وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
في رحاب آية : (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى)
{ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ . اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ . إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ . قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }
يس:20-27.
هذه الآيات تحكي قصة رجل صالح ندب نفسه لنصرة رُسل الله ودعوتهم .. تتكرر نماذجه في كثير من الأزمنة والأمصار .. التي يُحارَب فيها شرع الله تعالى، ويَسود فيها حكم الطواغيت الظالمين!
من هو ذلك الرجل ؟؟
هل هو رجل مثلنا .. يبحث عن دنيا يصيبها ام ماذا ؟
من هذا الرجل الذي تتحدث عنه هذه الآيه الكريمة
إنه حبيب بن إسرائيل النجار
فهو رجل لكن ليس كرجال عصرنا
بل رجل فيه كل معاني الرجولة والشجاعة والصدق والإقدام , لا يخشى في الله لومة لائم , رجلٌ صادقٌ في لهجته ودعوته , صادق مع نفسه، وعقيدته , وما يدعو إليه , فباطنه كظاهره، وظاهره كباطنه , لا يتخلف قوله عن فعله، ولا فعله عن قوله.
يَسْعَى لأن الأمر هام لا يحتمل التأخير أو التريث والتردد , وبالتالي لا بد من أن يأتيه سعياً قبل أن يفوته القطار ويقع التفريط والندم، ولات حين مندم.
رَجُلٌ كان يعبد الله في غار، فلما سمع بخبر الرسل جاء يسعى.
وكونه قد جاء يسعى, فهذا دليل على أنه كان همَّاماً , وأن همَّ أمته وقومه قد امتلأت به نفسه , لذا فقد جاء يسعى.
يَسْعَى : من أجل ماذا؟
هل من أجل امرأة ينكحها أو دنيا يُصيبها , كما هو شأن الآلاف من الرجال غيره؟!
لا والله ... ليس شيئاً من ذلك أبداً.
فهو جاء يَسْعَى إلى أن يتوسَّط قومَه وهم مجتمعين ليقرروا موقفهم من دعوة الأنبياء والمرسلين .
فشقَّ عليهم جموعهم وناداهم بأعلى صوته ناصحاً ومشفقاً عليهم , وقبل أن يأخذ قسطاً من راحة أو يلتقط أنفاسه من أثر السعي , وبثبات المؤمن الواثق بوعد ربه.
فـ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ... فيما يُبلغون عن ربهم وآمنوا بهم كي تفوزوا فوزاً عظيما.
ومفهوم الأمر باتباع المرسلين يقتضي النهي عن كل دين يُخالف دين المرسلين ,إذ لا يصح ولا يُقبل من المرء أن يتبع دين المرسلين ثم هو في نفس الوقت يتبع دين الطواغيت , وعبادة الأصنام والأوثان , فلا يجتمع في قلب امرئٍ اتباع وانقياد لدين الله واتباع وانقياد لدين الطاغوت أبداً, والقول باجتماعهما هو من قبيل القول بالشيء وضده في آنٍ واحد.
أما من يقتات ويستغني من وراء دعوته وكلماته ويكون همه الأكبر من وراء دعوته كيف يتلقى العطايا والمنح من الآخرين ولو على حساب الحق , فهؤلاء أولي بأن لا يُسمع لهم , وأن يُتهموا في دينهم ومروءتهم، ويُساء بهم الظن, والأنبياء والرسل ليسوا شيئاً من ذلك حاشاهم , لذا فإنه لحري بكم بأن تُصغوا إليهم وإلى دعوتهم وتتبعوهم بإحسان.
مهتدون في أنفسهم ودعوتهم وكل أحوالهم , فلا هداية ولا منجاة لأحد إلا باتباعهم وطاعتهم فاهتدوا بهم وأطيعوهم.
لأنه قد يعترض معترض فيقول: هناك من دعاة الباطل من لا يسألون الناس المال والعطايا على دعوتهم, فيأتي الرد الحاسم عليهم:
ولكنهم غير مهتدين ,فهم إذ لا يأخذون أجراً ولا مالاً, وما أقل هذا الصنف في دعاة الشر والباطل , فإنهم يدعون إلى الفحشاء والمنكر والبغي وهذا بخلاف ما عليه الأنبياء والرسل, فهم إضافة إلى كونهم لا يسألون الناس الأجر ولا مالاً, فهم مهتدون يدعون إلى الهدى والحق.
