرفوعًا: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين). {والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم} [البقرة: 163]، وفاتحة ال عمران {الم الله لا اله الا هو الحي القيوم} [ال عمران: 1].، قال الترمذي: حديث صحيح.
وفي السنن وصحيح ابن حبان ايضًا: من حديث انس ان رجلًا دعا، فقال: اللهم اني أسالك بان لك الحمد، لا اله الا انت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي اذا دعي به اجاب، واذا سئل به اعطى).
ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اذا اجتهد في الدعاء قال: (يا حي يا قيوم).
وفي قوله: (اللهم رحمتك ارجو، فلا تكلني الى نفسي طرفة عين، واصلح لي شاني كله لا اله الا انت) من تحقيق الرجاء لمن الخير كله بيديه والاعتماد عليه وحده، وتفويض الأمر اليه، والتضرع اليه، ان يتولى اصلاح شانه، ولا يكله الى نفسه، والتوسل اليه بتوحيده مما له تاثير قوي في دفع هذا الداء، وكذلك قوله: الله ربي لا اشرك به شيئًا.
واما حديث ابن مسعود: (اللهم اني عبدك ابن عبدك)، ففيه من المعارف الإلهية، واسرار العبودية ما لا يتسع له كتاب، فانه يتضمن الاعتراف بعبوديته وعبودية ابائه وامهاته، وان ناصيته بيده يصرفها كيف يشاء، فلا يملك العبد دونه لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة، ولا نشورًا، لان من ناصيته بيد غيره، فليس اليه شيء من امره، بل هو عان في قبضته، ذليل تحت سلطان قهره.
وقوله: (ماض في حكمك عدل في قضائك) متضمن لاصلين عظيمين عليهما مدار التوحيد.
احدهما: اثبات القدر، وان احكام الرب تعالى نافذة في عبده ماضية فيه، لا انفكاك له عنها، ولا حيلة له في دفعها.
والثاني: انه ـ سبحانه ـ عدل في هذه الأحكام، غير ظالم لعبده، بل لا يخرج فيها عن موجب العدل والإحسان، فان الظلم سببه حاجة الظالم، او جهله، او سفهه، فيستحيل صدوره ممن هو بكل شيء عليم، ومن هو غني عن كل شيء، وكل شيء فقير اليه، ومن هو احكم الحاكمين، فلا تخرج ذرة من مقدوراته عن حكمته وحمده، كما لم تخرج عن قدرته ومشيئته، فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته، ولهذا قال نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم، وقد خوفه قومه بالهتهم: {اني اشهد الله واشهدوا اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم} [هود: 54 ـ 57]، اي: مع كونه سبحانه اخذًا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء، فهو على صراط مستقيم لا يتصرف فيهم الا بالعدل والحكمة، والإحسان والرحمة. فقوله: ماض في حكمك، مطابق لقوله: {ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها} [هود: 56]، وقوله: (عدل في قضاؤك) مطابق لقوله: {ان ربي على صراط مستقيم} [هود: 56]، ثم توسل الى ربه باسمائه التي سمى بها نفسه ما علم العباد منها وما لم يعلموا. ومنها: ما استاثره في علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، وهذه الوسيلة اعظم الوسائل، واحبها الى الله، واقربها تحصيلًا للمطلوب.
ثم سأله ان يجعل القران لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان، وكذلك القران ربيع القلوب، وان يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستاصل الداء، ويعيد البدن الى صحته واعتداله، وان يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية، وغيرها، فاحرى بهذا العلاج اذا صدق العليل في استعماله ان يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاء تامًا، وصحة وعافية، والله الموفق.
قال صلى الله عليه وسلم ما اصاب مسلما قط هم او حزن فقال
( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل فى قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او أنزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي)
ألا اذهب الله تعالى همه وأبدل مكان حزنه فرحا
قيل يا رسول الله افلا نتعلم هذه الكلمات ؟ قال بلى ينبغي لم سمعهن ان يتعلمهن . أخرجه احمد
وأما دعوة ذي النون (لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ): فان فيها من كمال التوحيد والتنزيه للرب تعالى، واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما هو من ابلغ أدوية الكرب والهم والغم، وابلغ الوسائل الى الله ـ سبحانه ـ في قضاء الحوائج، فان التوحيد والتنزيه يتضمنان اثبات كل كمال الله، وسلب كل نقص وعيب وتمثيل عنه. والاعتراف بالظلم يتضمن ايمان العبد بالشرع والثواب والعقاب، ويوجب انكساره ورجوعه الى الله، واستقالته عثرته، والاعتراف بعبوديته، وافتقاره الى ربه، فها هنا أربعة امور قد وقع التوسل بها: التوحيد، والتنزيه، والعبودية والاعتراف.
