وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
قال - تعالى -: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]،
فنعيمُ الجنَّة مطلبٌ يستحقُّ المنافسة، وهو أُفُقٌ يستحق السِّباق، وغايةٌ تستحق الغلابَ، والذين يتنافسون على شيء من أشياء الأرض مهما كبُر وجلَّ، وارتفع وعظُم، إنما يتنافسون في حقيرٍ قليل فانٍ قريب.
والدنيا لا تزِنُ عند الله جَناحَ بعوضة، ولكن الآخرةَ ثقيلةٌ في ميزانه، فهي إذًا حقيقة تستحق المنافسةَ فيها والمسابقة.
ومن عجب أن التنافسَ في أمر
الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعًا، بينما التنافس في أمرِ الدنيا
ينحطُّ بهم جميعًا،
والسعي لنعيم الآخرة يُصلح الأرض ويَعمُرها ويطهِّرها
للجميع،
والسعي لعَرَض الدنيا يدَعُ الأرض مستنقَعًا وَبِيئًا تأكل فيه
الديدانُ بعضها البعض،
أو تنهش فيه الهوامُّ والحشرات جلودَ الأبرار
الطيبين!
والتنافس في نعيم الآخرة لا
يدَعُ الأرض خرابًا بَلْقعًا كما يتصور بعضُ المنحرفين،
إنما يجعل الإسلامُ
الدنيا مزرعةَ الآخرة،
ويجعل القيام بخلافة الأرض بالعمار مع الصلاحِ
والتقوى وظيفةَ المؤمن الحقِّ،
على أن يتوجَّهَ بهذه الخلافة إلى الله،
ويجعلَ منها عبادة له تحقِّقُ غاية وجوده؛
كما قررها اللهُ - سبحانه -
وهو
يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وإن قوله - تعالى -: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
﴾ [المطففين: 26]
لهو توجيهٌ يمد بأبصارِ أهل الأرض وقلوبهم وراء رقعة
الأرض الصغيرة الزهيدة،
بينما هم يَعمرون الأرضَ، ويقومون بالخلافة فيها،
ويرفعها إلى آفاقٍ أرفع وأطهرَ من المستنقع الآسِنِ،
بينما هم يطهِّرون
المستنقع وينظفِّونه!
إن عُمر المرء في هذه العاجلة محدود، وعمره
في الآجلة لا يعلم نهايتَه إلا اللهُ،
وإن متاع هذه الأرض في ذاته محدود،
ومتاع الجنة لا تحدُّه تصوراتُ البشر، وإن مستوى النعيم في هذه الدنيا
معروفٌ، ومستوى النعيم هنالك يليق بالخلود!
فأين مجالٌ من مجال؟
وأين غاية
من غاية؟
حتى بحساب الرِّبح والخسارة فيما يعهَد البشرُ من حساب.
منقول ..للتدبر
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home