وما إن أنهى مقاله الإيماني الآنف الذكر إلا واعترضه الملأ من قومه مستفسرين ومستنكرين ومهددين.
هل أنت على دين الأنبياء والرسل ؟
هل تركت ديننا ؟ دين الآباء والأجداد, دين عبادة الأوثان والأصنام والطواغيت؟!
فأجابهم:
وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي : وما الذي يمنعني من أن أفرد الله تعالى وحده بالعبادة وهو الذي خلقني، فأحسن خلقي وتفضل علي بالنعم التي لا تُعد ولا تُحصى, فمن لوازم ومتطلبات النعم التي خص الله بها العباد، أن يخصه العباد بالحمد والشكر ويفردوه بالعبادة.
ثم هل من آلهتكم المزعومة وأوثانكم وأصنامكم من يستطيع أن يخلق شيئاً ؟
وإذا كان لا يستطيع أن يخلق شيئاً , وهو أعجز من أن يخلق بعوضة ,فهل من يخلق كمن لا يخلق؟
هل يستويان مثلاً ؟
"أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ " النحل:17.
"أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ " الأعراف:191.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : ثم أنكم أيها المشركون الضالون لا تحسبون أنكم بمفازة من العذاب عندما تُرجعون إلى الله يوم القيامة, ويُجرى عليكم الحساب ويجازي الله تعالى الناسَ على أعمالهم، وما قدموا لأنفسهم من شئ , إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر, يوم يقع الندم، ولات حين مندم .
"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً" الفرقان:27.
"يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً" النبأ:40.
وهذا سؤال توبيخي تقريعي استنكاري, أي كيف تحملونني على أن أعبد آلهة من دون الله تعالى ضعيفة عاجزة, لا تخلق، ولا تنفع ولا تضر, أليس لكم عقول تتفكرون بها؟!!
ومن علامات ضعف، وعجز، وقصور هذه الآلهة المزعومة:
فالشفاعة تكون يوم القيامة لمن ارتضى الله وأذن له من الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء، وغيرهم من المؤمنين الموحدين ولمن شاء الله أن يُشفَع له.
فهم أضعف وأعجز من ذلك, فهم لا يملكون من الأمر شيئاً, فالأمر كله لله تعالى وحده.
فكاشفُ الضُّر هو الله تعالى وحده.
وإن أرادك بفضل وخير فلا رادَّ لفضله وقضائه.
" وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ" الأنعام:17.
" وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "يونس:107.
"وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" الشعراء:80.
فلما سمع الملأ من قومه هذه الإجابة الإيمانية عما قد سألوه عنه ولمسوا منه صدق لهجته والجد فيما يقول.
عاودوا الكرة في تهديده وزجره ونهيه وبالغوا في التهديد والوعيد إن لم يرجع و يعود لدينهم ويدخل من جديد فيه, دين عبادة الأوثان والطواغيت.
فما كان جوابه لهم إلا أن قال لهم بكل ثبات ويقين، وبملء فِيه:
وكفرتُ بأصنامكم وأوثانكم وطواغيتكم التي تعبدونها من دون الله.
وبيان هذا المعنى من لوازم وشروط الإيمان برب العالمين, إذ لا يصح إيمان برب العالمين إلا بعد الكفر بالطاغوت، كما قال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ "النحل:36.
وقال:" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "البقرة:256.