واما حديث ابي امامة: (اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن)، فقد تضمن الاستعاذة من ثمانية اشياء، كل اثنين منها قرينان مزدوجان، فالهم والحزن اخوان، والعجز والكسل اخوان، والجبن والبخل اخوان، وضلع الدين وغلبة الرجال اخوان، فان المكروه المؤلم اذا ورد على القلب، فاما ان يكون سببه امرًا ماضيًا، فيوجب له الحزن، وان كان امرًا متوقعًا في المستقبل، اوجب الهم، وتخلف العبد عن مصالحه وتفويتها عليه، اما ان يكون من عدم القدرة وهو العجز، او من عدم الإرادة وهو الكسل، وحبس خيره ونفعه عن نفسه وعن بني جنسه، اما ان يكون منع نفعه ببدنه، فهو الجبن، او بماله، فهو البخل، وقهر الناس له اما بحق، فهو ضلع الدين، او بباطل فهو غلبة الرجال، فقد تضمن الحديث الإستعاذة من كل شر.
(اللهم اني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال)
واما تأثير الإستغفار في دفع الهم والغم والضيق، فلما اشترك في العلم به اهل الملل وعقلاء كل امة ان المعاصي والفساد توجب الهم والغم، والخوف والحزن، وضيق الصدر، وأمراض القلب، حتى ان اهلها اذا قضوا منها اوطارهم، وسئمتها نفوسهم، ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم، كما قال شيخ الفسوق:
وكاس شربت على لذة واخرى تداويت منها بها
واذا كان هذا تاثير الذنوب والآثام في القلوب، فلا دواء لها الا التوبة والاستغفار.
واما الصلاة، فشانها في تفريح القلب وتقويته، وشرحه وابتهاجه ولذته اكبر شان، وفيها من اتصال القلب والروح بالله، وقربه والتنعم بذكره، والإبتهاج بمناجاته، والوقوف بين يديه، واستعمال جميع البدن وقواه والاته في عبوديته، واعطاء كل عضو حظه منها، واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم، وانجذاب قوى قلبه وجوارحه الى ربه وفاطره، وراحته من عدوه حالة الصلاة ما صارت به من اكبر الأدوية والمفرحات والأغذية التي لا تلائم الا القلوب الصحيحة. واما القلوب العليلة، فهي كالأبدان لا تناسبها الا الأغذية الفاضلة.
فالصلاة من اكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لادواء القلوب، ومطردة للداء عن الجسد، ومنورة للقلب، ومبيضة للوجه، ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق، ودافعة للظلم، ومنزلة للرحمة، وكاشفة للغمة
واما تاثير الجهاد في دفع الهم والغم، فامر معلوم بالوجدان، فان النفس متى تركت صائل الباطل وصولته واستيلاءه، اشتد همها وغمها، وكربها وخوفها، فاذا جاهدته لله ابدل الله ذلك الهم والحزن فرحًا ونشاطًا وقوة، كما قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم} [التوبة: 14، 15]، فلا شيء اذهب لجوى القلب وغمه وهمه وحزنه من الجهاد، والله المستعان.
واما تأثير لا حول ولا قوة الا بالله في دفع هذا الداء، فلما فيها من كمال التفويض والتبري من الحول والقوة الا به، وتسليم الأمر كله له، وعدم منازعته في شيء منه، وعموم ذلك لكل تحول من حال الى حال في العالم العلوي والسفلي، والقوة على ذلك التحول، وان ذلك كله بالله وحده، فلا يقوم لهذه الكلمة شيء. وفي بعض الآثار: انه ما ينزل ملك من السماء، ولا يصعد اليها إلا بلا حول ولا قوة الا بالله، ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان، والله المستعان.
الطب النبوي لابن القيم الجوزية بتصرف
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home