فوثبوا عليه وثبة رجلٍ واحد, يملؤ نفوسَهم الحقدُ والكراهية والعداوة والبغضاء, فضربوه ورجموه وحرَّقوه ووطئوه بأقدامهم وتفننوا في تعذيبه, رَجُلٌ رَجُلٌ : كفر بالطواغيت, كل الطواغيت التي تُعبد من دون الله .. اعتقاداً وقولاً وعملاً .. فترجم التوحيد في جهاده وصدعه بالحق أحسن ترجمة وبيان. رَجُلٌ : حمل على عاتقيه همَّ أمته وقومه , كيف يُغيثهم , كيف ينقذهم من الهلاك , كيف يحميهم من أذى وشرِّ الطواغيت , ويخرجهم من ظلمات الكفر والشرك إلى نور وعدل الإسلام , ولو أدى ذلك به إلى التعذيب او حتي القتل والاستشهاد. يَسْعَى : فهو لم يجئ ماشياً بل جاء ساعياً يركض ويهرول بأقصى ما أوتي من قوة وعزيمة وإرادة , لماذا ؟ يَسْعَى خشية أن يفوته موقف فيه نصرة لله ولرسُلِ الله. اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً : فمن علامات صدق الرسل أنهم لا يسألونكم أجراً وعطاءً على دعوتهم وجهادهم ونصحهم وإبلاغ رسالة الله لكم فأجرهم على الله وحده, ويسألونكم فقط أن تدخلوا في دين الله تعالى، وفي عبادته وتوحيده, وأن تكفروا بالأوثان والطواغيت، وتتبرأوا من عبادتهم. وَهُم مُّهْتَدُونَ : وهم إضافة إلى ذلك كله فهم مهتدون موفَّقون إلى الحق صراط الله المستقيم . آلِهَةً : فأخصهم بالعبادة، والطاعة، والمحبة، والتحاكم من دون الله, وقد تبين أنهم عاجزون قاصرون لا يملكون شيئاً, ولا يقدرون أن يخلقوا شيئاً, ولا ينفعون ولا يضرون أحداً إلا إذا شاء الله رب العالمين؟ إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ : أي إن يصيبني الله ببلاء كالمرض وغيره . لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً : أي لا تنفعني شفاعتهم في شيء, لأنهم لا شفاعة لهم أصلاً. وَلاَ يُنقِذُونِ : أي كذلك فهم لا يستطيعون أن ينقذوني أو يخلصوني مما أنا فيه من البلاء والمرض. إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ : أي إن أصغيت إليكم وأطعتكم فيما تأمرونني به, من عبادة آلهتكم وأوثانكم، وأصنامكم، وطواغيتكم من دون, أو حتي مع الله, فإني يقيناً على خطأ بيِّنٍ ظاهر، وأنا من الهالكين الخاسرين الذين ضلوا الحقَّ، والصراط المستقيم. إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ : الذي خلقكم .. والذي خلق السماوات والأرض, والذي رزقكم وأمدكم بالنعم, ثم أنتم به تكفرون. فَاسْمَعُونِ : فافهموا مقالي وخطابي جيداً, بأني قد آمنت بالله رب العالمين, وكفرت بالطواغيت كل الطواغيت التي تعبدونها من دون الله, فافعلوا بي ما بدا لكم, فإني لا أخشاكم, ولا أخشى جموعكم ولا عساكرك,م فأنا لا أخشى إلا الله سبحانه و تعالي. وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ؛ أي من حدودها وأطرافها .. ومن أقصى وأبعد بابٍ من أبوابها .. قاصداً مركز المدينة و وسطها .. و المراد بها المكان الذي يجتمع فيه الملأ وأتباعهم عند حصول أمر هام ينزل بساحتهم ومدينتهم، يقتضي منهم الاجتماع. رَجُلٌ : صدَقَ الله في البيع , فصدقه الله في الشراء والجزاء. أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ : أي من دون الله تعالى.
هذه الآيات تحكي قصة رجل صالح ندب نفسه لنصرة رُسل الله ودعوتهم .. تتكرر نماذجه في كثير من الأزمنة والأمصار .. التي يُحارَب فيها شرع الله تعالى، ويَسود فيها حكم الطواغيت الظالمين!
من هو ذلك الرجل ؟؟
هل هو رجل مثلنا .. يبحث عن دنيا يصيبها ام ماذا ؟
من هذا الرجل الذي تتحدث عنه هذه الآيه الكريمة
إنه حبيب بن إسرائيل النجار
فهو رجل لكن ليس كرجال عصرنا
بل رجل فيه كل معاني الرجولة والشجاعة والصدق والإقدام , لا يخشى في الله لومة لائم , رجلٌ صادقٌ في لهجته ودعوته , صادق مع نفسه، وعقيدته , وما يدعو إليه , فباطنه كظاهره، وظاهره كباطنه , لا يتخلف قوله عن فعله، ولا فعله عن قوله.
يَسْعَى لأن الأمر هام لا يحتمل التأخير أو التريث والتردد , وبالتالي لا بد من أن يأتيه سعياً قبل أن يفوته القطار ويقع التفريط والندم، ولات حين مندم.
رَجُلٌ كان يعبد الله في غار، فلما سمع بخبر الرسل جاء يسعى.
وكونه قد جاء يسعى, فهذا دليل على أنه كان همَّاماً , وأن همَّ أمته وقومه قد امتلأت به نفسه , لذا فقد جاء يسعى.
يَسْعَى : من أجل ماذا؟
هل من أجل امرأة ينكحها أو دنيا يُصيبها , كما هو شأن الآلاف من الرجال غيره؟!
لا والله ... ليس شيئاً من ذلك أبداً.
فهو جاء يَسْعَى إلى أن يتوسَّط قومَه وهم مجتمعين ليقرروا موقفهم من دعوة الأنبياء والمرسلين .
فشقَّ عليهم جموعهم وناداهم بأعلى صوته ناصحاً ومشفقاً عليهم , وقبل أن يأخذ قسطاً من راحة أو يلتقط أنفاسه من أثر السعي , وبثبات المؤمن الواثق بوعد ربه.
فـ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ... فيما يُبلغون عن ربهم وآمنوا بهم كي تفوزوا فوزاً عظيما.
ومفهوم الأمر باتباع المرسلين يقتضي النهي عن كل دين يُخالف دين المرسلين ,إذ لا يصح ولا يُقبل من المرء أن يتبع دين المرسلين ثم هو في نفس الوقت يتبع دين الطواغيت , وعبادة الأصنام والأوثان , فلا يجتمع في قلب امرئٍ اتباع وانقياد لدين الله واتباع وانقياد لدين الطاغوت أبداً, والقول باجتماعهما هو من قبيل القول بالشيء وضده في آنٍ واحد.
أما من يقتات ويستغني من وراء دعوته وكلماته ويكون همه الأكبر من وراء دعوته كيف يتلقى العطايا والمنح من الآخرين ولو على حساب الحق , فهؤلاء أولي بأن لا يُسمع لهم , وأن يُتهموا في دينهم ومروءتهم، ويُساء بهم الظن, والأنبياء والرسل ليسوا شيئاً من ذلك حاشاهم , لذا فإنه لحري بكم بأن تُصغوا إليهم وإلى دعوتهم وتتبعوهم بإحسان.
مهتدون في أنفسهم ودعوتهم وكل أحوالهم , فلا هداية ولا منجاة لأحد إلا باتباعهم وطاعتهم فاهتدوا بهم وأطيعوهم.
لأنه قد يعترض معترض فيقول: هناك من دعاة الباطل من لا يسألون الناس المال والعطايا على دعوتهم, فيأتي الرد الحاسم عليهم:
ولكنهم غير مهتدين ,فهم إذ لا يأخذون أجراً ولا مالاً, وما أقل هذا الصنف في دعاة الشر والباطل , فإنهم يدعون إلى الفحشاء والمنكر والبغي وهذا بخلاف ما عليه الأنبياء والرسل, فهم إضافة إلى كونهم لا يسألون الناس الأجر ولا مالاً, فهم مهتدون يدعون إلى الهدى والحق.
وما إن أنهى مقاله الإيماني الآنف الذكر إلا واعترضه الملأ من قومه مستفسرين ومستنكرين ومهددين.
هل أنت على دين الأنبياء والرسل ؟
هل تركت ديننا ؟ دين الآباء والأجداد, دين عبادة الأوثان والأصنام والطواغيت؟!
فأجابهم:
وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي : وما الذي يمنعني من أن أفرد الله تعالى وحده بالعبادة وهو الذي خلقني، فأحسن خلقي وتفضل علي بالنعم التي لا تُعد ولا تُحصى, فمن لوازم ومتطلبات النعم التي خص الله بها العباد، أن يخصه العباد بالحمد والشكر ويفردوه بالعبادة.
ثم هل من آلهتكم المزعومة وأوثانكم وأصنامكم من يستطيع أن يخلق شيئاً ؟
وإذا كان لا يستطيع أن يخلق شيئاً , وهو أعجز من أن يخلق بعوضة ,فهل من يخلق كمن لا يخلق؟
هل يستويان مثلاً ؟
"أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ " النحل:17.
"أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ " الأعراف:191.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : ثم أنكم أيها المشركون الضالون لا تحسبون أنكم بمفازة من العذاب عندما تُرجعون إلى الله يوم القيامة, ويُجرى عليكم الحساب ويجازي الله تعالى الناسَ على أعمالهم، وما قدموا لأنفسهم من شئ , إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر, يوم يقع الندم، ولات حين مندم .
"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً" الفرقان:27.
"يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً" النبأ:40.
وهذا سؤال توبيخي تقريعي استنكاري, أي كيف تحملونني على أن أعبد آلهة من دون الله تعالى ضعيفة عاجزة, لا تخلق، ولا تنفع ولا تضر, أليس لكم عقول تتفكرون بها؟!!
ومن علامات ضعف، وعجز، وقصور هذه الآلهة المزعومة:
فالشفاعة تكون يوم القيامة لمن ارتضى الله وأذن له من الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء، وغيرهم من المؤمنين الموحدين ولمن شاء الله أن يُشفَع له.
فهم أضعف وأعجز من ذلك, فهم لا يملكون من الأمر شيئاً, فالأمر كله لله تعالى وحده.
فكاشفُ الضُّر هو الله تعالى وحده.
وإن أرادك بفضل وخير فلا رادَّ لفضله وقضائه.
" وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ" الأنعام:17.
" وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "يونس:107.
"وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" الشعراء:80.
فلما سمع الملأ من قومه هذه الإجابة الإيمانية عما قد سألوه عنه ولمسوا منه صدق لهجته والجد فيما يقول.
عاودوا الكرة في تهديده وزجره ونهيه وبالغوا في التهديد والوعيد إن لم يرجع و يعود لدينهم ويدخل من جديد فيه, دين عبادة الأوثان والطواغيت.
فما كان جوابه لهم إلا أن قال لهم بكل ثبات ويقين، وبملء فِيه:
وكفرتُ بأصنامكم وأوثانكم وطواغيتكم التي تعبدونها من دون الله.
وبيان هذا المعنى من لوازم وشروط الإيمان برب العالمين, إذ لا يصح إيمان برب العالمين إلا بعد الكفر بالطاغوت، كما قال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ "النحل:36.
وقال:" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "البقرة:256.
فوثبوا عليه وثبة رجلٍ واحد, يملؤ نفوسَهم الحقدُ والكراهية والعداوة والبغضاء, فضربوه ورجموه وحرَّقوه ووطئوه بأقدامهم وتفننوا في تعذيبه, رَجُلٌ رَجُلٌ : كفر بالطواغيت, كل الطواغيت التي تُعبد من دون الله .. اعتقاداً وقولاً وعملاً .. فترجم التوحيد في جهاده وصدعه بالحق أحسن ترجمة وبيان. رَجُلٌ : حمل على عاتقيه همَّ أمته وقومه , كيف يُغيثهم , كيف ينقذهم من الهلاك , كيف يحميهم من أذى وشرِّ الطواغيت , ويخرجهم من ظلمات الكفر والشرك إلى نور وعدل الإسلام , ولو أدى ذلك به إلى التعذيب او حتي القتل والاستشهاد. يَسْعَى : فهو لم يجئ ماشياً بل جاء ساعياً يركض ويهرول بأقصى ما أوتي من قوة وعزيمة وإرادة , لماذا ؟ يَسْعَى خشية أن يفوته موقف فيه نصرة لله ولرسُلِ الله. اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً : فمن علامات صدق الرسل أنهم لا يسألونكم أجراً وعطاءً على دعوتهم وجهادهم ونصحهم وإبلاغ رسالة الله لكم فأجرهم على الله وحده, ويسألونكم فقط أن تدخلوا في دين الله تعالى، وفي عبادته وتوحيده, وأن تكفروا بالأوثان والطواغيت، وتتبرأوا من عبادتهم. وَهُم مُّهْتَدُونَ : وهم إضافة إلى ذلك كله فهم مهتدون موفَّقون إلى الحق صراط الله المستقيم . آلِهَةً : فأخصهم بالعبادة، والطاعة، والمحبة، والتحاكم من دون الله, وقد تبين أنهم عاجزون قاصرون لا يملكون شيئاً, ولا يقدرون أن يخلقوا شيئاً, ولا ينفعون ولا يضرون أحداً إلا إذا شاء الله رب العالمين؟ إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ : أي إن يصيبني الله ببلاء كالمرض وغيره . لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً : أي لا تنفعني شفاعتهم في شيء, لأنهم لا شفاعة لهم أصلاً. وَلاَ يُنقِذُونِ : أي كذلك فهم لا يستطيعون أن ينقذوني أو يخلصوني مما أنا فيه من البلاء والمرض. إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ : أي إن أصغيت إليكم وأطعتكم فيما تأمرونني به, من عبادة آلهتكم وأوثانكم، وأصنامكم، وطواغيتكم من دون, أو حتي مع الله, فإني يقيناً على خطأ بيِّنٍ ظاهر، وأنا من الهالكين الخاسرين الذين ضلوا الحقَّ، والصراط المستقيم. إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ : الذي خلقكم .. والذي خلق السماوات والأرض, والذي رزقكم وأمدكم بالنعم, ثم أنتم به تكفرون. فَاسْمَعُونِ : فافهموا مقالي وخطابي جيداً, بأني قد آمنت بالله رب العالمين, وكفرت بالطواغيت كل الطواغيت التي تعبدونها من دون الله, فافعلوا بي ما بدا لكم, فإني لا أخشاكم, ولا أخشى جموعكم ولا عساكرك,م فأنا لا أخشى إلا الله سبحانه و تعالي. وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ؛ أي من حدودها وأطرافها .. ومن أقصى وأبعد بابٍ من أبوابها .. قاصداً مركز المدينة و وسطها .. و المراد بها المكان الذي يجتمع فيه الملأ وأتباعهم عند حصول أمر هام ينزل بساحتهم ومدينتهم، يقتضي منهم الاجتماع. رَجُلٌ : صدَقَ الله في البيع , فصدقه الله في الشراء والجزاء. أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ : أي من دون الله تعالى.
الكل من حوله فَرِحٌ بموته, والكل منهم لا ينسى حظَّه من اللطم والشَّتم والرَّفس حتى بعد موته, عسى أن يشفي بعض ما في نفسهم من غِلٍّ وحقد على دين الله وأتباعه.
بينما جند الله في السماء كانوا في أشد الشوق إليه ..... ليحتفوا به بطريقتهم ........ ويفرحوا بحياته من جديد , وبقدومه عليهم شهيد.
فلما مات وخرجت الروح من جسدها إلى بارئها وتلقتها الملائكة فرحين ومُبشرين .
قِيل له مباشرة ، وفي الحال:
ادْخُلِ الْجَنَّةَ : لينعم بنعيمها وخيراتها وملذاتها, جزاء إيمانه وجهاده ونصحه لقومه وصبره على البلاء .
فلما رأى ما هو فيه من النعيم والخيرات والمسرات, بينما قومه لا يزالون كالكلاب المسعورة منشغلين بالانتقام من جسده الطاهر .
قال:
يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ : ما أنا فيه، وما هم فيه .
ما أنا فيه من النعيم المقيم .
وما هم فيه من الشقاء والضلال المبين والانشغال بالاعتداء على جسدي.
ثم يا ليتهم يعلمون:
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي
بالمسرات والخيرات .
والعطاء الجزيل .
فإنهم لو علموا ذلك عسى أن يهتدوا ويؤمنوا ويقلعوا عن شركهم وضلالهم, فنصح قومه حياً وبعد مماته رحمه الله وغفر له وزاده شرفاً وتكريماً.
و تصديقاً لذلك في كتاب الله تعالي قوله :
" وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" آل عمران:169.
" وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ"
: ذنبي الذي كان مني قبل أن أتبع المرسلين، الذي لو مت عليه لكنت من الهالكين الخاسرين.
وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ : فأكرمني بالمقامات العالية.البقرة:154.
اللهم إنا نسألك جهاداً في سبيلك
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمه
اللهم إنا نسألك الفوز بالجنه و النجاة من النار برحمتك يــــا أرحم الراحمين
آمين آمين آمين يا رب العالمين
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمه
اللهم إنا نسألك الفوز بالجنه و النجاة من النار برحمتك يــــا أرحم الراحمين
آمين آمين آمين يا رب العالمين
--------------
ابو حبيبة الجيزاوي
2 Comments:
رائعة يا مها
جزاك الله خيرا
ربنا يخليكي
شكرا يا صفاء :)
إرسال تعليق
<< Home